سرطان البنكرياس... المرض الصامت

لا يزال سرطان غدة البنكرياس من الأورام التي يصعب السيطرة عليها. وبالرغم من أن عدد حالات هذا المرض لا تعادل اثنين بالمائة من كل حالات السرطان. إلا أنه يصنف بالمرتبة الخامسة من حيث عدد الوفيات التي يتسبب فيها. البنكرياس ووظيفته يقع البنكرياس في البطن، وهو محاط بالمعدة والأمعاء وأعضاء أخرى. ويبلغ طوله 15 سم تقريبا وهو يشبه حبة الكمثرى (عريضة من جهة وضيقة من جهة أخرى). والجزء العريض للبنكرياس يدعى الرأس، والنهاية الضيقة تدعى الذيل، أما القسم المتوسط فيدعى جسم البنكرياس. والبنكرياس عبارة عن غدة لها وظيفتان رئيستان: إنتاج العصارة البنكرياسية. وإنتاج هرمونات الأنسولين. حيث تحتوي العصارة البنكرياسية بروتينات تدعى الإنزيمات وهي تساعد في هضم الطعام، حيث يتم إفراز هذه العصارة عند الحاجة في نظام قنوات محدد. وينضم أنبوب البنكرياس الرئيس إلى أنبوب الصفراء القادم من الكبد والمرارة، وتشكل هذه الأنابيب مجتمعة أنبوبا قصيرا يفرغ في الاثني عشر. وتساعد الهرمونات البنكرياسية الجسم على استعمال الطاقة الناتجة من الغذاء أو تخزينها، فعلى سبيل المثال يساعد الأنسولين في السيطرة على كمية السكر (مصدر الطاقة) في الدم، ويطلق البنكرياس الأنسولين والهرمونات التي يحتاج إليها الجسم، فتدخل هذه الهرمونات مجرى الدم وتنتقل إلى جميع أنحاء الجسم. المرض الصامت بحسب د.عبدالله العبادي استشاري الأورام في مستشفى الجامعة الأردنية فإن الأبحاث تشير إلى وجود أكثر من مائة نوع مختلف من السرطان، بعضها يمكنه مهاجمة البنكرياس، وتبدأ أكثر أمراض سرطان البنكرياس في الأنابيب التي تحمل العصائر البنكرياسية، وهناك نوع نادر من السرطان البنكرياسي يبدأ في الخلايا التي تنتج الأنسولين والهرمونات الأخرى. وبينما ينمو سرطان البنكرياس فإن الورم قد يهاجم الأعضاء التي تحيط بالبنكرياس مثل المعدة أو الأمعاء الدقيقة، كما قد تنفصل خلايا سرطان البنكرياس عن الورم وتنتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم مثل العقد الليمفاوية والكبد وأحيانا في الرئة أو العظام، والأورام الجديدة لها نوع الخلايا الشاذة نفسها واسم الورم نفسه في البنكرياس، فعلى سبيل المثال، إذا انتشر سرطان البنكرياس إلى الكبد، فإن خلايا السرطان في الكبد تدعى خلايا سرطان بنكرياسية. ويضيف د.العبادي: يطلق غالبا على سرطان البنكرياس اسم المرض الصامت لأنه عادة لا يسبب الأعراض مبكرا، فالسرطان قد ينمو لبعض الوقت قبل أن يسبب ضغطا في البطن وألما أو مشكلات أخرى، ولذلك فعند اكتشاف سرطان البنكرياس يكون غالبا قد انتشر خارج البنكرياس ويعتمد ظهور الأعراض على موقع الورم وحجمه. وفي أثناء نمو السرطان وانتشاره، قد يصاحبه ألم أعلى البطن والظهر، وهذا الألم قد يصبح أسوأ بعد أن يتناول المريض الطعام. ويسبب سرطان البنكرياس غثيانا وفقدان شهية وفقدان الوزن وضعفا وهزالا عاما في الجسم. والطبيب فقط هو من يستطيع أن يحدد السبب ويشخصه. التشخيص وحول طريقة تشخيص المرض يقول د.