هل فقد المقلدون شخصيتهم؟

للمسلم شخصيته المستقلة المستقاة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتي تجعل من المسلمين أمة قائمة بذاتها معتزة بدينها متمسكة بإسلامها وهويتها. ومن الملاحظ أن هناك بعض المظاهر الغريبة أخذت تنتشر في هذا العصر، منها إقبال الشباب على تقليد الغرب ومتابعته والسير في ركابه، ولو كان ذلك فيما يعود على النفس والمجتمع بالنفع والفائدة لهان الأمر، وإنما المشكلة أن التقليد والتبعية كانت في عادات وتقاليد الغربيين في ملبسهم ومشربهم بل وحتى حركاتهم وتقليعاتهم وتصرفاتهم وكثير من شؤون حياتهم، مما أفقد كثيرا من الشباب الشخصية المتميزة والعزة المرجوة. وفي هذه العجالة كان لقاؤنا مع كل من الأستاذ الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل (وكيل كلية أصول الدين بجامعة الإمام) والدكتور طلعت عفيفي ( عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر ) وذلك للتعرف على جوانب هذه القضية وأسبابها والمخرج منها. لماذا يحدث التقليد: يحدثنا الدكتور ناصر العقل عن أسباب التقليد فيقول: التقليد له أسباب كثيرة ومتعددة لا نستطيع في هذه العاجلة إلا الإلمام ببعضها فمن ذلك: - الانحراف عن الكتاب والسنة فكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هما المصدران الأساسيان للمنهج الإسلامي، ذلك المنهج الكامل الشامل للحياة البشرية. فحين ترك المسلمون بل غالبهم التمسك بهما ونبذوهما وراء ظهورهم، وقعوا في الذل والعبودية والخزي والهزائم. - جهل أكثر المسلمين بحقيقة الإسلام ونظامه في الحياة، فأكثر المسلمين يتوارثون الإسلام توارثا عن آبائهم وأجدادهم بما في ذلك البدع والخرافات والمفاهيم الخاطئة عن الإسلام، بالإضافة إلى جهلهم أن الإسلام هو دين المدنية والحضارة والاكتشافات العلمية، بل إن الكثيرين يظنون أن الإسلام يقف موقفا معاديا من المدنية والإنتاج الغربي الجديد والاكتشافات العلمية. - انبهار المسلمين بالتقدم المادي وجهلهم بحقيقة الحضارة الغربية الجاهلية، وزاد ذلك ما هم عليه من خمول وركود نتيجة لضعف إيمانهم. - ضعف التربية والتوجيه للأجيال الناشئة، فإنهما الدعامتان الأساسيتان لإعداد الأجيال، وكل أمة من الأمم القوية إنما تربي أجيالها لتقوم بنهضتها، وتقود حياتها على أحسن وجه تريده، فلما قل التوجيه وضعفت التربية ظهرت أجيال ضعيفة لم ترب على القوة والفتوة والعلم، فلما اطلعوا على ما عليه الغرب انبهروا وظلوا يلهثون وراءهم بلا وعي ولا تفكير . وهناك أساب أخرى كثيرة منها سوء الأوضاع الداخلية ووسائل الإعلام وما تبثه يوميا من تمجيد للغرب وتعظيم لما هم عليه إلى غير ذلك من الأسباب كما أن هناك أسبابا خارجية كثيرة. وإذا كانت هذه بعض أسباب التقليد فما هو موقف الإسلام منها؟ يجيب عن ذلك الأستاذ الدكتور طلعت عفيفي بقوله إن الإسلام يحرص على أن يكون للمسلم شخصيته المستقلة، بحيث يتميز في كافة شئونه عن غيره، وندرك هذا البعد من خلال قوله تعالى - : اهدنا الصراط المستقيم?صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فالآيتان تعطيان إشارة إلى ضرورة التمسك بالحق، وعدم التشبه بالغير ممن عرف الحق وحاد عنه وهم المغضوب عليهم، أو عبد الله على جهل وهم الضالون. ولذا فقد أمر الله جل وعلا رسوله بعدم اتباع الكفار مطلقا، ونهاه عن السير في ركابهم فقال سبحانه ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. وقد ورد في السنة ما يشير إلى ذم تقليد الغير والتحذير منه والنهي عنه بصراحة، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه الحديث وهذا وارد في معرض الذم لهذا الأمر. ومن ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم -: من تشبه بقوم فهو منهم. وقوله صلى الله عليه وسلم خالفوا المشركين ... وقوله خالفوا اليهود والنصارى وقوله ليس منا من تشبه بغيرنا وإنما كان التحذير من التشبه بالغير وذم التقليد لما يترتب على ذلك من ضعف في الشخصية، فالإنسان المتشبه بالغير إنسان في نفسه إحساس في الضعف بذاته، فيلجأ إلى تقليد الغير ممن يراه أفضل منه، ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المتشبه بالغير فيما من شأنه الضرر بالإمعة تنفيرا له عن هذا ا لسلوك المشين وبين الأساس الذي من الواجب أن يكون عليه المسلم فقال : لا يكن أحدكم إمعة، يقول : أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم الحكمة في نهي الإسلام عن التقليد والتبعية ويضيف الدكتور العقل لا شك أن وراء النهي عن التقليد حكما ومصالح نعلم بعضها ويخفى علينا الكثير، فمضار تقليد المسلمين للكفار مشاهد من خلال الواقع والتجربة والاستقراء التاريخي، ومن أبرز ذلك ما يحدثه التقليد من خلل في شخصية المسلم من الشعور بالنقص والصغار والضعف والانهزامية ثم البعد والعزوف عن منهج الله وشرعه، هذا مع ما يسببه التقليد على مر الأيام من حب وثقة وولاء للمقلدين، يقول الإمام ابن تيمية بعد أن تكلم عن مخالفة الكفار: إذا فالمخالفة لهم فيها منافع وصلاح لنا في كل أمورنا، حتى ما هم عليه من إتقان دنياهم وأمور معاشهم، قد يكون مضرا بآخرتنا أو بما هو أهم من أمور دنيانا فالمخالفة فيه صلاح لنا وإذا كان أمر التقليد بهذه الخطورة فإن الواجب على الآباء (والكلام هناك للدكتور طلعت عفيفي) أن يغرسوا في نفوس أبنائهم الاعتزاز بدينهم، وأن يراقبوا تصرفاتهم، بحيث لا يدعون تصرفا سلبيا دون أن يحاولوا تقويمه وإصلاحه، وليحرص الآباء في هذا المجال على أن يكونوا قدوة صالحة لأبنائهم؛ فإن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن لا يملك نصابا لا يزكي.