الفصل السابع:(فوائد النوم)

من كتاب بحوث في.. النوم والأحلام والتنويم المغناطيسي) للدكتور أنور حمدي النوم.. أسراره وخفاياه لقراءة الفصول السابقة انظر أسفل الصفحة.. ?? الفصل السابع: فوائد النوم النوم، نعمة من الله! نعمة من نعم، لا تعد ولا تحصى! .. يعيش بها الإنسان! تأتيه، كرما من الله، وفضلا! وما جعل الله شيئا، إلا وفيه الفائدة .. كل الفائدة! .. والنوم، فيه، وله، فوائد كثيرة ..ولاشك : أن أولها .. حفظ الحياة، واستمرارها!.. فلا حياة، بدون نوم! .. .. فالنوم ضرورة حياة! .. .. ففي اليقظة، نتحرك ونعمل .. ننشط ونفعل! .. نمشي ونركض! .. نصعد وننزل! .. نأكل و (نخرج)! .. نشرب (ونطرح )! نسمع ونرى! .. نستثار وننفعل! .. نبكي ونضحك! .. نحزن ونفرح! وهكذا، مئات من العمليات، والأنشطة والفاعليات . بل آلاف! .. بل أكثر!! وأعضاؤنا، وأجهزتنا، تتابع ذلك و(تلهث )! .. عضلات، تنقبض وتنبسط .. واحدة تبعد، وأخرى تقرب! هذه (تشد)، وتلك (ترخي)! مفاصل، تدور وتتحرك .. وهذا (يحني)، وذاك (يصلب)! . أضواء من هنا، وأضواء من هناك! .. ألوان مختلفة، وشدة متغيرة! .. نرى هذا، ونرى ذاك! .. واحد (نحب)! .. وآخر ( لا نرغب)! .. العين تعمل! .. أصوات من هنا، وأصوات من هناك! .. ضجيج يتحدى .. وصراخ يرعب! .. (همس) يحلو! ..وكلام يزعج! .. .. والأذن تسمع! .. قلب ينبض! .. .. ووجيب، يعلو وينخفض! وسرعة، تزداد وتنقص! .. معدة (تهضم) وأمعاء (تتحرك)! .. و(الفرن) يعمل! .. وعند البعض (الوقود) لا ينقطع!! . غدد تفرز ..وعصارات تصب! . بول (يطرح) .. وكلية تعمل! .. أعصاب تشد وتنبه .. ودماغ يفكر ويعمل! .. وهكذا، مئات، بل آلاف، بل أكثر!، من العمليات والفاعليات .. تتم وتستمر! ..تتشكل وتتابع! .. .. في حركة دائبة لا تنقطع .. واستمرار لا يتوقف! .. وتصرف من هنا وهناك ..طاقة! وتبذل من هنا وهناك .. مدخرات! .. وتتشكل من هنا وهناك .. فضلات! . وتتكون من هنا وهناك .. نفايات! وتتراكم من هنا وهناك ..رواسب! .. ويتعب عضو .. ويشكو النصب آخر! (يئن ) هذا .. و(يصرخ ) ذاك! . .. النجدة .. المساعدة . . إلينا بيد العون! ألا من رحيم .. فيرحم؟! ألا من معين .. فيعين؟! (الحامي الباني)! بلى! . ها هو ذا من يمسح الكرب، عن وجوه المحزونين! .. ويساعد المحتاجين! .. ويريح المتعبين! بلى! .. ها هو ذا ( النوم )! يأتي رحمة ونعمة!. يأتي .. بلسما (لجروح)! .. .. وشفاء (لقروح)! ها هو ذا ( النوم)! مانح الراحة .. ومجدد النشاط .. ومعيد الحيوية، إلى الجسم والأعضاء! ها هو ذا (النوم)! .. مخلص من الفضلات .. ومبعد النفايات .. ومزيل الرواسب! .. .. كل ما استهلك من أنسجة الجسم وخلاياه .. يستعاد ويرمم! .. كل ما ضاع من مدخرات الجسم .. يعوض! .. كل ما صرف من طاقات الجسم .. يعاد! .. كل ما تشكل من رواسب ونفايات .. يطرح، ويبعد! .. الجوارح .. سكنت، واستراحت! .. استراحت