الفصل التاسع ( الجزء ثاني) أسرار الرحلة.. اليومية الليلة

من كتاب من كتاب بحوث في.. النوم والأحلام والتنويم المغناطيسي) للدكتور أنور حمدي النوم.. أسراره وخفاياه لقراءة الفصول السابقة انظر أسفل الصفحة.. ?? الفصل التاسع ( الجزء الثاني) أسرار الرحلة.. اليومية الليلة وترقرقت في العيون..دموع! وخشعت للحق.. قلوب! .. ومن بين (دمعة) و(بسمة)!.. دمعة خشوع، وبسمة اطمئنان! تكلم الأستاذ الباحث، والعالم المجرب، الذي كان يحدثنا عن العضلات وانبساطها! فقال: صدقت والله يا دكتور (....)! فما أرحم الله بنا!.. وما أطول حلمه علينا! نبتعد عنه فينادينا!.. وننأى عنه فيدنينا!.. نجور، فيرحم!.. ونطغى، فيغفر!.. ونقصر، فيعفو!.. (مهما تجاوزنا)!.. تظل رحمته أوسع، ويبقى باب كرمه مفتوح!.. نعصيه بالليل!، ونعصيه بالنهار!.. وعنايته تكلؤنا بالليل، وتكلؤنا بالنهار!.. نبتعد عنه في الليل! ونبتعد عنه في النهار!.. ورحمته تحف بنا في الليل، وتحف بنا في النهار!.. ...خذوا شيئا واحدا فقط، ويوجه كلامه للجميع،،.. واحدا فقط، لا أكثر!.. وستجدون أن نعمة الله، لا تقدر.. ورحمته لا تحد.. وكرمه، لا يدانى!.. انظروا إلى هؤلاء النيام،، ويشير بيده إليهم،، عضلاتهم كلها مسترخية، مستريحة، لا توتر فيها ولا شد.. حتى عضلات (المثانة) و(المستقيم) ترتخي فيجتمع فيها (البول) و(الغائط)!.. ويزيد (البول) ويزيد (الغائط)!.. ..و(فوهات الخروج) قريبة!.. صحيح أن عليها عضلات حارسة (بوابة)!..ولكن كل (العضلات) مسترخية، مستريحة!.. فإذن، فليخرج البول والغائط!.. فحارسهما مسترخ (نائم)!.. ولا (بواب)! .. ليخرج البول.. فيبلل، و(يعطن)، ويوسخ! وليخرج البراز!.. لتخرج معه الرائحة الكريهة.. والمنظر المقرف، المغثي، المقيء.. المنفر!.. ولكن!.. أهكذا، كلما نام الإنسان (المكرم) يصبح.. منفرا، مبللا؟! أهكذا، كلما نام الإنسان (المكرم) يصير مقرفا، موسخا.؟! لا! فعناية الله، تكلأ!..ورحمته تحيط!.. وكرمه موجود!.. ونعمه حاضرة!.. فكما صدرت الأوامر إلى العضلات أن تستريح (وتسترخي)!.. تصدر إلى عضلات (المخرجين).. عضلات (المصرتين).. عضلات (الفوهتين).. عضلات (عنق المثانة) و(مصرة الشرج)!.. أن تشتد وتتقلص!.. تتقلص عضلات المصرتين.. فتحبس فضلات كادت أن تخرج! وتحجز نفايات كادت أن تتسرب!.. وتوقف بقايا كادت أن تنفلت!.. أفهناك، يتابع كلامه! رحمة بعد هذه الرحمة؟! وكرم بعد هذا الكرم؟! .. رحمة لاتحد.. وكرم لا يدانى!.. يمنح لهذا الإنسان، ويعطى!.. والإنسان يجحد ويكفر.. وقليل منهم من يشكر!... وليس ذلك فحسب، متابعا كلامه، فهناك أماكن أخرى، يجب أن تحمى، وعنها الأذى يجب أن يبعد، ولخير الإنسان يجب أن..