الاكتئاب .. المشكلة والحل

لعل من الواضح للعيان اختلاف الحياة المدنية المعاصرة عن ذي قبل، فضغوط الحياة أصبحت كثيرة ومتطلباتها أضحت عديدة ومتنوعة، ولم تعد الحياة كما كانت في السابق في بساطتها وقلة متطلباتها. ومما يزيد الأمر سوءا ما يواجهه كثير من الشباب من البطالة وتأخر الزواج وعدم القدرة على توفير الحاجات بالاعتماد على النفس وفشل البعض في تحقيق طموحاته وآماله، كل هذه الأمور السابقة مع قلة الوعي الديني أنشأت عند طوائف من الشباب ما يعرف بالاكتئاب النفسي، وهو حالة مرضية تختلف عن الحزن العارض الذي يحصل لمعظم الناس لسبب أو لآخر ثم ما يلبث أن يزول. إن الاكتئاب النفسي من أكثر الأمراض النفسية انتشارا في العالم، ويصيب مختلف الأعمار من الجنسين، وتتلخص أعراضه فيما يلي (وليس بالضرورة وجود هذه الأعراض مجتمعة): - أعراض وجدانية: حزن وبكاء وإحساس بضيق في الصدر مع فقد المتعة والابتهاج بالأمور الباعثة للفرح والبهجة، إضافة إلى الإحساس بالملل والفراغ. - أعراض فكرية ذهنية: ضعف في التركيز الذهني والحفظ والاستذكار، وتأنيب للضمير يصحبه تحقير للنفس وقدراتها، وشعور بالفشل والإحباط وتفوق الآخرين وأفضليتهم، ورؤية الماضي والمستقبل بمنظار أسود قاتم، والاعتقاد بأن الحياة مليئة بالصعوبات والعقبات والمشاق، وربما يفضل المكتئب الموت، وقد يستعجله لشدة ما يجد من الألم النفسي. _أعراض جسدية: سرعة الاجهاد والخمول والكسل، آلام متنوعة في معظم أجزاء الجسم وضعف الرغبة في الأكل. - أعراض سلوكية: بطء في الحركة وانحسار في العلاقات الاجتماعية وعزلة عن المجتمع? وقلة اهتمام بالنظافة والهندام، وتأجيل الأعمال والمسئوليات أو الاعتذار عنها أو تفويضها للغير. ويختلف الحال من شخص لآخر بحسب حالة الاكتئاب التي يعاني منها، كما أن أسبابه تختلف من شخص لآخر، فهناك عوامل صحية مثل التغيرات التي تحدث في النواقل العصبية في الدماغ، فقد اتضح من خلال دراسات مستفيضة أن عددا من النواقل العصبية (مثل: مادة سيروتونين ونورادرنالين ونحوها) يقل تركيزها في بعض المراكز في الدماغ ويؤيد هذا التحسن الواضح الذي يتلو تصحيح هذه التغيرات الكيميائية عن طريق الأدوية المضادة للاكتئاب والتي تعيد اتزان النواقل العصبية في الدماغ. وهناك عوامل نفسية اجتماعية، ومنها على سبيل المثال الحرمان في الصغر من العاطفة الأبوية والحنان، ووجود ضغوط نفسية مستمرة أو متتابعة أو حدوث مصيبة كبيرة للشخص أو وجود شقاق بين الوالدين. كما أن وجود بعض الصفات قد يهيئ الشخص لهذه الآفة مثل: المثالية الزائدة، والدقة الشديدة في التعامل مع النفس و الآخرين، وجود بعض طرق التفكير الخاطئة والتي تؤدي إلى الإحباط المتكرر مثل: تضخيم الأخطاء والزلات، وتقليل الإيجابيات إلى غير ذلك من الأمور التي قد تكون محفزة على الإصابة بالاكتئاب. والملاحظ أن كثيرا من الناس وخاصة الشباب المصابين بذلك لا يقبلون على العلاجات الطبية خوفا من نظرات الناس من جهة واعتقادا بأن هذا يعني أنه مريض نفسيا وهو ما ينعكس عليه سلبا. وهناك فئة تعتقد أن الاكتئاب يعني الإصابة بالعين (الحسد) ودليلهم أنه لا يوجد سبب طبي عضوي يؤدي إلى البكاء والحزن وفقد الاستمتاع وباقي أعراض الاكتئاب وأن هذه الأعراض لا تعالج لدى الأطباء. والحقيقة أن الاعتدال في هذه الأمور أمر مطلوب، فليس من العيب أن يسارع الشاب إلى علاج نفسه عند طبيب موثوق، فإن الاكتئاب مرض كسائر الأمراض التي قد تصيب الناس، والشريعة الإسلامية تدعو إلى السعي للعلاج مع التوكل على الله جل وعلا واليقين بأن الشفاء بيد الله سبحانه، وما الطبيب إلا سبب من الأسباب. بل إنك تجد في الشريعة ما يلمح إلى العلاج من أسباب الحزن والاكتئاب، فقد روى البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التلبينة مجمة لفؤاد المريض ، وتذهب ببعض الحزن. والتلبينة: نوع من أنواع الطعام. وهناك العديد من الأدوية المضادة للاكتئاب والتي أجريت عليها الدراسات الوافرة عبر الثلاثين سنة الماضية وأثبتت فاعليتها في علاج الاكتئاب، خاصة إذا استعملت في وقت مبكر بعد ظهور الاكتئاب، ولا تؤدي هذه الأدوية إلى الإدمان (عكس ما يظنه الكثيرون) ولا تعمل على إحداث حالة فرح تضاد الاكتئاب، وإنما تعيد التوازن في النواقل العصبية في الدماغ فيزول الاكتئاب. ولا يقتصر العلاج على الأدوية، بل هناك جلسات نفسية مع متخصص في العلاج النفسي يقوم باستقصاء حالة المريض وتقييمها من جميع جوانبها، ومعرفة جذورها وفروعها وآثارها، ومن ثم السعي في تصحيح هذه الجوانب كلها . وعلى العموم يجب أن يعلم أن اليقين والتوكل على الله وقوة الإيمان والصبر والاحتساب هو المخلص والمخرج من هذا الاكتئاب، وكلما كان الإنسان قريبا من الله كلما كان بعيدا عن مثل هذه الأمراض.