مما يعرض لها من التعب والوصب والنصب. فزال .. الإعياء، والكلال! القلب .. استراح! .. والهضم (تحسن )! درجة الحرارة .. انخفضت! .. والاستقلاب .. تغير، تبدل! .. وأكسدة النسج .. نقصت وقلت! جهاز الدوران .. تمهل! .. والعضلات ارتخت! الفضلات المتكونة .. قلت! والطاقة المصروفة .. نقصت! .. وربا المقدار المخزون منها، وزاد على المصروف المستهلك! والجسم، تمكن من استعادة القوى، التي صرفها، خلال اليقظة، وبذلها أثناء النشاط! فبالنوم .. تتمكن، أجهزة الجسم، وأعضاؤه، من أن تتابع عملها .. وتستمر في أداء وظائفها .. بشكل سليم، لا خلل فيه ولا عطب! فالنوم .. يأتي، راحة للجسم المنهك .. والبدن المتعب! .. .. فيه .. تبطؤ وظائف الأعضاء، وتتراخى .. فتستريح! والفضلات والسموم التي تراكمت، خلال النهار، وأثناء النشاط .. تخلص الجسم منها، وطرحت! والأنسجة التالفة .. أعيد بناؤها ورممت! .. .. وهكذا، فالنوم ضرورة حياة! .. فالنوم .. يأتي فترة من الراحة والاستجمام .. لأعضاء الحس، والحركة! .. فترة من الراحة، مطلوبة، لا بل، ضرورية! . ضرورية .. لأعضاء عملت وتعبت! ضرورية .. لتجديد النشاط، وترميم الخراب، وإعادة الحيوية!. ضرورية .. لتتخلص هذه الأعضاء المرهقة، وتلك الأجهزة المتعبة، من نواتج نشاطاتها، وفعاليتها، ، خلال مرحلة اليقظة ،، والتي غالبا ما تكون ..سامة! .. وهكذا، يأتي (النوم) .. مرمم، وبان! .. منشط ومجدد! .. مخلص، ومبعد! .. ..(يأسو الجراح)! .. و(يعيد الأفراح)! .. يعيد (النشاط) ..يعيد (الحيوية) ..يعيد (الفاعلية)! يعيد كل ذلك .. إلى الجسم عموما، وإلى الجملة العصبية المركزية، والدماغ منها خصوصا! فالجملة العصبية المركزية .. هشة لطيفة! .. سريعة العطب! .. وعملها حثيث قوي! وخلايا الجملة العصبية المركزية .. مراكز لاستقلاب شديد! ..فهي تحتاج من الأكسجين، ما يعادل عشرة أضعاف ما تحتاجه الخلايا العضلية أو خلايا الغدد، وتحتاج مثل ذلك إلى مقادير من سكر العنب (الغلوكوز) ،، وهو الغذاء الذي لا غنى عنه لجميع الخلايا، أيا كان نوعها، وهو ينبوع طاقتها! هذه الجملة العصبية، لهشاشتها، وللطافتها! .. وعملها الشديد القوي!.. يمسها التعب والنصب واللغوب، أكثر من غيرها، إذا مضت عليها مدة طويلة وهي (يقظى) تعمل وتنشط ،وتفعل! وعندها لا بد من أن تستريح، وتستجم! .. ويأتي النوم، مانحا إياها، ما تريد! من ترميم وبناء .. وتجديد وحيوية ..وإعادة نشاط. لقد توصل عدد من العلماء، في معهد علم خواص الأعضاء، بجامعة بلغراد، إلى الجزم بأن النوم الطويل، من شأنه مد العقل البشري، بطاقات ذكاء جديدة .. حيث تبين لهم أن الأشخاص الذين أخضعوا لمثل هذا الإسبات (نوم طويل تحت إشراف طبي، كما سنذكر)أظهروا بعد استيقاظهم، مزايا عقلية، تفوق ما كان لديهم قبل النوم!.. والسبب كما يقول هؤلاء العلماء، يعود إلى كون الدماغ، يتعرض في حالات النوم لعملية إغناء كيمائية، تؤدي بدورها إلى تطوير طاقات الذكاء لدى الإنسان!. لجمالك سيدتي! يأتي النوم .. فيجدد ما بلي .. ويرممم ما تخرب .. ويعيد ما نفد! .. وينشط ما (استكان )! .. و(يشبب) ما (شاخ)!! فلقد وجد أن النوم، من أشد العوامل فعالية، للاحتفاظ، بنضارة الصبا وجماله..