صحافة الجزائر بين الحرية و الرقابة!!

اسم الكتاب: سلطة الصحافة في الجزائر: الحرية &# 1644; الرقابة والتعتيم المؤلف: عباسة جيلالي
الناشر: مؤسسة الجزائر - الجزائر
تعتبر الصحافة في مختلف دول العالم من وسائل الإعلام الأكثر أهمية للتحكم في الأوضاع وتوجيهها لخدمة أغراض و أهداف وطنية أولخدمة السلطة أو الجهة المالكة للصحافة&# 1644; ومع التطور السريع في تكنولوجيا الاتصال ازدهرت الصحافة وأصبحت تستأثر باهتمامات مختلف الأوساط، وتمثل مجال استقطاب للعديد من مراكز اتخاذ القرارات ومجموعات المصالح.
غير أن هذا التطور المذهل في عالم الصحافة أدخل الجزائر- التي انتهجت التعددية السياسية- في طوفان إعلامي&# 1644; الوضع الذي يتطلب اتخاذ الإجراءات والضوابط الملائمة لترشيد الصحافة لخدمة المصلحة العليا للوطن، ومواجهة الإعلام التغريبي الأجنبي، والتصدي لهيمنته التي تتضح جليا لدى وكالات الإعلام العالمية: وكالتي الأنباء الأمريكية يونايتد برس واسوشتيد برس&# 1644; وكالة رويتر ووكالة الأنباء الفرنسية والروسية&# 1644; فهذه الوكالات تنتج تقريبا &# 1640;&# 1632;&# 1642; من الإنتاج الإعلامي العالمي، وتوزعها على وسائل الإعلام الأخرى في العالم التي تكتفي فقط بقراءتها، وخاصة في بلدان العالم الثالث.
ومن خلال هذا التوجه الإعلامي تقرر هذه الوكالات توجهات الإعلام في الدول الأخرى بما في ذلك من هيمنة ثقافية، وتفرض نمطا معينا من الاستهلاك الإعلامي الذي يحدث عند المتلقي خضوعا نفسيا يؤثر على نفسيته وسلوكياته التي تعكس غالبا الشعور بمركب نقص نحو العالم الغربي والرغبة في الانسياق إليه والتفاعل مع حضارته.
و لضمان تطور الصحافة بالجزائر يجب أن تكون هذه الأخيرة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتاريخ الوطني والثقافي و الاقتصادي وخاصة السياسي وتشكل القاعدة الأساسية في التكوين الديمقراطي والسياسي وحرية إبداء الرأي&# 1644; لأن مثل هذه الصحافة توفر للشعب الوسائل لإجراء اختياراتهم عن دراية تامة وقناعة.
وللوقوف على حقيقة سلطة الصحافة في الجزائر ومكانتها في المجتمع&# 1644; تناول الكتاب الصحافة الجزائرية بالدراسة منذ بداية الاحتلال الفرنسي لبلادنا&# 1644; حيث تطرق إلى تاريخ نشأة الصحافة بالجزائر&# 1644; وأوضح أنها كانت في تلك الفترة تخدم أغراض سلطات الاحتلال التي استخدمتها كأداة للقضاء على كل ما هو عربي وإسلامي، والتمهيد لإقامة المؤسسات الاستعمارية لترسيخ الاحتلال حتى أضحت اللغة العربية في نظر القانون الفرنسي لغة أجنبية.
تتبعا للمراحل التاريخية لتطور الصحافة في الجزائر&# 1644; تطرقت المؤلفة إلى صحافة المعمرين وصحافة الأهالي مركزة خاصة على الصحافة الوطنية والإسلامية التي كان من روادها الأمير خالد والشيخ عبد الحميد بن باديس&# 1644; وغيرهم ممن ناضل للحفاظ على الهوية العربية الإسلامية للشخصية الجزائرية التي حاولت سلطات الإحتلال طمسها، وبفضل الصحافة الوطنية استطاعت الجزائر المحافظة على هويتها وكشف المستعمر على أنه جسم غريب غرس في صدر الأمة خاصة في بداية القرن العشرين.
كما أوضحت الدور الأساسي الذي لعبته الصحافة العربية في الجزائر للتعريف بالقضية الجزائرية أثناء ثورة التحرير المجيدة .
و قد تناولت المؤلفة في كتابها هذا الصحافة الجزائرية في عهد الاستقلال، وحاولت شرح طبيعة الممارسة الإعلامية بما فيها من حرية وتوجيه وتعتيم ورقابة، وذلك في مرحلة التوجه الاشتراكي ثم في مرحلة التحول إلى النظام الليبرالي إلى أن وصلت بتاريخ الصحافة إلى مرحلة سياسة حرية التعبير التي اعتمدتها الجزائر في قانون الإعلام لسنة &# 1633;&# 1641;&# 1641;&# 1632; على إثر المطالبة بحرية التعبير بعد أحداث أكتوبر &# 1633;&# 1641;&# 1640;&# 1640; و التي تمثل منعرجا حاسما في تاريخ الصحافة الجزائرية، وانطلاقة واعدة لتجسيد صحافة حرة، وترشيدها حتى تكون قادرة على إنجاح التجربة الديمقراطية&# 1644; وهذا إذا ما انتهجت أسلوب الإقناع الخالص والتحلي بالصدق و الأمانة في نقل الأخبار والتنفير من الشر واحترام الغير ومراعاة مشاعره والابتعاد عن التعتيم وإسكات الرأي المخالف بغير حق.

