الإعلام والإرهاب: من يخدم من..؟

على مدى ثلاثة أيّام كانت إشكاليات "علاقة الإعلام بالإرهاب" مادّة حوارات مؤتمر عالمي مهم نظمته مشكورة جامعة الملك خالد في مدينة أبها مؤخرا. وكان المشاركون الذين يزيد عددهم على مئة شخصيّة من داخل المملكة وخارجها متفقين حول أهميّة المسؤوليّة المجتمعيّة للإعلام الدولي في معالجاته للإرهاب. ولعل هذه الشعور كان أحد أهم أسباب اعتزام المشاركين توقيع إعلان أبها العالمي حول الإعلام والإرهاب. وفي البعد الوطني كانت توصية المشاركين المهمّة التي تطالب بإنشاء المرصد الوطني للقضايا الإرهابية في الإعلام بهدف رصد وتحليل اتجاهات وأشكال المعالجات الإعلاميّة لقضايا الإرهاب ومدخلاته ومخرجاته خدمة للقرار الوطني.

إن إشكاليّة دور الإعلام السلبي والإيجابي في موضوعات الإرهاب ما برحت محل نقاش في كثير من دول العالم خاصة مع تعقد الظاهرة الإرهابيّة. ويزيد من هذه التعقيدات خروج الإعلام من حضن المؤسسات إلى (كفوف) الناس مع انتشار الهواتف الذكيّة واستخدامات الشبكات الاجتماعيّة ووسائط التواصل بين هذه الهواتف.

ويأتي على رأس الإشكاليات أيضا تقاطع المصالح السياسيّة للدول والمنظمات ومن ثم توظيف وسائل الإعلام لخدمة الإرهاب (بشكل مباشر أو غير مباشر) ضمن الحسابات السياسة والعسكريّة المعقدة. ويذكر من عاصر مراحل رواج التنظيمات الإرهابيّة المرتبطة بالقاعدة بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ كيف كان دور بعض القنوات في صناعة نموذج البطل من بين رموز التطرف والإرهاب. والحال ذاته ينطبق على شبكة الإنترنت حين كانت أشهر المواقع الإرهابيّة تستضاف في خوادم أميركيّة وأوروبيّة في تشابك غريب مريب لم تحلّ كل ألغازه حتى يومنا هذا.

ومن جهة أخرى لا يمكن أيضا اتهام الإعلام (التقليدي بشكل خاص) بالمسؤوليّة وحده كون الإعلام لا يمكنه أن يتجاهل حدثا (إرهابيّا) كبيرا أو لا يبحث في الأسباب والدوافع. وحتى لو مُنِع أو تجاهل الإعلام المؤسسي بعض هذه الحوادث (الإرهابيّة) ونجومها فستجد طريقها إلى الناس عبر الوسائط المنتشرة بينهم دون شرح وقد تحدث الأثر السلبي الكبير. بل إنّ مما يحمد للإعلام المؤسسي في هذه القضايا هو ترسّخ ثقافة تقديم التحليل المنطقي مع الأحداث ومن ثم تفويت الفرصة على مصدّري الخطاب التبريري الداعم لبعض مظاهر العنف والإرهاب.

ومع كل هذا فإن الحد الفاصل بين فرضيّات خدمة الإعلام للإرهاب ودوره في مواجهته دقيق جدا تبعا لهويّة الوسيلة الإعلامية وهواها وأيضا باعتبار قوة وضعف أدوات الرقابة والمحاسبة التي ينبغي أن تكون الأقوى حتى لا تُختطف عقول الشباب الغضة جراء التسابق الإعلامي أو خطأ الحسابات. وبناء على ذلك فلربما حان الوقت الآن للشروع في تنشيط وإنشاء المؤسسات المجتمعيّة المعنيّة بحماية "مستهلك المنتجات الإعلامية" من الضرر والتلوث الفكري بكل أصنافه.

بقلم: فايز الشهري - الرياض