والحيلولة دون الشيخوخة المبكرة! .. حيث عرف مثلا، أن النوم من الأمور الهامة جدا، بالنسبة للنساء! .. فهو أكثر مفعولا في تجديد الشباب والمحافظة عليه، من جلسات متعددة للتدليك بالكريمات الخاصة لذلك.. فكل الأطباء، وأطباء التجميل خصوصا، ينصحون المرأة (العصرية)!، بأن تنام كثيرا!.. فإذا نامت استراحت بشرتها .. حيث ما مواد التجميل وكريماته في الحقيقة، إلا مواد مخدرة للبشرة نفسها .. أي بعبارة أخرى لتنويم هذه البشرة، حيث أن النوم يريحها!.. فكيف إذا نامت المرأة بشكل كامل و(نام ) كل جسمها، (ونامت)بشرتها أيضا؟ فالنوم (يصفي) الدم من السموم، والنفايات المهلكة للبشرة .. ويريح البشرة نفسها، كما تحدث عمليات ترميم وتجديد في خلاياها، حيث أن خلايا الجلد تتضاعف سرعة أنقسامها، أثناء النوم! وهكذا تحتفظ البشرة، بنضارتها .. وتحفظ بالتالي، للمرأة ..جمالها!.. وعندها ..تستطيع المرأة (المودرن)!، أن تستغني عن جلسات متعددة في (صالونات التجميل) بإشراف (سيمون) (الاختصاصي من باريس)!. وعندها .. تستطيع المرأة أن تستغني عن مستحضرات (ماكس فاكتور) و(اليزابيت أردن)! وعندها .. تستطيع المرأة أن تدخل (عالم الجمال)! بوصفات بسيطة!. .. لا تكلف زوجها (مرتب الشهر) من أول يوم! ... ولا تكلفها أن تصبح (دمية متحركة) في أيدي (الرجال)..(خبراء الجمال)! وعندها .. تستطيع المرأة أن تدخل (عالم الجمال)! دون الحاجة إلى إذاعة (أسرار البيوت) في هذه (الجلسات التجميلية )! والخوض في أعراض الناس .. وعرضها مخاض به، في جلسة أخرى، في صالون آخر! وعندها .. تستطيع المرأة أن تدخل (عالم الجمال) بوصفات بسيطة!: ودعي، أيتها المرأة، السهر والإرهاق! .. ودعي، أيتها المرأة، الهالات السوداء تحت العينين! .. ودعي، أيتها المرأة، حفلات (السواريه) و(الماتينيه)..و(طرق) الأقدام، حتى الصباح!! فقط .. نامي .. استريحي .. أريحي جسمك! .. تنتعشي، وتصبيحين .. جميلة! .. وعاد الشباب! فحسبك النوم! .. يريح وينعش! .. .. يرمم ويبني! يحفظ النضارة، ويجدد الشباب! .. فالكثير من الشيوخ الذين ما زالوا يؤدون في شيخوختهم، أعمالا جبارة، وبنجاح الشبان ونشاطهم! .. إنما يعزون ذلك كله إلى محافظتهم على نوم صحيح! .. فشبابنا يتجدد بالمفهوم الحقيفي بعد كل نوم! .. فنحن في الصباح أطول منا في المساء! .. وأكثر مرونة إلى حد بعيد! .. وكذلك أشد قوة وأغزر في عصارات الجسم،وأقرب بذلك إلى الشباب! .. وأما في المساء، فأجسامنا أشد جفافا! ..