أسير فلسطيني ينال رسالة دكتواره عبر الهاتف الجوال

رغم تأثره لعدم قدرته على مناقشة رسالة الدكتوراه كأقرانه من الطلبة إلا أن الأسير الفلسطيني ناصر عبد الله عودة تمكن بمصاحبة الهاتف الخليوي من قلب معتقله الإسرائيلي من تحقيق إنجاز نادر أهداه لشعبه وعائلته، حيث تمكن من مناقشة رسالته عبر هذا الهاتف بمشاركة محبيه على الجانبين. 16 أغسطس (آب) الماضي 2003 كان التاريخ المنتظر.. فذلك اليوم كان شاهدا كبيرا على عظمة طموح الأسرى الفلسطينيين الذين التفوا حول خيمة النور بقسم 5 في سجن مجدو العسكري عندما استخدم ناصر هاتفا خلويا (مهربا) كان وسيلته الوحيدة لمناقشة رسالة دكتوراه مقدمة للجامعة الأمريكية المفتوحة ومقرها واشنطن، خصوصا بعد أن منعت سلطة السجون الإسرائيلية وفدا منتدبا من الجامعة من دخول السجن لمناقشة الرسالة. واستطاع العشرات من المعتقلين متابعة مجريات عملية النقاش من خلال تقنيات فنية ابتدعها الأسرى تمكنهم من الاستماع للحديث عبر الخلوي الذي يبث على مختلف الأقسام في السجن. وناقش عودة على مدار الساعتين الأطروحة التي قدمها إلى الجامعةالأمريكية المفتوحة والتي حملت عنوان (نظرية التسامح الإسلامي مع غير المسلمين) وجاءت في 500 صفحة، وخلصت إلى أهمية إرساء نظرة متوازنة معتدلة للعلاقة بين المسلمين وغيرهم. وخلال المناقشة انقطع الاتصال عدة مرات بسبب حالة التشويش المفروضة من إدارة السجن التي تضعها على أعمدة المراقبة المحيطة بأقسام المعتقل. وبعد نحو ساعتين ونصف الساعة من النقاش أوصت لجنة المناقشة المؤلفة من الدكتور أمير عبد العزيز، والدكتور حلمي عبد الهادي، والدكتور ناصر الدين من كلية الشريعة في جامعة النجاح بمنح الأسير ناصر عودة (38 عاما) شهادة الدكتوراه بتفوق عن رسالته التي حملت عنوان (نظرية التسامح في التعامل مع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي). أما عودة فلم يجد الكلمات التي تعبر عن سعادته بهذا الإنجاز الذي أهداه إلى شعبه وعائلته خلال اتصال هاتفي معه، وقال إن إنجازه يثبت أن الفلسطيني قادر على تحقيق الإنجازات حتى في أصعب الظروف. وعودة هو أول أسير فلسطيني يحصل على هذا اللقب الجامعي داخل السجن بهذه الطريقة، فالمعتقلون الفلسطينيون يعانون قيودا تفرضها إسرائيل على استكمال دراستهم الجامعية، حيث تشترط أن يتم ذلك في إطار الجامعة الإسرائيلية المفتوحة وفي إطار تخصصات محددة فقط، ولا يسمح للمعتقلين بالانتساب إلى أي جامعة عربية أو أجنبية مفتوحة رغم بذل العديد من مؤسسات حقوق الإنسان الجهود في هذا الشأن. وقد أعد عودة رسالته سرا داخل سجنه، وتقدم بطلب للسماح للجنة المناقشة بالحضور إلى السجن لمناقشة الرسالة، غير أن طلبه رفض، ثم ما لبثت إدارة (سجن مجدو) أن وافقت على السماح له بمناقشتها عبر الهاتف الخلوي. ووصف العديد من المعتقلين أجواء سجن مجدو في ذلك اليوم بأنها كانت أشبه بعرس كونها المرة الأولى التي يسمح فيها لأسير فلسطيني بأن يناقش رسالة الدكتوراه. وقد أطلقت التكبيرات فور إعلان النتيجة وأقيم احتفال في جميع الأقسام وزعت خلاله الحلوى. وكان ناصر وهو متزوج وأب لولدين حاصلا على شهادتي البكالوريوس والماجستير من الجامعة الأردنية قد اعتقل قبل عشر سنوات (1993) في أثناء عمله محاضرا في الكلية الإسلامية في مدينة أم الفحم وحكم عليه بالسجن 12 عاما بتهمة الانتماء لحركة المقاومة الإسلامية، أمضى منها حتى الآن عشرة أعوام وقد انتسب للجامعة الأمريكية الإسلامية المفتوحة لدراسة الدكتوراه منذ خمس سنوات، وسمح له بتقديم امتحان شامل بإشراف الدكتور أكرم الخروبي من جامعة القدس ولكن طلبه بدخول لجنة المناقشة قوبل في أثنائها بالرفض القاطع.