أيام البراءة في أفغانستان لمجاهد متقاعد!!

??اسم الكتاب: ذكريات عربي أفغاني المؤلف: أيمن صبري فرج أبو جعفر المصري القندهاري ??الناشر: دار الشروق- القاهرة طبعة 2002 325 صفحة) ??لا تتوقع أن تقرأ في هذا الكتاب الذي حمل عنوان ذكريات عربي أفغاني معلومات عن بداية تكون تنظيم القاعدة، ولا تترقب أن تجد بين صفحاته خططا لهدم برجي مركز التجارة العالمي أو تمثال الحرية أو ساعة بيج بن، فالكتاب يقلب فقط صفحات تلك البدايات المبكرة للجهاد في أفغانستان التي يمكن أن نطلق عليها أيام البراءة تماشيا مع الوصف الذي يطلقه عليها الكاتب والمفكر الإسلامي المصري فهمي هويدي في تقديمه للكتاب. هو كتاب يرصد بشكل خاص تلك المشاعر المتوقدة التي نبتت في صدور الشباب المسلم في أنحاء العالم الإسلامي والعربي مع بدايات الغزو السوفييتي لأفغانستان في نهاية السبعينيات وحتى خرج الجيش الأحمر مدحورا على مشارف عقد التسعينيات ثم ما لبث أن انهارت القوة العظمى، وفي خلال ذلك يرصد كيف تحولت المشاعر المتقدة إلى عزيمة تدفع للتغيير، وكيف عمت في الشارع الإسلامي حركة تضامن (عملية) مع إخوانهم في الدين، وهي الحركة التي دفعت بصاحب الكتاب، وهو أحد الأفغان العرب، إلى ترك حلم حياته ليصبح أستاذا جامعيا في الزراعة ليعود مجاهدا برجل واحدة. والمذكرات تتوقف عند عام 1990 حين اضطرت القوات السوفييتية بعد ما لاقته من أهوال على أيدي المجاهدين البسطاء، وبعد ما تكبدته من خسائر إلى الانسحاب، وبناء على ذلك فهي لا تتضمن أيضا تلك الصفحات القاتمة عن الخلافات بين إخوة الجهاد في أفغانستان أمثال سياف وحكمتيار ورباني ومسعود ويونس خالص وغيرهم والتي ظهرت مع وصولهم إلى السلطة في كابل. أما صاحب الكتاب، وهو الدكتور أيمن صبري فرج حمل بعد سفره إلى أفغانستان لقب أبو جعفر المصري القندهاري- فهو على عكس ما يتوقع الجميع، ليس جزءا من تيار الإسلام السياسي، ولا كان في يوم من الأيام عضوا في تنظيم أو جماعة إسلامية، ولا كان يعرف شيئا عن مجريات الأمور السياسية قبل ذلك اليوم الذي قرر فيه فجأة أن يصبح مجاهدا. هو شاب مصري عادي، تفوق في دراسته في كلية الزراعة، وحصل على الماجيستير بعد إتمام مرحلة البكالوريوس، وكان بدأ الاستعدادات لنيل درجة الدكتوراة ليحصل على وظيفته في الجامعة، ولكن ما جرى في أفغانستان قلب موازين حياته، وخاصة وهو يسمع كل يوم عن الجهاد الأسطوري الذي يقوده المجاهدون المدعومون بأسلحة خفيفة، ودعوات عارمة من فوق منابر المساجد كل جمعة. وفي لحظة حسم مع النفس قرر طالب الدكتوراة أن يغير مجرى حياته ليبدأ مرحلة جديدة من حياته في عام 1988 عندما وطئت قدماه (الاثنتان حتى ذلك الوقت) أرض أفغانستان التي قال عنها في كتابه بعد أن أحبها حبا جما: لو خيرت ما اخترت لي وطنا إلاك يا أفغانستان. ويروي أيمن في ذكرياته كيف بدأ الحلم بسيطا بإخراج الاحتلال السوفياتي ثم تطور ليصبح حلما بإقامة دولة الإسلام التي بدت، حسب قوله، قريبة المنال، ثم كيف يمكن أن تصبح هذه الدولة منطلقا لإقامة دولة الإسلام الكبرى في أنحاء العالم. الكتاب إذن يستغرق عامين من الذكريات منذ وطئت قدماه أرض أفغانستان عام 88 إلى أن خطت رجله الباقية خطوتها الأخيرة خارج الحدود في عام 