وأحط قوى، وأقرب بذلك إلى الشيخوخة! .. ذلك ما قاله هوفيلاند Hufeland الطبيب الألماني المختص! .. .. وذلك ما وجده كثير من العلماء .. وما جربه بافلوف!. فلقد توصل بافلوف إلى استنباط طريقة لمعالجة بعض الأمراض بالنوم! .. وكان تفكيره يتجه أولا، إلى الأمراض الناشئة عن اضطرابات أو فقدان التوازن في الجهاز العصبي الإنباتي (الودي ونظير الودي)، وذلك لما بين النوم وبين هذا الجهاز من علاقة خاصة! .. إلا أنه شاهد، وإلى جانب النتائج الحسنة التي أحرزها في معالجة هذه الأمراض وشفائها، أن للنوم تأثيرا واضحا في إعادة الشباب أيضا! .. فلقد كان بافلوف يهيىء للمريض فراشا وثيرا دافئا، وبعيدا عن النور والضوضاء!.. ثم يعطيه أدوية منومة بفترات وجرعات معينة، يظل بعدها المريض في سبات عميق مستمر، لمدة ثلاثة أسابيع، لا تقطعه، إلا فترات قصيرة من الصحو واليقظة، كافية لتناول الغذاء وإفراغ الفضلات من بول وبراز .. حيث يعود بعدها المريض إلى النوم بإعطائه جرعة الدواء المنوم .. ولقد لفت انتباه بافلوف، ما أكده المرضى بعد شفائهم من المرض، وعودتهم إلى الصحو: من أنهم يشعرون وكأنهم قد عادوا سنين إلى الوراء!. ولما كان بافلوف رجل علم وتجريب، فإنه لم يكتف بهذا التأكيد من مرضاه، وخشي أن يكون (الإيحاء الذاتي) قد لعب دورا فيما يدعون من شعور! .. ولذلك صمم على إجراء تجارب على (حيوان)! .. فالحيوان لا يتأثر بالإيحاء! .. ولقد اختار لهذا الغرض كلبا مسنا، بلغ من العمر 14 عاما، وهو عادة أقصى ما يصل إليه الكلب من العمر، وهذا يعادل عند الإنسان، شيخا في التسعين من عمره! وكانت أعراض الشيخوخة والهرم بازرة عند الكلب المسن! .. إذا كان لا يرى إلا قليلا، فهو شبه أعمى! ويسمع أقل من ذلك! .. وكانت فروته باهتة اللون، ويخالطها شعرات رمادية! .. وكان هذا الكلب المسن الذي وصل إلى أرذل العمر، غير مكترث أو منتبه إلى ما يحدث بالقرب منه، وإلى ما يدور حوله! .. بطيء الحركة، يمضي أكثر أوقاته مستكينا مستسلما!. .. هذا الكلب المستكين، المسكين، الذي بلغ حافة القبر! .. أخذه بافلوف وعالجه بالنوم المستمر، لمدة ثلاثة أشهر، كان يعطيه خلالها جرعات من الدواء المنوم (فينوبربيتال)، ولا شيء غير ذلك! .. ودون أن يوقظ، إلا فترات معينة لتناول الطعام، و قضاء الحاجة! .. حيث يعود بعدها إلى النوم مرة أخرى ..وهكذا لمدة ثلاثة أشهر. .. وانتهت المدة .. وانتهى العلاج .. وظهر على الكلب، ما يدهش! .. لقد ظهرت عنده، أعراض (عودة الشباب) إليه! . فها هو هذا الكلب المسكين المستكين (الذي كان)! .. أصبح (الآن) .. يقفز، ويهرول! .. وفروته الباهتة المختلطة، بشعرات رمادية .. عاد إليها لونها، ولمعانها في أيام الشباب!! وما أحلى أيام الشباب! .. و(ما أحلى الرجوع إليه!).. .. إلا أن (القطار ) إذا تجاوز، لا يعود!! .. وبعد سبع سنوات، استمر بافلوف خلالها يراقب الكلب، أعلنت هذه التجارب ونتائجها، وكان الكلب ما زال حيا!.. ورغم أنه تجازو العشرين!