العبادي: يقوم الطبيب بعمل الفحص السريري والتدقيق في علامات الصحة العامة وقد يطلب فحص الدم، والبول وفحوصات أخرى، وفي العادة يطلب إجراء صور للبنكرياس، حيث إنها تساعده في تشخيص سرطان البنكرياس وتحديد المرحلة المرضية، وتظهر الصورة موقع السرطان ومرحلته الأمر الذي يساعد في تقرير كيفية المعالجة. وتعطي صور البنكرياس والأعضاء القريبة منه أدلة مهمة على وجود السرطان، وأخذ عينة وفحصها هو الطريقة المثلى والمؤكدة للطبيب. لمعرفة وجود سرطان البنكرياس وفي فحص العينة يأخذ الطبيب عينة نسيج، وترسل إلى اختصاصي الأمراض لفحصها تحت المجهر للكشف عن وجود خلايا السرطان. وهناك طرائق عدة لإجراء فحص عينة لتشخيص سرطان البنكرياس، وإحدى تلك الطرائق هي الحصول على عينة الإبرة، والنوع الآخر هو عينة الفرشاة. وفي بعض الأحيان يدخل الطبيب آلة مضيئة على شكل أنبوب في البطن من خلال ثقب صغير فيأخذ نسيج البنكرياس لإجراء الفحص تحت المجهر، حيث يستطيع أن يرى داخل البطن لتحديد موقع الورم ومرحلته، كما يمكن في أثناء التنظير أن يقرر الطبيب ضرورة الحاجة لإجراء عملية أكبر لفتح البطن لإزالة الورم أو لتخفيف الأعراض التي سببها السرطان. ويشير د.عبدالوهاب الأنديجاني رئيس شعبة الأمراض بمدينة الملك عبدالعزيز بجدة إلى أن أكثر أمراض سرطان البنكرياس يكون مصدرها في الأنابيب التي تحمل عادة العصائر التي يفرزها البنكرياس وقد يصيب السرطان الخلايا المسؤولة عن إنتاج هرمون الأنسولين. ويشرح د.الأنديجاني كيفية إصابة البنكرياس بالسرطان قائلا: إنه يبدأ بمهاجمة كل الأجزاء المحيطة به كالأمعاء والمعدة وقد يمتد إلى الغدد الليمفاوية والكبد، مشيرا إلى أنه من الصعب تشخيص مرض سرطان البنكرياس لأنه من الأمراض الصامتة، حيث إن أعراضه لا تظهر عادة إلا بعد أن ينتشر من البنكرياس إلى الأجزاء المحيطة به. المعالجة.. تشير الأبحاث العلمية والدراسات الصادرة حول علاج سرطان البنكرياس إلى أن معظم العلاجات التي بدأت منذ الثمانينيات وأوائل التسعينيات لم تفلح ولم تؤد للنتائج المتوخاة منها، لكن العلاج الوحيد الذي يعطي المريض بعض الأمل في العلاج هو الاستئصال الجراحي. غير أن 85? من الإصابات وللأسف تكتشف في وقت متأخر، ما يجعل هؤلاء المرضى غير مستعدين لإجراء هذه الجراحات، ومن المؤسف أيضا أن حوالي 75? من المرضى الذين يخضعون لعمليات استئصال جراحي يتوفون في وقت لاحق بعد عودة المرض إليهم من جديد. وقد أعلن باحثون بريطانيون في جامعة ليفربول مؤخرا أن استخدام العلاج الكيميائي لمرض سرطان البنكرياس بعد إجراء جراحة لاستئصاله يمكن أن يساعد على إطالة فترة حياة المرضى الذين يعانون هذا النوع من السرطان. وأشار هؤلاء الباحثون في بحثهم الذي نشر في مجلة لانسيت الطبية