1990 مخلفا وراءه رجله الأخرى التي فجرتها شظية ونثرت أشلاءها في رمال أفغانستان. يروي لنا عن إخوانه من المجاهدين العرب الذين تجمعوا من كل فج عميق في أنحاء المعمورة السعودية ومصر والسودان وفلسطين والعراق والجزائر وتونس والهند وأمريكا- تلبية لنداء الجهاد، ويحكي أيضا عن الصعوبات التي واجهوها والبطولات والتضحيات التي قدموها واستعدادهم للشهادة بل السعي إليها، من غير أن ينسى أيضا أن يحدثنا عن دور (الأفغان الأفغان) في الجهاد ليصفهم بأنهم مجاهدون ذوو شجاعة نادرة.. يقدسون العلماء.. ويقدسون كتاب الله، وإن عابهم تعصبهم الشديد للمذهب الحنفي، وهو التعصب الذي يرجعه الدكتور أيمن إلى قلة بضاعتهم من العلم وجهلهم بالفقه ومقاصد الشريعة. غير أن النقد ليس من نصيب الأفغان وحدهم، فالتعصب كما يراه الدكتور أيمن كان صفة نالت الجميع في ظل الظروف الصعبة التي يحيونها، وفي هذا السياق يروي عددا من المواجهات الدامية التي كادت أن تنشب بين المجاهدين العرب والمجاهدين الأفغان، ومرجعها قضايا فقهية يسعهم الخلاف حولها- مثل الصلاة على الشهيد أو عدم الصلاة عليه، أو تمييز قبره بعلامات مميزة من عدمه، إلى غير ذلك من المسائل الفقهية البسيطة. الكاتب أيضا يروي تلك الحكاية عن زميله في الجهاد أبو جبل، وهو مصري مثله، وقد سمع يوما أن صاحب مكتبة القرية يلين الكلام لزبائنه من الفتيات، فدخل المكتبة وحطمها تحطيما وظل يضرب ذاك المنحل حتى كاد يقضي عليه، ويعلق على ذلك قائلا: هو العنف المكبوت بداخلي والذي يتراكم ولا بد من تفريغه وإلا انفجرت معه، وعلى مدى سنوات الجهاد استمتعت بالعنف أولا ثم أصبح روتينيا لا متعة فيه. ويكشف الكتاب عن أن النزاع بين فصائل المجاهدين المختلفة كان قادما لا محالة، وخصوصا أن القندهاريين الذين جاءت منهم طالبان- كانوا يرون الحرب بين المجاهدين والسوفييت ، هو حرب بين كفار وملاحدة، أي أنهم يكفرون الطرفين، وحسب أولوياتهم فقد كان عليهم الانتظار حتى ينتصر المجاهدون، ثم يبدأ جهادهم ضد رفاق الأمس، بل إن مجاهدي الحزب الإسلامي التابع لحكمتيار واجهوا هجوما عنيفا من مقاتلي شاه مسعود في الشمال كي يبعدوهم عن مناطق نفوذهم، ولم يكن السوفييت قد رحلوا بعد. أما أسامة بن لادن وتنظيمه القاعدة فقد بدأ تجهيزه في السنوات الأخيرة من الثمانينيات على ما يروي صاحب المذكرات، الذي يتطرق إلى علاقة أطراف عديدة بالجهاد الأفغاني مثل السعودية ومصر وأمريكا، والأسلحة الفاسدة التي اعتادت الأخيرة تزويد الأفغان بها بعد أن تأكدت من نصرهم، والفتن المتعددة التي كانت تنشب بسبب النظر إلى العرب بوصفهم كفارا. هذه المذكرات تفتح بذلك صفحات مشرقة من تاريخ الجهاد الأفغاني في براءته الأولى، وتلقي من طرف خفي، وربما دون أن يقصد صاحبها أضواء على الدوافع الكامنة للصراع بين المجاهدين أنفسهم -عربا وأفغانا- لأسباب قبلية وسياسية ومصلحية، وأخرى ذات علاقة بمحدودية الأفق والتعصب المذهبي وقلة البضاعة لدى الشباب الغض الذي يمتلئ بالحماسة والبراءة، والذي ترك الدنيا كلها في لحظة صدق مع النفس وإيمان بالله، وقطعوا آلاف الأميال بحثا عن الشهادة في سبيل الله أو دولة الإسلام، فظفر بعضهم بالأولى، وبقيت الثانية حلما ما زال بعيد المنال. ???