الشباب... من البراءة إلى التحديات

يعيش كل إنسان منا في أطوار مختلفة أثناء حياته تغدو فيها السنوات سكة تمر بمحطات عدة? تبدأ من مرحلة الطفولة والبراءة التي تستمر خمس أو ست سنوات قبل الولوج إلى مرحلة الطفولة الثانية المتمثلة بالحياة المدرسية الأولى وما يرافقها من فرح بالحقيبة المدرسية والدفاتر والكتب الجديدة والأقلام والألوان التي تعد ثروة عظيمة للطفل في تلك الفترة المفعمة باللعب والاكتشاف الأولي لمعالم الحياة. تمضي فترات الطفولة بسرعة- هكذا يشعر الجميع، حتى أولئك الذين حرموا من جماليات وحقوق هذه المرحلة- ويصل الإنسان إلى ما يسمى بمرحلة الشباب وما يرافقها من نمو جسدي ملحوظ قد لا يوازيه نمو عقلي? وتحمل لمسؤولية تقرير المصير في المرحلة المتأخرة من حياة الطالب المدرسية والتي لا يلقي لها الطالب بالا، وكذلك بعض أولياء الأمور- للأسف- علما بأن هذه المرحلة الحرجة هي التي ستلقي بظلالها على بقية أيام حياته بالإيجاب أو السلب. إن مرحلة الشباب- كما يقول الدكتور سيد صبحي في كتابه (الشباب وأزمة التعبير) هي من المراحل العمرية التي تتميز بالقابلية للنمو في النواحي الجسمية والاجتماعية والنفسية والعقلية والتعليمية? إلى جانب القدرة على الابتكار والمشاركة الفعالة في إحداث التغيير والتطوير في المجتمع الذي يعيشون بين جوانبه? لأن الشباب هم عماد الأمة? وأساسها الراسخ الذي يقوم عليه بنيانها? فإن صلحوا صلح البناء كله? وإن فسدوا أو اهتزت قيمهم ضعف البناء? حتى لقد قيل في أحد الأقوال المأثورة: أمة بلا شباب أقوياء هي أمة بلا مستقبل? محكوم عليها بالفناء. هذا يعني وجوب رعاية الشباب سواء أكان في ربوع المعاهد والجامعات أم في سعير الحياة العملية وما فيها من شقاء وعرق? وأيا كان موقعهم فهم العنصر الأساس الذي يجب أن يبقى محط أنظارنا وآمالنا في الوقت نفسه? ولا يكون هذا إلا إذا تحمل كل شخص أو جهة مسؤولياته الفعلية تجاه هذه الفئة الرئيسة في المجتمع والتي نتحمل آجلا أم عاجلا التبعات الناجمة عنها سلبا وإيجابا? تقدما وتراجعا? وما من هزيمة يمكن أن تصيب الأمة بأكثر من أن تصاب بروحها المعنوية? فينعدم حماسها وتخفت أنوار الأمل في نفوس شبابها? ويصبح ذلها واقعا لا مفر منه? لا تحديا يجب مواجهته وتخطيه. من هنا يجب أن نهيئ شبابنا للصعوبات التي يتوجب عليهم أن يذللوها سواء أكان ذلك على المستوى الفردي أم المستوى الجمعي? وتبقى التنشئة الدينية هي التنشئة الصحيحة? لأن التربية الإسلامية هي أساس النجاح? ويعرفها الأستاذ سلمان خلف الله في كتابه (منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الناشئة) بقوله: هي نظام تربوي متكامل? يقوم كل جانب فيه على تعاليم الإسلام ومفاهيمه ومبادئه ومقاصده? لذا فهي تختلف عن جميع الأنظمة التربوية من حيث مصادرها وأهدافها ومبادئها ومؤسساتها وأساليبها وخصائصها. إن البعد الديني يشكل القوة الكامنة لحماية أفراد المجتمع من الاستمرار في السقوط في عوالم من الجهل والتبعية والرقي الزائف الذي يعتمد على تقليد الغرب ونقل عاداتهم التي لا تتناسب وعقيدتنا الإسلامية وعادتنا العربية الأصيلة. لا يعني هذا رفضنا للحضارة? فالحضارة تفرض نفسها رغما عن الجميع- لأنها في حقيقة الأمر مطلب الجميع- ولقد حمل المسلمون الأوائل لواءها عدة قرون خلت يشهد الغرب بأهميتها وقيمتها وأثرها على تقدم الحضارة العالمية الحديثة، وخصوصا في أوروبا التي رزحت مئات السنين في ظلمات الجهل وصكوك الغفران. لقد اهتم المسلمون بالتربية منذ بداية الدعوة الإسلامية، وأفردوا لها الكثير من الوقت والجهد? وما دار الأرقم بن أبي الأرقم إلا معهد التربية الأول في الإسلام? والذي خرج خيرة الصحابة ورجال التاريخ. واستمر هذا الاهتمام بالتربية في العصور الإسلامية اللاحقة، وأفردت كتب في ذلك? وتحدث الإمام الغزالي عن واجبات المربي فقال: إن واجبات المربي أن يعلم الطفل ما يسهل عليه فهمه لأن الموضوعات الصعبة تؤدي إلى ارتباكه وتنفره من العلم. و قد يكون ما سبق يخص التربية التعلمية أو التعليمية- إن صح التعبير- إلا أن التربية حتى في هذا الباب تعتبر بمستوياتها الدنيا فطرية? لأن الإنسان يحب المعرفة بطبعه وفطرة الفضول التي جبل عليها? وهذا ما يؤكده قول الله سبحانه وتعالى:(الرحمن? علم القرآن? خلق الإنسان? علمه البيان) ويذهب جون ديوي في كتابه EDUCATION TODAY إلى أن التربية عملية اشتراك الفرد مع بقية أفراد المجتمع اشتراكا عن وعي وقصد. فالتربية ليست عملية عشوائية إذ تقوم على عوامل متعددة بيئية ووراثية وغيرها? ولها عدة مجالات? روحية وعقلية وجسمية ونفسية واجتماعية. ومهما تعددت الطرق والوسائل يبقى الشباب هم الأمل رغم كل النكسات والإحباطات التي يعيشها العالم ككل وعالمنا الإسلامي كجزء من هذه العالم الذي يسعى إلى تسليع الإنسان (جعله سلعة)، وتهميش روحانيته وتضخيم ماديته في سبيل تشكيله كرقم اقتصادي مستهلك خاو من الطموح? خال من الإرادة? مستسلم لما يسمى بالنظام العالمي الجديد وتربيته الخاصة القائمة على الربح المادي لاغير.