قطاع خاص معارض!!

كما أن الملاحظ من خلال السنوات الأولى من الممارسة الإعلامية بعد صدور صحافة القطاع الخاص التي انبثقت عن إعادة هيكلة قطاع الإعلام التي نص عليها قانون الإعلام&# 1644; أن هذا النوع من الصحافة اختار أسلوب الإثارة لتحقيق انتشار واسع، وصار يقود النقاش السياسي وكأنه طرف في المعارضة، بل أن بعض الصحافيين خاض في المسائل التي تمس القيم الوطنية والحرية الشخصية&# 1644; وفي الوقت نفسه عمدت صحافة القطاع العام التي كلفت بالخدمة العمومية -حسب رأي المختصين و السياسيين - إلى الترويج لوجهة نظر السلطة في شتى القضايا وممارسة التعتيم أحيانا على وجهات نظر الآخر حتى كادت أن تبعد الصحافة الوطنية عن مهمتها الأساسية الإعلامية والتربوية.
وقد اتسمت المرحلة الأولى من تجربة حرية الصحافة بما سمي بالتجاوزات الصحفية&# 1644; الوضع الذي أدى إلى تشديد الرقابة الصحفية وإنشاء غرف متخصصة في جنح الصحافة على مستوى المحاكم في سنة &# 1633;&# 1641;&# 1641;&# 1633; للنظر في الشكاوى المرفوعة ضد الصحافيين، كما سجلت بعض المحاولات على مستوى المجلس الأعلى للإعلام قصد تنشيط لجنة أخلاقيات المهنة .
وترى جيلالي أمام كل ما تقدم أنه إذا كانت حرية الصحافة هي الضمان الأساسي لإنجاح تجربة التعددية السياسية في الجزائر والمساهمة في ترقية المجتمع الجزائري فإن السؤال الذي يجب طرحه في هذا المقام هو أي إنتاج إعلامي يجب تقديمه؟ وعند أي حدود يجب التوقف عند ممارسة حرية الصحافة؟ لأن المنتوج الإعلامي يتطلب إخضاعه لمميزات المجتمع الجزائري حتى يتلاءم وطبيعة الأنماط الاستهلاكية للمنتوج الإعلامي الوطني&# 1644; أما حرية الصحافة فلا ينبغي أن تتجاوز القيم الوطنية والتقاليد والقضايا الأمنية والحرية الشخصية&# 1644; ولا ينبغي أن تمس حرية الصحافة حقوق الآخرين وخاصة عندما تتعارض المصالح وتتناقض.

نزاهة وموضوعية!!

كما ترى المؤلفة أنه في مثل هذه القضايا لا ينبغي لرجل الإعلام إظهار رأيه أو حكمه في مسألة ما يقدمها للقارئ&# 1644;لأن عمله يلزمه نقل الأخبار بكل نزاهة وموضوعية ودقة، ويعتمد في ذلك على الكفاءة في التحليل&# 1644; لذا يجب على الصحافي أن يتحلى بالصدق و الأمانة وعدم المبالغة في نقل الأحداث أو تحريفها&# 1644; و الحرية بمعنى آخر هي الموازنة بين الحق في الإعلام واحترام الحياة الخاصة للمواطن&# 1644; ومن جهة أخرى يجب أيضا ربط الحق في الإعلام بالحق في الوصول إلى مصادر الخبر الذي لا يزال بعيد المنال بالجزائر، ويتطلب إصدار قوانين بشأنه&# 1644; فالجزائر بالنظر إلى دول الغرب مازالت متأخرة في هذا المجال رغم كونها تعتبر إحدى الدول الرائدة في مجال الإعلام في العالم العربي.
ختاما لبحثها تلفت جيلالي الاهتمام لمسألة ضمان حقوق الصحافيين في الوصول إلى مصادر الخبر، وحق المواطن في الإعلام وحمايته من أي تعتيم&# 1644; إذ ترى بأنه من الضروري لضمان هذه الحقوق إعداد القوانين التنظيمية والقانونية لممارسة مهنة الإعلام وعلاقاتها مع المجتمع والسلطات&# 1644; بغرض حماية حق كل الأطراف وضمان إعلام موضوعي ونزيه&# 1644; وبوضع حد لكل التجاوزات التي يمكن أن تحدث من طرف أو آخر.

هذه المادة تم إعدادها بالتعاون مع موقع ثمرات المطابعwww.thamarat.com