الإجازات ضرورة .. وليست للرفاهية فقط!!

تخر بعض الموظفين وبعض العاملين بأنهم يعملون ليل نهار، ويفاخرون أيضا بأن لهم سنوات لم يعرفوا الإجازة، ومنهم من يدعي انه يعمل أثناء الأعياد أيضا، ولولا المرض الذي يعصف بهم أحيانا، فإنهم سيكسرون الرقم القياسي في المداومة على العمل اليومي والحضور اليومي الروتيني للعمل. وفات هؤلاء مفهوم الإجازة، فهي في فكرهم أنها نوع من الترف والرفاهية لا يحتاجه إلا المدللون أو الذين ملوا أعمالهم وكرهوها. وهذا مفهوم خاطئ، فالإجازات ليست للترفيه فقط، بل هي ضرورة نفسية وفكرية وجسمانية يحتاجها الإنسان الذي يعمل، وخاصة أولئك الذين يعملون بانتظام وروتين معروف. الأنظمة تعطي الإنسان حقه: جميع الأنظمة في العالم تمنح العاملين لديها إجازة تختلف بطولها وبعدد الأيام وموعدها، فهناك من يعطي إجازة تمتد إلى 45 يوما في العام، ومنهم من يمنح مدة أسبوعين في العام على أن يتمتع الموظف أو العامل بأسبوع خلال كل ستة أشهر. ولا يوجد نظام قط لا يمنح الإجازات الطويلة، وهذا الحق ناتج عن الضرورة النفسية والجسدية لكل العاملين، لكي يعطوا الفرصة لكسر الملل وكسر الروتين اليومي للعمل. وهذا الكسر قد يبدو أنه تعطيل للعمل، إلا أن الفائدة منه أكبر من مقدار التعطيل في العمل. وبعض الأعمال التجارية أو الخاصة تسمح للعامل بإلغاء إجازته وتعويضه عنها باجر، وهذا يمكن أن يكون مناسبا لمن كان عمله يسمح له بالتغيير، أو أن ظروف العمل تسمح له بأن يأخذ إجازات في أوقات أخرى. علما بأن أغلب الشركات العامة والخاصة لا تسمح بهذا إلا نادرا ولظروف معينة، لأن الإجازة بجانب أنها حق شرعي للعاملين، فهي ضرورة نفسية وصحية أيضا. فوجود العامل المرهق أو المجهد ليس مما يحرص عليه أصحاب الأعمال. ومن الملاحظ أن العائدين من إجازاتهم يعملون بطاقة أعلى مما كانوا يعملون في السابق، والقادمون من الإجازات غالبا ما يفوق أداؤهم أداء زملائهم الذين لم يتمتعوا بإجازات منذ فترة. مضار منوعة!! فالدراسات النفسية تقول إن الانكباب على العمل والتعود الروتيني على الحياة بنمط واحد منتظم وعلى مدى طويل ينتج عنها مساوئ عديدة منها: تتقلص بواعث الإبداع والتفكير الجيد. ويبتعد العامل أو الموظف عن محفزات التفكير الجيد. تصيب الإنسان ببلادة وعدم ملاحظة الجديد. إن التعود اليومي المستمر يدعو إلى المحافظة عليه، ولا يستطيع الإنسان الفكاك منه بسهولة، إذ يصبح الذهاب للعمل إدمانا، ويشعر الإنسان بالحرج أو الذنب في حالة عدم الذهاب للعمل حتى ولو كان هناك ضرورة، بل قد يضحي الإنسان بأمور عائلية هامة استجابة لنداء خفي يسري في دمه وليس له ضرورة عملية. يحاول الإنسان الذي تعود على نمط واحد في الحياة أن يحافظ عليه، لذا فإن حياته ستكون رتيبة، ولا يقبل التغيير أو التجديد، بل إنه ينفر من محاولات تغيير نمط ما اعتاد عليه. الابتعاد عن الأجواء الاجتماعية والأسرية التي تتباعد كلما انصرف الزوج رب العائلة إلى الانكباب على العمل. الإجازات غسيل للروح والفكر: يقدم بعض العاملين على تأجيل الكثير من الأعمال المهمة انتظارا لعملها في الإجازة، وهذا أيضا خطأ، فالإجازة من العمل يجب أن تكون إجازة للروح والنفس، ويجب أن يكون الإنسان بعيدا عن الضغط النفسي، فليس من المعقول أن يأخذ إجازة لينشغل في ملاحقة قضية له في المحاكم، فهذه الأمور تلغي مفعول الإجازة وتحولها إلى كابوس مخيف. وينصح الجميع بأن يستفيد الإنسان من إجازته ليقطع العلاقة السابقة مع الأعمال والضغوط النفسية ويتفرغ لأسرته ولنفسه، ويعطيهما الاهتمام اللازم. كما أن عليه أن لا يعيش منعزلا عن العالم، وعليه الاستفادة من الإجازات بالتغيير وإعطاء عقله وفكرة أنوارا جديدة للحياة، كأن يسافر أو يحضر ندوات فكرية سواء للترفيه أو للتعليم. لا تفريط بالإجازة: ينصح الكثير من علماء النفس ورجال الإدارة أيضا بان يقوم الموظف سنويا بكسر روتين العمل لمدة لا تقل عن أسبوعين يبتعد فيها عن جو العمل الذي تعود عليه، وينصحونه بأن لا يجعل هموم العمل والقلق عليه تتابعه في إجازته أو رحلته في حالة سفره. كما ينصحون أيضا بأن تكون الإجازة للاستجمام والراحة مع أقرب الناس إليه، ويجب أن لا تكون امتدادا لعمله في مكان آخر. لذا فإن موعد التمتع بالإجازة يجب أن يكون في وقت ملائم ومناسب لكل أفراد الأسرة ليتمكن رب الأسرة من ترتيب أموره مع عائلته سواء بالسفر معا أو بقضاء أوقات معا. ???