الشباب على صعيد عرفات .. نظرة واقعية!

هاهو موسم الحج قد اقترب، وما هي إلا أيام قلائل حتى تقف الجموع الغفيرة على صعيد عرفات مبتهلة إلى الله جل وعلا، قد أتت من كل فج عميق استجابة لأمر الله، وتلبية لدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام وتأدية لهذه الفريضة العظيمة. ولا عجب عندما تسمع أن الكثير منهم قد بذل الغالي والنفيس في سبيل الوصول إلى هذا المكان الطاهر المبارك وأداء هذا الركن من أركان الإسلام. لماذا الشباب أقل الفئات في الحج إلا أن نظرة سريعة إلى أولئك الذين يحجون بيت الله الحرام تجد أن غالبيتهم من الكهول والشيوخ، ونسبة قليلة هي من شباب الأمة الإسلامية، وبالطبع نسبة أقل من الفتيات. ترى ما السبب؟ هل للمشقة التي تحصل في الحج؟ أم لعدم توفر الإمكانات؟ أم لقلة الوازع الديني؟ أم لماذا؟ أمر ينبغي الوقوف عنده. قد تكون هذه الأمور مجتمعة أو متفرقة أو غيرها هي السبب في عزوف كثير من الشباب عن الحج، إلا أن ما يمكن أن نعتبره السبب الرئيس هو أن الكثير منهم لم يحظوا بالتوجيه الكافي والتحفيز المستمر لأداء هذه الفريضة. إن كثيرا من الشباب يرون آبائهم لا يحجون إلا في سن كبيرة، بعد أن يكونوا قد تجاوزوا مرحة الشباب، وأحسوا بالضعف والوهن يدب في أجسادهم، فاستقر في نفوس كثير من الشباب أن الحج فريضة أحسن أوقاتها إذا تجاوز الإنسان مرحة الشباب، وعب من متع هذه الحياة، وأشبع نفسه من ملذاتها، واستمتع بشبابه وقوته، عندها يحسن أن يتوب إلى ربه ويحج بيته!!! تأمل هذه الحقائق وقد غفل هؤلاء عن حقائق ثابتة وواضحة، وهي أن مرحلة الشباب هي مرحلة القوة والفتوة والصبر والاحتمال والقدرة على تحمل المشاق والتأقلم مع الظروف، ولو أننا قبلنا بأن عدم توفر الإمكانات قد يكون سببا في عدم استطاعة بعض الشباب الحج، فإننا لا يمكن أن نقبل ما يحتج به البعض من أن الحج يشتمل على مشاق عظيمة لا يستطيع تحملها الآن، فإذا كان سن الشباب هو سن القوة ولا يستطيع الشاب أن يتحمل فيه مشقة الحج، فكيف سيتحملها وهو شيخ؟!! إن من الغريب حقا أن يؤجل الشاب أداء هذه الفريضة في الوقت الذي لا يضمن فيه أن يعيش للحظات وليس لأعوام. ولو عاش إلى تلك السن، هل يضمن الصحة والعافية التي تعينه على أداء هذه الفريضة بما فيها من مشاق وجهد وعناء؟! وإذا وفق في العمر والصحة فهل يضمن أن تتاح له الإمكانات وتهيأ له الظروف؟! سفر الحج أم سفر الاصطياف أليس من العجب أن يهب كثير من الشباب مع بدء الإجازات للخروج والسفر إلى هنا وهناك للعب والنزهة والأنس والسمر، وربما على شيء محرم داخل بلادهم وخارجها، مع تحملهم للتكاليف الباهظة لمثل هذا السفر، فإذا جاء وقت الحج ودعي إليه إذا بالأعذار تظهر والتبريرات تكثر ووساوس الشيطان تعشش وتفرخ. أليس من الأولى المبادرة إلى أداء هذه الفريضة، وقد تيسرت للشاب الظروف المادية، يساعده على ذلك نشاط وقوة وقلة مسؤولية. فما أحزم ذاك الشاب الذي سارع إلى اغتنام الفرصة واستغلال الظروف، فحزم أمتعته وهيأ نفسه وعزم على الحج، وقصد بيت ربه ولبى دعوة مولاه، واقتدى بنبيه، فحج حجا مبرورا رجع بعده كيوم ولدته أمه.