شبابنا وآفة التدخين

أصبح إدمان التدخين عادة غالبة ومتبعة لدى الكثير من الشباب العربي المسلم، في حين بات اجتناب ذلك هو المستثنى، فلقد استشرى وباء التدخين وعم. ومما ينذر بالشر أن تعاطي هذه الأمور منتشر بين الشباب والمراهقين وبخاصة الطلاب في جميع مراحل التعليم، بل دب الخطر إلى الطالبات فأصبحن يشاركن الطلاب في ممارسة التدخين والإدمان عليه. وكثيرا ما يبدأ الإدمان على التدخين بلفافة من التبغ لذوق الطعم ومعرفة النكهة، ثم تتحول التجربة إلى عادة مستفحلة، فيشعر المدمن بعد ذلك بحاجة دائمة إلى التدخين. وهي غالبا ما تكون في مرحلة من أشد مراحل العمر فقدانا للسيطرة على النفس، ألا وهي مرحلة المراهقة وما بعدها بقليل، حيث لا رجحان لوازع ديني ضد الحرام، ولا لفعل ضد الأضرار، وأغلب المدخنين يجدون أنفسهم مدفوعين للتدخين بعد أن تبدأ العادة لديهم في سن الصغر بالتقليد وحب الظهور، فالمراهق يريد أن يشعر أنه قد صار رجلا، وإذا ما ابتدأ الفتى بالتدخين فإن استمراره فيه يخرج عن يده بعد ذلك، ويصبح الدافع هو الإدمان، والاقلاع عن التدخين أمر ليس بالهين، وأغلب المدخنين يود لو استطاع ذلك، وهو يلوم أترابه الذين جرفوه معهم. عادة التدخين عندما يدخل الدخان إلى رئتي المدخن يلتقي في الحويصلات الرئوية مع الدم الذي جاء من القلب إلى الرئتين ليتخلص من غاز الفحم، ويتزود بالأوكسجين الوارد للرئتين مع هواء الشهيق. والذي يحصل لدى المدخن أن الدم يحمل مع الأوكسجين مادة النيكوتين التي يتميز بها الدخان، وهنا يتغير تركيب الدم، وتسير مادة النيكوتين في الأوردة والشرايين، وتدخل كل خلية من خلايا الجسم مما يؤدي إلى ارتياح عام وتخدير خفيف للجسم، وإذا قلت نسبة النيكوتين في الجسم شعر المدخن بالرغبة في التدخين من جديد، وهكذا نجد أنه مع مضي الزمن قد تؤدي المداومةعلى هذه العادة إلى أن يفضل المبتلى بها الدخان على الطعام والشراب، ويصل إلى درجة الإدمان. وإذا توجهنا بالسؤال عن البدايات الأولى لتدخين الشباب نجد الإجابات مختلفة، منها: لأن بقية رفاقي كانوا يدخنون، لأن التدخين كان يجعلني أبدو كبيرا، كنت راغبا بأن أصبح شخصا مهما، لأنني كنت مشغوفا باستطلاع هذا الموضوع، لكي أكون أرقى وأكثر تحضرا، لأنني كنت أشعر بالتوتر والعصبية، لأنني استمتع بالتدخين، لأنه لم يكن مسموحا لي بالتدخين. أما طارق عوض وهو في الثالثة والثلاثين من عمره ولم يدخن مطلقا يقول: أعرف أن الكثيرين ممن يبتلون بشر التدخين لا يقدمون على ذلك إلا بإغراء رفاق السوء ودعاة الضلال، والكثير منهم لا يدخن السجائر إلا كرها، وذلك لبشاعة طعمها ومرارته ولاعتقاد الكثيرين منهم أنهم يقدمون على عمل ضار منكر. وعن سبب انتشار هذه العادة السيئة يقول محمد الأحمد وهو أب لأربعة شباب: أعتقد أن وجود مقاه عامة موبوءة بالشر، يتعاطى الشباب فيها الأركيلة، وتكون بمثابة نواد خاصة بهم، وهم يحرصون كل الحرص على أن تكون الصحبة كبيرة على تدخين الأركيلة لأنها لاتحلو كما يقولون إلا بـاللمة، أحد أهم أسباب انتشار هذه العادة السيئة والتي تبدأ بالتجريب. في حين تجد الأم سميرة الحسن أن: فساد وسائل الإعلام ينعكس على نفوس الناس، فلوحات الدعاية في الشوارع والصحف والمجلات بأسلوبها الماكر تأخذ بلب الشباب الحيارى، فهي تنشر إعلانات أخاذه لأنواع الدخان، وتعطى على ذلك أجرا باهظا، يؤخذ في النهاية من جيب المتعاطي البائس، إضافة إلى أن الإذاعة المسموعة والمرئية قد دخلتا كل بيت تقريبا وأصبح يراها الصغار قبل الكبار والفتيان والفتيات أشد الناس تأثرا بها وتقليدا لها. التقليد وحب الظهور وعن الأسباب التي تؤدي إلى انتشار التدخين بين معشر الشباب يقول المربي عبدالله عبيد: توفر لفافة التبغ عامل إغراء بتعاطيها، ولاسيما مع وجود