،، وهو ما يعادل عند الإنسان سن 135 عاما، فالكلب لم يتجاوز ضعفي، ما يقدر لأمثاله من عمر فحسب، بل إنه ظل بفضل معالجته بالنوم يحتفظ أيضا (بقدر) من (أعراض الشباب وصفاته)! .. ولقد استعمل، مثل هذه الطريقة الطبيب الألماني (فايدنار).. حيث كان ينوم المريض نوما متقطعا، لمدة ثلاثة أسابيع أو أكثر بفضل استعمال الأدوية المنومة، ولا يوقظ إلا لتناول الطعام، وإفراغ السبيلين! ،، استعملها لمعالجة حالات مختلفة وسماها(النوم الشافي)! فلقد عرف أن النوم، يساعد على الإسراع من عملية الشفاء .. ويقلل أيضا من مضاعفات المرض! ولهذا كثيرا ما ينصح به الطب، ولا سيما في الأنفلونزا، مثلا، والاضطرابات العصبية! كما أن النوم، استعمل وبنجاح، علاجا لمرضى ارتفاع ضغط الدم في مراحله الأولى مع العقاقير! ويستعمل أيضا في علاج كثير من الأمراض الباطنية!.. كما أنه يعمل على زيادة الوزن، في فترة النقاهة من الأمراض! .. وليس هذا فحسب! .. فالنوم أيضا، علاج للقلق والانزعاج! ولذلك فلا تتعجب، إن سمعت أن أقيمت في أمريكا، (عيادات خاصة للنوم) لمعالجة حالات الأرق والقلق! فالنوم أمن وأمان من القلق والخوف والانزعاج! .. فكلما استحوذ القلق على الإنسان، هبت نوبة الكرى فوق جفونه .. فإذا بالنوم، يزيل قلقه .. ويذهب خوفه ..! .. وإذا الذي استيقظ، كان أكثر أمنا، وأهدأ حالا منه، قبل نومه! .. وندرك مرة أخرى، حكمة النعاس الذي غشي جنود المسلمين في غزوة بدر..ثم غزوة أحد! .. ففي بدر .. آتاهم النوم أمنة وأمنا! .. وربط على قلوبهم، ليبعد عنهم القلق والخوف!.. فلقد كانوا قلة أمام أعدائهم الكافرين .. فأمن بالنعاس خوفهم ..وجدد قواهم ..فانتصروا على أعدائهم! .. (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه، وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به، ويذهب عنكم رجز الشيطان و ليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) الأنفال :11 . (إن قصة النعاس الذي غشي المسلمين قبل المعركة، هي قصة حالة نفسية عجيبة، لا تكون إلا بأمر الله وقدره وتدبيره .. لقد فزع المسلمون وهم يرون أنفسهم قلة في مواجهة خطر لم يحسبوا حسابه ولم يتخذوا له عدته .. فإذا النعاس يغشاهم ،ثم يصحون منه والسكينة تغمر نفوسهم والطمأنينة تفيض على قلوبهم .. لقد كانت هذه الغشية وهذه الطمأنينة، مددا من أمداد الله للعصبة المسلمة يوم بدر) الظلال وفي أحد .. (لقد أعقب هول الهزيمة وذعرها، وهرجها ومرجها، سكون عجيب. سكون في نفوس المؤمنين الذين ثابوا إلى ربهم، وثابوا إلى نبيهم. لقد شملهم نعاس لطيف يستسلمون إليه مطمئنين! والتعبير عن هذه الظاهرة العجيبة يشف ويرق وينعم، حتى ليصور بجرسه وظله ذلك الجو المطمئن الوديع: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم) آل عمران : 154. (وهي ظاهرة