وحسب الدكتور ناصر الدين الشاعر أحد أعضاء لجنة المناقشة فإن إدارة الجامعة الأمريكية المفتوحة طلبت من جامعة النجاح تشكيل لجنة علمية مختصة لمناقشة رسالة الطالب الأسير عبد الناصر لتعذر وصوله إلى الجامعة. وقد حاولت اللجنة عقد المناقشة في السجن، لكن إدارة السجن رفضت بشدة، رغم تدخل جهات عديدة من بينهم أعضاء في الكنيست الإسرائيلي. وأمام رفض إدارة السجن غير المبرر، وافقت الجامعة الأمريكية على المناقشة عبر الهاتف وهو ما جرى بعد أن وفرت جامعة النجاح التسهيلات الفنية اللازمة مثل قاعة مناسبة وخط هاتفي مع مضخم للصوت. وقد جرت مناقشة علمية جدية طويلة بين اللجنة والطالب الأسير، وطلبت منه اللجنة إدخال بعض التعديلات على رسالته قبل أن تقرر منحه درجة الدكتوراه. وفي مكالمة هاتفية مع ذوي ناصر أبدت الزوجة أم أسيد سرورها لإتمام زوجها المناقشة بعد جهد مضن شاركته فيها في أغلب فصولها. وقالت أم أسيد إن زوجها تقدم بطلب لإدارة معتقل عسقلان للسماح بدخول أعضاء لجنة المناقشة المكونة من ثلاثة أساتذة للمعتقل بهدف مناقشة أطروحة الدكتوراه، إلا أن طلبه رفض ثم نقل إلى سجن مجدو، حيث واجه مشكلات كبيرة في إعداد رسالته وإخراجها من السجن. ومن ناحية أخرى أشار المعتقل عز الدين عمارنة وهو زوج شقيقة المعتقل عودة إلى أنه رافقه 5 سنوات وهي مدة إعداده الرسالة، وتم خلالها مراجعة 250 مرجعا تم إدخال غالبيتها عبر زيارات الأهل أو المحاكم دون موافقة إدارات السجون. كما أن الدكتور المعتقل أكرم خروبي الذي التقى الأسير عودة في سجن عسقلان قد ساعده كثيرا، حيث أجرى له امتحانات داخلية، نظرا لعمله السابق محاضرا في جامعة جورج واشنطن الأمريكية لمدة 10 سنوات، ومن ثم عمله في جامعة القدس. وقد تم إخراج رسالة الدكتوراه من السجن عبر الزيارات العائلية على دفعات وبعد استكمالها تم طباعتها في رام الله ثم أدخلت نسخة منها إلى سجن مجدو وأرسلت نسخ أخرى إلى لجنة المناقشة بنابلس. وقال أسرى في سجن عسقلان، حيث أمضى الأسير ناصر معظم سنوات حكمه قبل أن ينقل مؤخرا إلى سجن مجدو، إن السجانين يسحبون أسرى من بينهم من حين لآخر وينكلون بهم في زنازين عزل انفرادي بذريعة حيازتهم أجهزة اتصال هاتف خلوي. وقال عمر في دراسته إن الورود التي نبتت في قطعة الأرض المسيجة تلك عكست تأثيرا إيجابيا حتى على السجانين أنفسهم الذين لم يفهموا أن هؤلاء الأسرى بشر لهم همومهم واحتياجاتهم واهتماماتهم الإنسانية النبيلة مثل باقي البشر في أي مكان في العالم. أما ابن عم ناصر، إسلام عبد الجواد، وهو محاضر في جامعة النجاح والذي ساعده في تلقي مواد الرسالة وجمعها وطباعتها، فكان ناصر يرسل مواد الرسالة تباعا مع الأسرى الخارجين من السجن، وكان إسلام يتلقاها ويطبعها. وعندما كان يتعذر إيصالها للسجن، يتم إرسالها عبر الهاتف النقال، حيث نقرأ عليه المادة المطلوبة كلمة وراء كلمة ليقوم بدوره بتسجيلها واستخدامها في كتابة الرسالة. وقالت لجنة المناقشة إن رسالة ناصر كانت متقنة ورفيعة المستوى، حيث استخدم فيها ناصر 268 مرجعا، وخلص إلى نتائج مثيرة للجدل، حيث دعا إلى إعادة النظر في بعض الآراء الفقهية بشأن التعامل مع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، لصالح التعددية والحرية الدينية ومنح مدى أوسع من الحرية حتى لغير أهل الكتاب. واعتبر الباحث آراء بعض الفقهاء بشأن التشدد في التعامل مع المسيحيين في المجتمع الإسلامي آراء ظرفية جاءت نتيجة حروب وصراعات في تلك الفترة. وقد استعان بأفكار محدثة في رسالته مثل المفكرين والعلماء، راشد الغنوشي ويوسف القرضاوي ومحمد الغزالي وفهمي هويدي، إلى جانب فقهاء وعلماء قدماء. ? نقلا عن مجلة اتصال بتصرف