تغلق فالعينان، وأعذروني لهذا الانتقال من (أسفل الإنسان إلى (أعلاه)! لا ترتخي عضلات أجفانها المحجرية، بل تتقلص!.. وبتقلصها، تغمض العينين، فتحميهما من الطوارئ والقذى ومن.. النور!.. فالنور أثناء النوم، مزعج.. متعب! فإذن فلتغلق العين في وجهه!.. ولترسل الأوامر إلى (الفتحة)التي تتلقاه، أو كانت تتلقاه! (الحدقة).. بأن النور سدت في وجهه الأبواب، ولن يصل إليك!.. فلا توسعي له بابك ليمر منه، فلن يمر!.. بل (صغري) بابك بقدر ما تستطيعين و(انقبضي)!.. فلن يحدث الآن (تصوير)!.. وهكذا تنقبض (الحدقة) مع غمض الجفنين، ويصغر حجمهما..وتتجه إلى أعلى مع انحرافها بعض الشيء. وليست الحدقة وحدها هي التي تنحرف بعض الشيء!.. فالعينان بكاملهما تأخذان غالبا أثناء النوم الطبيعي عند الإنسان، وضعية انحراف خارجي!.. وأقل من ذلك مشاهدة انحرافهما نحو الأسفل أو تقاربهما وانحرافهما نحو الأعلى.. وليس هو الانحراف فحسب!.. بل إنها الحركة أيضا!! فالعينان يندر أن تكفا عن الحركة تماما. بل إنهما قد لا تفعلان ذلك على الإطلاق!.. ولعل هذا هو السر في فشلنا عادة في التظاهر بالنوم، إذا ما راقب المتشكك عينينا!!.. حيث أننا نجد صعوبة بالغة في محاولة منعهما عن الاستمرار في حركتهما، أكثر مما تفعلان عادة أثناء النوم الطبيعي!.. .. وتضيق الحدقة، واتجاهها إلى أعلى مع انحرافها بعض الشيء، مع انحراف العينين الخارجي،.. هي حالة تعبر عن وجود الشخص في حالة راحة تامة!.. حيث تنجم غالبا عن همود تناول وظائف الجملة العصبية المركزية. وهكذا نجد أن عضلات العينين، سواء منها الداخلية أو الخارجية،، أي من تحرف وتحرك ومن تغلق وتغمض!،، تبدي أهمية عظمى، بسبب الدور الذي تلعبه (الأعراض العينية) في النوم، سواء منه الطبيعي أو (المرضي) كما سنشاهد! وليست هذه العضلات وحدها هي التي تبقى لها قابلية الانكماش والتقلص!.. بل إن عضلات الجبهة أيضا تستمر في ذلك!.. فلو نبه وجه النائم تنبيها خفيفا، لحرض تقطب الجبين!.. ولست أدري الحكمة من وراء ذلك.. أيكون هو للتعبير عن الانزعاج والضيق، إذا ما انتهكت حرمة النوم.. أم غير ذلك؟!! .. وهكذا نجد أنه أثناء النوم تسترخي العضلات وتستريح..ما عدا تلك العضلات التي يشرف تقلصها وانبساطها، على انتظام وظائف الجسم الداخلية..رحمة بهذا الإنسان ونعمة!.. فلا تستريح عضلة القلب، مثلا، رغم أنها تهدأ!.. فلو (استراحت).. لكان ذلك (الراحة الأبدية)!! وأما من درس (المنعكسات) (الوترية) وفعاليتها.. فإنه يخبرنا: أن هذه المنعكسات تضعف أو تنعدم، بحسب عمق النوم!.. كما تنعدم (منعكسات) (تصحيح الوضعية)!.. وأما (المنعكس) (الجلدي الأخمصي) فيشتد!.. ولذلك يمكن تنبيه النائم، وإيقاظه بدغدغة أسفل قدمه. ومن جرب وقاس، وعمل على أجهزة الحواس قال!: البداية الأولى للنعاس، تكون مصحوبة بثقل في الأجفان، وإغماض العينين...