إلى أن المرضى الذين يتلقون العلاج الكيماوي بعد إجراء الجراحة لهم يعيشون فترات أطول من المرضى الآخرين بنسبة تصل إلى حوالي 40?. وبدوره فإن د. نسيم نبوت استشاري الأورام في مركز هيوستن للسرطان بالولايات المتحدة يقلل من فاعلية العلاج الكيماوي لمرض سرطان البنكرياس وهو ما دفع الباحثين لاستخدام مفتاح جديد يكون مدخلا مهما للسيطرة على هذا الصامت الخبيث. حيث اتفق معظم الباحثين على أن العلاج الجيني ربما يكون أكثر أملا في علاج العديد من الأمراض في القريب العاجل. وهذا الأمل ـ والكلام للدكتور نبوت ـ من شأنه تمكين العلماء من السيطرة على تكاثر الأورام واستخدام الخلايا الجينية المثبطة لهذا التكاثر العشوائي للخلايا السرطانية ولا سيما أن هذه الطريقة أثبتت فاعليتها في أنواع من السرطانات. مضيفا أن سرطان البنكرياس مرشح مثالي للعلاج الجيني نظرا لارتفاع نسبة المتغيرات الجينية التي تم اكتشافها. فعلى سبيل المثال قام العلماء بعزل أحد الجينات (K-ras) وتبين أن هذا الجين يساعد على تحول الخلية الطبيعية إلى خلية سرطانية، وقد تبين أن 90? من مرضى سرطان البنكرياس يحملون هذا الجين، كما أن الباحثين استطاعوا عزل جينات أخرى تعمل على كبح هذا التحول من خلية عادية إلى خلية سرطانية، وقد تبين أيضا أن بعض هذه الجينات مثل BRCA2 وP52 على سبيل المثال غير فعالة لدى 95? من المرضى، ويعتقد الباحثون أن باستطاعتهم السيطرة على تكاثر الخلايا السرطانية في حال تمكنوا من إعادة تفعيل هذا الجين، كما يعتقدون أنه من الممكن حمل الخلايا السرطانية لكي تستجيب بصورة أفضل إلى العلاج الكيميائي في حال قيامهم بتصحيح بعض هذه الأخطاء الجينية. أمل جديد.. ويضيف د.نبوت أن جهود الباحثين لم تتوقف حيث أطل علينا العلماء في جامعة بتسبرغ للبحوث السرطانية بولاية بنسلفانيا الأمريكية باكتشاف جديد يحمل في طياته أملا جديدا في علاج سرطان البنكرياس، حيث تمكن هؤلاء من تحديد موقع أحد الجينات التي تعتبر في غاية الأهمية في تطور مرض السرطان، فقد قاموا بتجارب شملت أكثر من عشرين عائلة يعاني أفرادها سرطان البنكرياس ولاحظوا تغيرات في الكروموسوم أو الموروث رقم4 عند المرضى الذين يعانون سرطان البنكرياس، وهذه المتغيرات لم تكن موجودة عند أفراد هذه العائلات الذين لا يعانون مرض السرطان، وبحسب هؤلاء العلماء فإنهم سيتمكنون من تحديد موقع هذا الجين على الكروموسوم الرابع بفترة لا تتعدى العام أو العامين. ويؤمل كما يقول د.بنوت أن يكون لهذا الجين أهمية على نطاق واسع في علاج سرطان البنكرياس، ويحتاج العلماء إلى دراسة عمل الجين البيولوجي ومن ثم استنباط علاج فعال وتطويره، ويؤكد هؤلاء أنه لن يكون هناك إمكانية في توفير هذا العلاج قبل أربع أو خمس سنوات على أقل تقدير. ثلاث طرق للعلاج لكن السؤال الذي يخطر على بال الكثيرين هو كيف تتم معالجة مريض سرطان البنكرياس حاليا؟ يجيب من ذلك د.