المقاهي والشباب

لفت انتباهي في هذه الأيام انتشار ماعرف بـ المقاهي في معظم المناطق، وأقض مضجعي إقبال الشباب المتزايد عليها حتى إنني تهولت من تلك الكثافة العجيبة أمام تلك المقاهي. ومما يزيد الأمر سوءا أن معظم مرتادي تلك الأماكن من الشباب الذين تتراوح أعمارهم مابين السابعة عشرة إلى الثالثة والعشرين، وهذا نذير سوء، إذ أن في تجمع الشباب في تلك الأماكن المشبوهة من المفاسد مالايخفى على أحد، وسوف أتناول باختصار شديد جملة من المفاسد التي جنيناها وسنجنيها من انتشار تلك المقاهي. نبدأ بما يسببه انتشار المقاهي من مفاسد دينية، فغالبا ماينتشر في تلك المقاهي كثير من الأمور المحرمة شرعا، التي تضعف العقيدة لدى من يرتادها وتقطعه عن الصلة بربه، فيرتكب المحرمات منذ دخوله إلى ذلك المقهى وحتى لحظة خروجه. أما الشيشة (المعسل) الضيف الدائم في تلك المقاهي فأضرارها الصحية والنفسية معروفة، وقد أفاض الأطباء في الحديث عنها. أما المفاسد الأمنية: فلا يخفى على الكثير ما لانتشار تلك المقاهي من مظاهر سلبية تخل بالأمن وتنشر الفوضى والفساد في المجتمع، فالشاب يضيع دراسته من أجل الذهاب إلى تلك المقاهي، ويقضي فيها الساعات الطوال التي تعود بالوبال والدمار على مستقبله وتحصيله، فيصبح عالة على مجتمعه ووطنه. وهذه المقاهي تستنزف أموال مرتاديها وتستذلهم كما يستذل المروج مدمن المخدرات، فيلهث الشاب من أجل تحصيل مبالغ مالية يضعها بين فكي تلك الذئاب المتوحشة من أصحاب المقاهي، فيضطر أحيانا إلى التحايل على والديه وأقربائه وأحيانا يضطر إلى السرقة من أجل الاستمتاع مع الزملاء في تلك الجلسة المشبوهة. أضف إلى ذلك مايتعلمه الشاب ويتلقاه ممن يرتادون تلك المقاهي وهم حثالة المجتمع فيهم المروجون والمدمنون، مما يجعل الشاب يقع فريسة سهلة لأطماع هؤلاء المفسدين الذين لايألون جهدا في تدريس فنون الجريمة في تلك الأرض الخصبة. والكل يدرك مالتسكع الشباب في تلك المقاهي وركونهم إليها دون البحث عن عمل- حتى لو كان بسيطا في البداية- من أثر خطير على أمن البلاد والعباد، فبسبب هذه المقاهي تكثر السرقات وتنتهك الحرمات وتنتشر الرذيلة وتموت الفضيلة ويزداد الفساد في الأرض بشتى صوره. وأقسام الشرطة ودور الأحداث تقدم قصصا يندى لها الجبين مما تفعله تلك المقاهي. نتباكى على تدني مستوى طلابنا والمستجدين منهم في الجامعات خصوصا، ونشكو ضعف معدلاتهم التراكمية، ونعلق الأسباب على شماعات متعددة، فنلقي باللوم تارة على المناهج، وتارة على المربين، وتناسينا أن لهذه المقاهي النصيب الأعظم في إحباط الشباب وإضعاف مستوياتهم الخلقية والعلمية، فبعد أن يدخل الطالب إلى الحياة الجامعية يحس بنوع من الحرية لم تكن مألوفة لديه في السابق، فيخرج كل يوم إلى تلك المقاهي التي تمد ذراعيها وتفتح أبوابها على مصراعيها لاستقبال زبائنها- ضحاياها- في أي وقت ليلا أو نهارا صيفا وشتاء. فيفاجأ المسكين في نهاية الفصل الدراسي بحرمانه من دخول الامتحان في أغلب المواد، فتقوم قيامته ويختلق الأعذار الوهمية ويستنجد بالقاصي والداني لمسح الإنذارات التي أثقلت كاهله.. ثم تضطر الجامعة بعد ذلك إلى فصله فيتباكى على ماضيه ويلوم هذا وذاك... فبدلا من أن نتباكى على حال الشباب ونرثي أحوالهم ونلوم الجهات المسؤولة لابد أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا وأبنائنا وإخواننا.. فمن منا نصح ابنه وأخاه أو قريبه بعدم ارتياد تلك الأماكن المشبوهة؟ ومن منا ذكر أصحاب تلك المقاهي بالله عز وجل وخوفهم من عقابه؟! وأنهم السبب الرئيس في ضياع فئة كبيرة من الشباب في مقتبل العمر، فأين واجبهم الشرعي الذي يفرضه عليهم دينهم في بناء لبنة صالحة في المجتمع؟! وإيجاد فرص استثمارية تفيد المجتمع بأسره وتنهص بالاقتصاد؟ فهل يعقل أن تهدر أموال طائلة على مقاهي لاتفيد المجتمع بشيء، ولاترتقي بشبابه بل تجلب لهم المضرة؟! لماذا لم نستثمر تلك الأموال في إنشاء المصانع التي تستوعب أولئك الشباب للعمل وكسب الرزق والإنتاج، وبناء المدارس. أدعو أصحاب تلك المقاهي إلى مراجعة أنفسهم ومحاسبة ضمائرهم والنظر مليا في جدوى مشاريعهم التجارية التي يتاجرون فيها بأرواح الشباب، وأن يتقوا الله عز وجل في كسبهم فلن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ومنها: عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ كما أدعو كل ذي لب سليم بأن يتقي الله عز وجل ويبتعد عن ارتياد تلك الأماكن، وينصح كل مرتاد لها ويبين له مافيها من مصائب وشرور عاجلة وآجلة، فليس فيها والله إلا الحسرة والندامة في الدنيا قبل الآخرة.