الأفكار لا تتأثر بالفوضى بل تتعايش معها!!

إن نظرة واحدة على مكتب الموظف تعطي صورة عن نوع هذا الموظف أو العامل، ويمكن الحكم على صاحبه بدون حاجة إلى تحقيق طويل، فالمكتب الأنيق، والمكتب المنظم يدل على أن صاحبه يتمتع بعقلية واضحة الرؤية، تتركب وتترتب المفاهيم والأفكار والأعمال في الدماغ كما هي على المكتب. والمكتب الذي تعمه الفوضى وتنتثر الأوراق على سطحه، قد يكون امتدادا للفوضى في دماغ صاحب المكتب، وبقدر الفوضى وتراكم الأوراق والمعاملات على المكتب هناك ما يماثلها في دماغ صاحب المكتب وكأنها انعكاس لصورة بالمرآة. كانت هذه هي النظرية السائدة، والتي جعلت من بعض المديرين من يسعى دائما لملاحقة الموظفين بإلحاح وإصرار داعيا إياهم أن تكون مكاتبهم منظمة مرتبة وأنيقة. نظرة مخالفة ظاهرة جديدة في دنيا الأعمال بدأت تحول هذه النظرية إلى وجهة نظر فقط، فبعد ظهور ما يسمى بالمكاتب أو الأعمال بدون ورق، أي أن تنهي الأعمال عن طريق وسائل الاتصال الإلكترونية، حيث يتم تبادل المعلومات وإنهاء الأعمال ليس عن طريق الورق، بل عن طريق الكمبيوتر والإرسال الآلي، وجد أيضا أن الموظفين يبحثون عن ورق ليكتبوا عليه أفكارهم، ووجد أن الموظفين والعاملين يستوحون الكثير من الأفكار ليس من الأجهزة الموجودة أمامهم، ولكن من محتوى الورق والقصاصات المتناثرة على المكتب. وفي كتاب نشر مؤخرا باسم أسطورة المكاتب بدون أوراق ( The myth of the paperless office )، يقول مؤلفاه ( ابيغيل سالين وريتشارد هاربر) إن عقل الإنسان تعود على استخدام الورق لتسجيل وحفظ الأفكار، ومنه فقط يستطيع استعادتها أو استرجاعها إلى الذاكرة، أي أن الورق هو المرحلة الأولى لتسجيل الأفكار وظهورها وتوالدها، ويرى المؤلفان حتمية وجود الأوراق على مكتب الموظف، فهي مخزن الأفكار، وهي المغذية التي تشحن الموظف بالجديد، بعكس الجهاز الإلكتروني الذي يختزن المعلومات لنفسه، ولا يسمح بأن تتفاعل مع نظر وإحساس العامل الذي يشاهدها، ويحس بها أمامه على مكتبة، وعليها بصماته من علامات وتأشيرات وتلوين. وخرجا بهذه النتيجة التي تتعارض مع النظرية السابقة، فالأوراق على المكتب لا تعني الفوضى في دماغ صاحب المكتب، ولكنها تعني استعراضا وفرشا شاملا للأفكار، وهي وإن كانت أوراقا متناثرة، إلا أنها لعقل الموظف باقة زهور، يأخذ العقل من رحيقها المتناثر على سطح المكتب، بعكس نظرة المدير..