ولذلك فأول ما يفقد هي حاسة البصر!.. ويتبعها بعد ذلك حاسة الذوق، ثم بعدها بالترتيب حاسة الشم، وهي تتلاشى تماما، وبعده حاسة السمع!، فآذاننا تستمر بالتقاط المنبهات والمثيرات الصوتية، إلى أن يضرب عليها الحجاب.. فتصم!،، وأخيرا تفقد حاسة اللمس!،، حيث يستمر جلدنا بالتقاط المنبهات والمثيرات اللمسية من الفراش ومن الجو!..حتى إذا ما تحول النوم إلى (عميق) كفت هذه الحساسة اللمسية عن العمل! ولذلك نجد أنه لإيقاظ النائم، تكون التأثيرات والمنبهات التي تأتي عن طريق حاسة اللمس، مثل لمسة خفيفة أو هزة لطيفة، أكثر فعالية من استعمال أي حاسة من الحواس الأخرى.. ويأتي السمع بعد ذلك الترتيب، ثم الشم، فالذوق، وأخيرا.. البصر!.. .. وبعد كل ما ذكر.. الأول والثاني.. الرابع والخامس.. والتاسع والعاشر.. اعترض واحد!.. أهذه هي.. خصائص النوم؟! أهذه (التغيرات الفسيولوجية) التي ذكرتموها.. من هبوط تنفس، وبطء قلب، واسترخاء عضلات، وانخفاض حرارة، وتناقص الاستقلاب.. أهذه هي من خصائص النوم (وحدها)؟! إن كل ما ذكرتم وكل ما اعتبرتم، من (مصاحبات فسيولوجية)للنوم! وكلما حددتم من (متغيرات حيوية) إنما يمكن حدوثها بمجرد اتخاذ (وضع الرقاد والاسترخاء)!! فلقد يتابع اعتراضه! جربت وأعدت.. وفي كل مرة وجدت، أنه ما أن (يرقد) (المتطوع) في غرفة هادئة، ويغلق عينيه، ويسترخي جسميا وعقليا!..فإن كل المقاييس الفسيولوجية، تقريبا التي اعتمدتموها مقاييس مصاحبة للنوم، أظهرت انخفاضا في النشاط، وانخفاضا في الأداء.. تماما كالنوم!.. بل أكثر من ذلك!.. فإن الرقاد إذا ما استمر، والاسترخاء إذا ما طال، فقد لا يكون هناك أي تغيير إضافي في أي من هذه المقاييس، عندما يستغرف (الإنسان المتطوع) في النوم! فكيف يكون النوم شبيها باليقظة.. أو درجة بطيئة منها؟! كيف يكون ذلك..وشتان ما بين هذا، وتلك؟! .. في الأول (النوم) طاقة تدخر.. وفي الثانية (اليقظة) طاقة تصرف!.. ففي الأول هدوء وسكون و(ترميم).. وفي الثانية نشاط وحركة و(استهلاك)؟! .. مهلا!!.. فمن قال، يجيب عالم آخر، إن النوم مثل اليقظة؟! من قال إنهما ينطبقان، ولا يفترقان؟! اليقظة يا (أخانا)!، كما تعرف، فيها إدراك وإحساس.. فيها شعور وفعل.. فيها (ملائمة) و(مناسبة)!! فكل ما يمثل حولك من أشياء، وما يمر بك من ظواهر.. تدركه ببصرك!.. وكل ما يبلغك من أصوات، ولو كان ركزا خفيا، تدركه بسمعك!.. وعن طريق جلدك و(لواقطه) تشعر بالحر وبالبرودة! وعن طريق مفاصلك وعضلاتك، تعرف مكانك على الأرض واتزانك!.. .. أليس كذلك؟!! ولكن كيف يتم ذلك؟! هذه المدركات، وتلك