الرغبة في المعرفة والاطلاع عند الشخص بالإضافة إلى الفراغ والبطالة وضعف متابعة الأهل وإهمالهم لواجبهم. ويضيف الأستاذ عبيد: إن شعور الإنسان بالنقص في ذاته، يدفعه إلى تقليد من يظن فيهم الكمال، فضعاف الدين والإرادة في مجتمعنا يقلدون الأجانب في أنماط حياتهم تقليدا أعمى، لظنهم أنهم أرقى منهم في كل شيء، ومن ذلك تقليدهم في تعاطي التدخين معتقدين أن ذلك هو محض المدنية والتطور والتقدمية، وهذا هو الخطأ بعينه، فالمدنية والحضارة بالمثل العليا والأخلاق الكريمة لا بإدخال السموم إلى الجوف وإيذاء النفس والمجتمع. والذي يحصل عندما يكون للشاب زملاء مدخنون، يميل لمشاركة إخوانه وجدانيا، بحيث لا يظهر معهم بمظهر الشذوذ والنفور! فلاتجد السيجارة الأولى ممانعة كبيرة منه، ويشربها معللا نفسه بالمسايرة والموافقة فقط، وهكذا يقدم له زملاؤه السيجارة الثانية والثالثة وتتالى اجتماعاتهم، ويتتالى تدخينه، فإذا به يمسي مدمنا على التدخين مثلهم، ويرتبط بهذا السبب خاصة من خواص النفس الإنسانية وهي التقليد، فإعجاب الابن بأبيه والطالب بأستاذه مما يدفعه أحيانا للتشبه بهما وتقليدهما في كثير من أنواع سلوكهما، فإذا كان أحدهما مدمنا على التدخين كان تدخين الابن أو الطالب نتيجة من نتائج التقليد شعوريا أو لاشعوريا. كما أن هنالك سببا آخر وهو أن بعض الشباب يعيشون في بيوت محطمة، ويرزحون في مشاكل داخلية وهموم اجتماعية ومشاغل نفسية، ومثل هؤلاء يسمعون من غيرهم أن التدخين يخلصهم من مشكلات ويريح أعصابهم، وهنا قد يلجأ الشباب بالإيحاء للتدخين كوسيلة تخلصهم مما يشعرون به من مشكلات. ويقول الأستاذ عبيد: إن الأسباب التي تؤدي إلى انتشار التدخين كثيرة ومتنوعة، بيد أنه لا يمكن أن يتبلور أثرها ويتفاقم خطرها، إلا إذا توفر لها واقع اجتماعي معين، ومناخ أخلاقي محدد، على مستوى الفرد والجماعة، وهذا المناخ الأخلاقي، وذاك الواقع الاجتماعي لا يتأتيان إلا عندما يغيب الجانب الفكري الإسلامي، وتنحسر الهيمنة الدينية، وعندئذ يعود الفرد إلى طبيعته الحيوانية التي جعل الله من مهمة الأديان والشرائع تهذيبها والارتفاع بها. هل الدخان من الخبائث؟ وموقف الإسلام من جيل الشباب يتجلى في اعتبارهم أثمن الثروات وتأكيده على ضرورة توظيف طاقاتهم وقدراتهم من أجل الخير والسعادة فقد تم الاستعانة كثيرا بطاقات الشباب في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم الطاقات التي ساهمت بحل المشاكل والصعوبات التي كان المجتمع الإسلامي يعاني منها. وقد ركز الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وفي بدايات دعوته المباركة على جيل الشباب موليا لهم أهمية فائقة، مستعينا بالفطرة السليمة التي يتجلى بها هذا الجيل، بعد أن أطلعهم على الثوابت الأخلاقية والأصول الدينية وضرورة أن يوجه الشباب جميع قدراته وقابلياته باتجاه الخير والسعادة والإحسان. وفصل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمى ما يعرفه أصحابه ويشاهدونه، واكتفى في غير ذلك بالعموميات والقواعد المجملة التي يدخل فيها ما يؤخذ فيما بعد. والتدخين حادث لا ذكر له باسمه في الشرع، ولذلك ما إن ظهر حتى تعرض العلماء لبيان حكمه معتمدين في ذلك على نصوص الشرع وقواعده وروحه ومعقوله، ودين الإسلام يحل لنا الطيبات من مأكل ومشرب وملبس وغير ذلك، ويحرم علينا الخبائث وكل ما فيه ضرر بالإنسان، والله أعلم بمصالح عباده من أنفسهم، والحكم على الشيء بالإباحة أو الحظر متوقف على نتائجه من النفع والحسن والصلاح أو الضرر والقبح والفساد. وقد يختلف الناس في تقدير كل من موجبات الإباحة أو الحظر ومعرفتها والحكم بوجودها في الأشياء أو نفيها عنها، وقد يعرض لذي العقل هوى أو شهوة تغلب على عقلة وتفسد عليه الحكم. وعندما ظهر تعاطي التبغ لم يكن أكثر أهل العلم يعرف حقيقته وأضراره، هل هو مسكر أم مفتر؟ وهل هو مضر بالصحة أم لا؟ ولذلك تباينت الآراء فيه وترددت بين الإباحة والكراهة والتحريم، والتفصيل بين من يضره فيحرم عليه، ومن لا يضره فلا يحرم عليه. ويلاحظ أن أكثر الآراء يميل إلى التحريم، أما الآن ، وبعد أن شاع الدخان، وافتتن به الصغار والكبار، وأجريت عليه آلاف الأبحاث العلمية والطبية ولايزال العلماء يجرون، فقد تبينت حقيقته، وثبت ضرره بالإنسان صحيا واجتماعيا واقتصاديا، ولم يعد حكمه خفيا بل أصبحت الأدلة على تحريمه واضحة بينه. يقول فيها الشيخ محمود الرفاعي: لقد ثبت عند جميع الأئمة الأعلام أن التدخين مفتر ومخدر فهو حرام لحديث أم سلمة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مفتر . إن القاعدة العامة في شريعة الإسلام أنه لا يحل للمسلم أن يتناول من الأطعمة أو الأشربة شيئا يقتله بسرعة أو ببطء كالسم بأنواعه، أو ما يضره ويؤذيه، ولا أن يكثر من طعام أو شراب يمرض الإكثار منه، فإن المسلم ليس مالك نفسه، وإنما هو مملوك لخالقه، وحياته وصحته وماله ونعم الله كلها لديه وديعة عنده، ولا يحل له التفريط فيها. قال تعالى : ولاتقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما . سورة النساء آية 29 وقال تعالى : ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة سورة البقرة آية 195 ،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاضرر ولاضرار رواه أحمد وابن ماجه. لا يستطيع الإنسان أن يحكم على شيء من المشروبات أو المأكولات أنه مضر وخبيث حتى يعرفه معرفة حقيقية، فكل شراب أو مأكل له آثار، وإن آثار التدخين خبيثة، إذن هو خبيث، وقد حرم الله علينا كل خبيث بنص القرآن الكريم وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوارة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث (الأعراف آية 157)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا الحديث رواه مسلم وأحمد. والفطرة تدل على خبث الدخان، فحتى شاربوه يرونه خبيثا، وإن انكروا ذلك بلسان المقال ففطرتهم تستخبثه. وقد جاء الإسلام بتحريم كل ما يضر، فحرصت الشريعة العظيمة على حفظ النفس والمال والعقل والدين، فكيف يقال: إن الدخان مما سكت عنه القرآن وسكت عنه الرسول وصلى الله وسلم، وأما كونه لم يأت اللفظ مصرحا بالنهي عن الدخان بالذات فلأنه لم يكن موجودا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الرسول الكريم أعطانا قاعدة عامة تشمل التحذير من كل مسكر ومفتر ومضر، سواء وجد في عصره أو وجد بعد ذلك. وفقا لهذا المبدأ نقول، إن تناول التبغ بجميع أنواعه شرابا وأكلا واستنشاقا مادام قد ثبت أنه يضر بمتناوله فهو حرام، وحتى لو لم يثبت ضرره الصحي فهو إضاعة للمال فيما لاينفع في الدين أو الدنيا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة للمال فيما لاينفع في الدين والدنيا، ويتأكد النهي إذا كان صاحبه محتاجا إلى ما ينفقه على نفسه أو عياله وبيته. وعد الإسلام التبذير من أعظم المحرمات، وجعل المبذرين إخوان الشياطين، وإنفاق المال في التدخين من أعظم أنواع التبذير، حيث إنه لا يعود عليه بمصلحة في دينه ولا في دنياه، ولا في مجتمعه ولا في ماله ولا في صحته، بل هو إنفاق في معصية الله تعالى، وقد قال سبحانه وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ? إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا . سورة الإسراء آيات 26 ، 27 . وقال صلى الله عليه وسلم وإن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة وذلك عن حديث رواه البخاري عن خولة، وأي تخوض في المال بغير حق أعظم من إنفاقه في التدخين الذي عرفت مضاره وأخطاره المحققة !!!