الأنديجاني قائلا: هناك ثلاث طرق رئيسة لذلك تشترك عادة أقسام الغدد والجراحة والأورام في مراحل العلاج وحصة وهذه الطرق: أولا: الجراحة العامة: وفيها يتطلب الأمر إزالة البنكرياس والأنسجة القريبة منه بالكامل، بالإضافة إلى إزالة الطحال والغدد الليمفاوية اعتمادا على نوع السرطان، أو إزالة جزء منه أو أجزاء من الأعضاء المحيطة به كإزالة جزء من المعدة والاثني عشر، وهذه الجراحة تعتبر من العمليات الكبرى حيث يعاني المريض آلاما بعد الجراحة ويتم تغذية المريض عن طريق الوريد لفترة زمنية محددة. وبسبب إزالة البنكرياس فإن العصارة التي كان يفرزها يقل دورها في عملية الهضم حيث يعاني المريض آلاما بعد الجراحة، ويتم تغذية المريض عن طريق الوريد لفترة زمنية محددة. وبسبب إزالة البنكرياس فإن العصارة التي كان يفرزها يقل دورها في عملية الهضم حيث يعاني المريض الإسهال المستمر والإحساس بالشبع. ويعطى أدوية للتخفيف من هذه الأعراض. ثانيا: العلاج الكيماوي: وإذا اختار الطبيب هذا العلاج فإنه يستخدم نوعا واحدا أو عدة أنواع. ويساهم العلاج الكيميائي في القضاء على الخلايا السرطانية المنتشرة والآثار الجانبية لهذا العلاج معروفة ولكنها تختلف وتتفاوت من شخص لآخر تبعا للمريض وللأدوية نفسها المعطاة ومن هذه الآثار النزف والطفح الجلدي وفقدان الشهية وفقدان الشعر وغيرها. ثالثا: العلاج الإشعاعي: قد يستخدم العلاج الإشعاعي الموضعي قبل الجراحة أو بعدها أو معا بعض الأحيان. حيث تشمل أشعة عالية الطاقة تسلط على موقع السرطان وتستغرق فترة العلاج الإشعاعي من 5 أسابيع إلى 7 أسابيع، ويجب أن يخضع المريض لفترة راحة طويلة بعد العلاج لأنه يحس بتعب شديد نتيجة جلسات العلاج، وتظهر بعض الآثار الجانبية لذلك كاحمرار لون الجلد وفقدان الشعر بمنطقة العلاج والتقيؤ وانخفاض عدد خلايا الدم البيضاء، ولكن كل هذه الأعراض تستمر لفترة زمنية وتنتهي. المسببات برأي د.عبدالله العبادي فإن بعض الباحثين يدرسون أنماط السرطان ومدى انتشاره بين الناس، ويبحثون عن العوامل الأكثر شيوعا بين المصابين بسرطان البنكرياس، لأن من شأن ذلك مساعدة الباحثين في معرفة عوامل الخطر التي قد تؤدي إلى سرطان البنكرياس، ومن الأسباب الممكنة: ـ التدخين: وهو عامل رئيس، فالمدخنون يصابون بسرطان البنكرياس مرتين إلى ثلاث مرات أكثر من غير المدخنين. ـ الخطر المهني: فالعمال في بعض الوظائف معرضون للإصابة بسرطان البنكرياس بسبب تعرضهم إلى المسرطنات في موقع العمل كالصناعات الكيماوية والصناعات الجلدية ومصففي الشعر وعمال المعادن، الرسامين وعمال النسيج. ـ العمر: تزداد احتمالية الإصابة به بعد سن الأربعين. ـ الإصابة بمرض السكري: يزيد من احتمالية التعرض لسرطان البنكرياس لمرضى السكري وبمعدل مرتين دون سواهم. ـ الغذاء: تكون الإصابات أكثر عند الأشخاص الذين يعتمدون في غذائهم على الدهون والقليل من الفواكه.