الإشارات!.. هذه المنبهات، وتلك المثيرات!.. تصل من مصادرها الخارجية، منتقلة عبر الحواس (الجباة)! (أي كأنها (جاب) يأخذ من مكان ليوصل لآخر) إلى المقرر المتحكم، والآمر الناهي!.. إلى الدماغ، والجملة العصبية المركزية!.. وهناك في مركز القيادة، والحكم!.. في مركز التخطيط والعمليات!.. في مركز الإعداد و(البرمجة)!.. تنظم تلك المدركات، وترتب تلك الإشارات، و(يجاوب) على تلك المنبهات والمثيرات!.. فيصدر أمر إلى هذا العضو.. أن استمر، وإلى ذاك..أن توقف!.. وإلى هذه العضلات... أن تقلصي، وإلى تلك.. أن انبسطي واسترخي!.. وإلى مفصل.. أن در نحو اليمين، وإلى آخر.. أن اتجه إلى (الأعلى)! وإلى غدة..أن أفرزي. وإلى أخرى.. أن (ابلعي)! وهكذا مئات من الأوامر تعطى.. ومئات من العمليات تتم!!. في لحظ خاطف، و(طرفة عين)! فيجاوب هذا العضو. ويستجيب ذاك!.. ويخضع (ثان).. ويأتمر (رابع)!.. ويتوقف (ثالث).. ويستمر (خامس)! لا تلكؤ، ولا تردد.. بل استجابة وتنفيذ، ورغبة و(حب).. (فالآمر) مخلص أمين!.. و(المتحكم) عادل رحيم!.. فهو لخير الجميع يعمل، ولسعادة الجميع يسعى!.. يحمي هذا، ويدفع الأذى عن ذاك!. ويستجيب لكل تنبيه وتحريض (خارجي) و(داخلي)!.. بما يناسب محكوميه ورعيته!.. وبما يكفل لهم الاستمرار، والحياة الهنية!... فيلائم بين هذا (الكائن) (أي الإنسان) وبين (ما يحيط به) من عوامل وظروف خارجية! وأما في النوم!.. .. فصحيح أنه يستمر فيه (نشاط)... وصحيح أنه تبقى فيه (فعالية)!.. (نشاط) و(فعالية).. يجددان القوى، ويرممان الكيان، ويشحنان الطاقة، ويحميان الكائن... إلا أنهما مع ذلك (نشاطا) و(فعالية) محدودان.. بطيئان.. ضعيفان.. ضئيلان!! .. صحيح أن يستمر فيه (أي الدماغ) (نشاط)، وتبقى فيه (فعالية)!.. إلا أن الإدراك يضعف... والإحساس يتضاءل.. ورد الفعل يقل أو يزول!.. فالآمر الناهي، والمقرر المتحكم (أي الدماغ).. (تبدل) نشاطه و(تغير)!.. و(نقصت)فعاليته و(قلت) فالمنبهات الخارجية، والمثيرات البيئية.. قل إليها الانتباه أو توقف!.. والاستجابة للإشارات والمدركات.. ضعفت!.. ورد الفعل (للتحريضات) و(المفعلات).. نقص أو انعدم!.. والنقص أو الانعدام في رد الفعل، والقلة أو التوقف في الاستجابة.. تتناسب في درجتها مع درجة عمق النوم وثقله، ومع درجة الإرهاق، والحالة النفسية، والحالة الصحية، والعمر!.. وكذلك مع نوع المؤثر الخارجي، وشدة المنبه البيئي!.. إلا أنه، ومهما كانت الفروق بين الأفراد، في مدى استجابتهم للمنبهات والمثيرات أثناء النوم، ومهما كانت الاختلافات في تدرجات عمق النوم.. فإنه يبقى الهبوط النسبي، في الاستجابة للمنبهات واضحا!.. ويبقى نقص رد الفعل تجاه المثيرات باديا.. .. وهذا هو ما يميز (النائم) عن (المستيقظ)!.. استجابة ضعيفة.. رد فعل ناقص أو مفقود..انتباه معدوم...اهتمام غير موجود!! فالنوم، كما يقول برجسون، (إنه عدم الاهتمام، فنحن ننام في اللحظة التي نفقد فيها اهتمامنا بالأمور الخارجية)! إلا أنه، وإن كان يبدو على النائم، أنه غير منتبه للمنبهات الخارجية، إلا أن عدم الانتباه هذا، يأخذ (مجرى انتقائيا)!. (فإذا كنا نهتم بأمر من الأمور، بعثنا ذلك إلى اليقظة في جوف الليل، ودفعنا إلى الاستجابة للمؤثرات الخارجية التي لا يستجيب لها عادة من لا يحفل بها)! فالأم تسمع صوت رضيعها، عندما يبكي ويصيح، على حين يظل زوجها، وباقي أفراد الأسرة نائمين، وتقفز مسرعة على إثر ذلك!.. بينما قد لا توقظها الأصوات المزعجة...من أصوات السيارات و الترام والزحام و(المشاجرات)! خارج المنزل! فالمنبهات ( منتقاه)، (مختارة)! ونحن في النوم، مثلنا في اليقظة، (ننتقي) و(نختار)!.. ففي اليقظة، لا ننتبه لكل مؤثر ومنبه!.. بل ننتقي ونختار ما يهمنا فقط ولا نلتفت إلى كثير من المؤثرات والمنبهات الأخرى، وإلا.. (هلكنا)!.. وفي النوم، يضيق مجال الانتباه جدا، ويصغر.. حتى لا نعود نلتفت إلا.. للأمور الحيوية!.. فننتقي ونختار!.. ولعل هذا يوضح لنا.. كيف يستطيع المؤمنون الاستيقاظ لصلاة الصبح، بسماع نداء الآذان.. بينما لا توقظهم، نغمات وتر، وشدو (حنجرة ذهبية)!.. تصدح حتى الصباح، عبر (مذياع) لجيران مزعجين، مستهترين!! واستمررنا في جولتنا! ندور بين النيام، ونسجل ما يقوله الأيقاظ!.. نراقب، وندون!.. نشاهد، ونستفسر!.. نسأل، ونجاب! و يتقلبون...! فها هنا نائم يتحرك ويتقلب.. وهناك نائم هادئ، ساكن، يبدو، - فها هنا نائم نومه مضطرب.. ونائم هناك نومه مستغرق!.. لماذا هذا مضطرب يتحرك ويتقلب... وذاك مستغرق ساكن، لا ينقلب؟! ويجيبنا باحث مجرب، وعالم مطلع، وبدراسات النوم متعمق!.. .. إن ما تسأل عنه، قد درس منذ زمن!.. منذ أن قدمت (استانس لاواماليناك) إلى جامعة جنيف عام 1934 م، رسالة للحصول على إجازة الدكتوراه، بإشراف الأستاذ كلاباريد! حيث كان موضوع هذه الرسالة هو.. الحركة أثناء النوم!.. ولقد اعتمدت (لاواماليناك) في دراستها هذه، على جهاز استحدثه (كلاباريد) لهذه الغاية...وهو عبارة عن أنبوبة من الكاوتشوك تحت الحشية (الفراش) التي يرقد فوقها النائم، والذي يضغط عليها في تقلبه، فتسجل حركته على أسطوانة تدور حول نفسها!.. ولقد، يتابع كلامه! طورنا، ولا شك مسجل حركة (كلاباريد).. إلا أن (النتائج)، و(الأسباب) التي حصلنا عليها شبيهة، بما حصلت عليه (استانس)!.. فهؤلاء الذين تراهم، هادئين ساكنين، ونومهم مستغرق.. الأول منهم نام مبكرا!.. فالنوم المبكر يساعد على النوم الهادئ. والثاني تعرض أثناء يقظته إلى تعب جسمي، وإرهاق (مقبول).. فراح في نوم مستغرق أشبه بالسبات. وأما الثالث منهم، فهو لا تعب عقلي، ولا إرهاق فكري تعرض.. فكان حاله كحال سابقه!. وأما من تراهم مضطربين، يتحركون، ومن هنا إلى هناك يتقلبون! ..فواحد منهم قد تشاجر مع زوجته في النهار! .. والثاني نهره رئيسه في العمل على رؤوس الأشهاد! .. والثالث، والرابع!! وباختصار.. كل منهم تعرض لانفعالات أثناء النهار.. فاضطربت حركته أثناء النوم!.. .. أما هذا، ويشير إلى واحد يتحرك، ومن طرف إلى طرف يتقلب، فقد تعب في النهار جسمه!.. ولكن ليس بالتعب العنيف الشديد، بل تعب يسير، فاضطرب نومه، كما ترى!. .. وشبيه به جاره هذا، ويشير إلى آخر، فقد تعب هو الآخر، تعبا فكريا عقليا، ولكنه ليس بالشديد، فكان كثير الحركات والتقلب، كما تشاهد!.. ..وأما ذاك.. فقد صام، وعن الطعام والشراب قد امتنع!، ولم يكتف بساعات بل واصل! وعن اليومين زاد.. فكثرت حركاته وتقلباته، وغدا نومه مضطربا مزعجا!. وهنا تنكشف لنا (حكمة) من (حكم) نهيه عليه الصلاة والسلام، عن الصيام المتواصل و(الوصال)! حيث قال (لا تواصلوا)، وقال (إياكم والوصال)!.. ونتابع المسيرة،ونستمر في الجولة!.. وتستمر التساؤلات.. تستمر الإجابات!.. .. فها هو النائم يتقلب على الفراش، ويبلغ حافته.. ثم يتوقف، ولا يقع!.. فكيف ذلك، والسرير عال، والنائم (لا يدرك)! ويأتينا الجواب!.. إنه الاعتياد والتكرار!.. فالصغير يتقلب على سريره، ثم يقع على الأرض فيستيقظ، ويتألم! ثم يعاود الكرة، تلو الكرة.. والمرة بعد المرة.. فيتعلم!! يتعلم، كيف يضبط نفسه دون وعي..ويتعلم كيف يضبط نفسه وهو (لا يدرك)! لغة الجسد الليلة!: وتستمر الاستفسارات! فكلما تعلمنا شيئا، وأمرا.. جدت في الأمور أمور. وكلما نلنا جوابا.. ظهر سؤال و(ولد)! وكلما تابعنا الجولة بين (النيام)..كلما تتالت علامات الاستفهام، وتتابعت!.. فهؤلاء النيام يتحركون!.. ومن جنب إلى جنب يتقلبون.. ومن جهة لأخرى يبدلون!.. حتى من بدوا، في هدوء وسكون.. يتحركون ويتقلبون، ثم..(يسقترون)! فهذا واحد على وجه مكب منبطح!.. وذاك ثان على نفسه منثن منطو!.. وثالث على ظهره مستلق، مسترخ!.. ورابع ملتحف بالدثار (مقمط)!! وخامس.. وسابع.. وتاسع.. وحادي عشر!! كل واحد على حاله..وكل واحد على وضع! أفيدل ذلك على شيء؟! أفيخفي ذلك سرا ولغزا؟! .. أهي مجرد (أوضاع) لا أكثر، ولا أقل.. .. أم أنها (أحرف لغة).. و(رموز شفرة)!.. لغة الجسد.. وشفرة الحياة؟!. أهو مجرد وضع لا أكثر.. أن ننام على الجنب أو الظهر.. أو أن نكب على الوجه، وننبطح على الوزن؟! أهو مجرد وضع لا أكثر.. أن تقبض اليد أوتفتح.. وأن تمد القدم، أو تطوى؟! أهي مجرد (أوضاع) .. أم أنها (أحرف) و(كلمات).. ولها (معان) و(دلالات)؟! ... ويجيبنا على ذلك الدكتور صموئيل (صامويل) دونكل، رئيس قسم الطب النفسي في مركز نيويورك الصحي والخبير بعلم النفس التحليلي، فيقول (عندما ننتقل من عالم اليقظة إلى عالم النوم، فإننا نتخلى ولا شك عن نوع من الحياة، وندخل في وضع مختلف تماما من الوجود. غير أن ذلك الجسم النابض في الظلام، ليس مجرد جسم فحسب،وإنما هو جسمنا بالذات. وهو في كل الظروف جزء لا يتجزأ من طريقة انتمائنا الخاصة إلى العالم. وفي الواقع، فإن طريقة نومنا هي نفسها طريقة عيشنا... فقد ننام معتمدين عل معدتنا أو على جانبنا أو على ظهرنا، وقد تكون ساقانا منفرجتين كثيرا أو مضمومتين متلاصقتين، وذراعانا ممتدين بعيدا أو مقتربتين جدا من جسمنا. فكل هذه الأوضاع التي نتخذها في الظلام، تروي لنا قصة حياتنا الواقعية، المتغيرة، وتكشف عن طريقة شعورنا بأنفسنا. وعن عالم يقظتنا)! فطريقة النوم.. كيف تضع الرجل؟ وكيف تمد اليد؟ .. كيف تنبطح على الفراش؟ وكيف تنثني؟.. وكيف تتمدد؟! كلها مؤشرات خاصة، ولغة خاصة، يتكلم بها الجسد!. يتكلم بها الجسد، ليكشف الحقيقة.. والدوافع الغريزية التي تحرك السلوك في ساعات اليقظة والوعي!! فالوضع الذي يتخذه الجسم، أثناء النوم، يمكن أن ينبئ عن سلوك الإنسان وأخلاقياته! ويمكن أن يكون مؤشرا عن أحلامه وآماله، وذكريات طفولته! .. فالإنسان ينام طبقا لما يعيش!. ومهما حاول الإنسان، و غير من وضعية نومه، قبل أن يسيطر عليه سلطان الكرى، فإن الجسم سرعان ما يعود إلى طبيعته، ويتخذ الشكل المحدد!.. فالإنسان حين يتعمد النوم، بشكل معين، فإنه ما أن يغفو حتى يأخذ جسمه شكلا أخر هو الشكل الطبيعي، الأكثر دلالة على شخصيته، ونفسيته!.. ومهما تعمد الإنسان في البداية أن يشكل جسمه، فإن الجسم يتمرد على إرادة صاحبه الواعية، ويتحرك بعد النوم، بما يريد وما يتناسب معه!. وما يعتمل في أعماقه من دوافع وغرائز!! أما كيف يؤثر الوضع النفسي على الجسم؟! أما ما هي (اللغة) المشتركة بين جميع أنحاء العالم؟! .. فهذا ما يحاول العلماء البحث عنه جادين! فلقد قال الدكتور بيتر بونكر من ميونخ : لماذا يدل وضع معين على حالة محددة إن في الشرق أو الغرب، بينما تختلف الثقافات والحضارات، والمفاهيم أيضا؟!.. فهل يخضع الجسم البشري للغة لا نعرف اليوم شيئا عنها؟! .. ولقد لاحظ (دونك) أن لكل شخص وضع نوم! الأول هو وضع الشروع في النوم، فأطلق عليه اسم وضع ألفا.. والثاني هو وضع النوم العميق، وأسماه وضع أوميغا!.. وهو الوضع الذي ينبئ عن الشخص وحياته وأخلاقه.. ??? موعد نشر الجزء الثالث من الفصل التاسع يوم الأحد 12 رمضان 1423هـ الموافق 17 نوفمبر 2002م