عجيبة، تشي برحمة الله التي تحف بعباده المؤمنين، فالنعاس حين يلم بالمجهدين المرهقين المفزعين، و لو لحظة واحدة، يفعل في كيانهم فعل السحر، ويردهم خلقا جديدا، ويسكب في قلوبهم الطمأنينة، كما يسكب في كيانهم الراحة) الظلال .. فالنوم، يمحو من النفوس، صدمات الكوارث في الحياة! .. ويعيد إلى النفوس المتعبة القلقة، .. التوازن! .. و لقد جاء في الأمثال ( النوم فرح الغضب )! .. أي أن الغاضب إذا نام، ذهب غيظه!.. بل أكثرمن ذلك .. .. أكثر من ذهاب الغيظ والقلق! .. وأكثر من غياب التوتر والشدة! .. .. هو إيجاد الحلول! .. ففي النوم، نجد بعض الحلول لبعض المشاكل الفكرية والانفعالية، التي تصادفنا أثناء اليقظة! .. أي أننا ننام على المشكلة ومعها! .. ونصحو صباحا، وقد ذهب انفعالنا ووجدنا أيضا.. حلا! .. حل موجود، بوضوح أمامنا! .. وهذا ما يسمى بـ (التفكير اللاشعوري)!. وبهذه الطريقة باشر الشاعر الفرنسي فيكتور هيغو تأليف (أسطورة العصور) والموسيقي فاغنر وضع سنفونية (ذهب الراين)، والبيرت اينشتاين نظريته عن النسبية!. تعلم وأنت .. نائم! وإذا كان هذا يحدث أثناء النوم (أو في الأحلام)، وهو عبارة عن استدعاء بعض العمليات العقلية المركبة، بحيث تحلل وتدرس، و توجد لها الحلول! إذا كان هذا ممكن الحدوث، ويحدث!، أفليس من الممكن إذن أن تحدث أثناء النوم بعض الصور الأخرى من النشاط العقلي المركب (كالتعلم ) فيكون للنوم، فائدة كبرى إضافية أخرى؟! .. في الحقيقة، لقد جذب هذا الاحتمال الانتباه العام! كما تم استغلاله تجاريا فيما يسمى (آلات التدريس أثناء النوم)! .. وما آلات التدريس هذه سوى (أجهزة تسجيل)! .. بحيث أن من يرغب المشاركة في مثل هذه (الدراسات)، ما عليه، إلا أن يمتلك جهازا للتسجيل، يعيد عليه طوال الليل، كلمات باللغة الإنكليزية مثلا، وما تعنيه باللغة العربية، وكذلك بعض العبارات، حتى يمكنه تعلم التحدث باللغة الإنكليزية وهو نائم! .. وعوضا عن أن يشتري كتبا من التي تحمل عنوان (تعلم الإنكليزية في خمسة أيام)!.. يشتري أشرطة تسجيل (كاسيت)، تحمل عنوان (تعلم الإنكليزية وأنت نائم)! ومعها ورقة دعاية تقول: (لا حاجة بعد اليوم إلى المذاكرة و(وجع القلب )! .. .. تعلم ما تريده وأنت ..نائم مستريح!.. .. تعلم ما تريده .. في (الوقت الضائع)! .. وما أحلى الكسل، وألذه!! فما حقيقة ذلك؟! .. في الواقع أجريت بعض التجارب منذ عام 1916م، تبين فيما يبدو إمكان حدوث مثل هذا النوع من التعلم أثناء النوم! فمن هذه الدراسات مثلا، أن تسجل مجموعة من الأسئلة وإجاباتها على أشرطة، يسمعها مجموعة من المفحوصين، أثناء النوم، ولا تسمعها مجموعة أخرى من النائمين!.. ثم تختبر المجموعتان في قدرتهما على الإجابة على الأسئلة! .. لقد وجد أن (مجموعة التدريب أثناء النوم ) أجابت على الأسئلة بدقة أكثر من المجموعة الأخرى! .. إلا أنه في عام 1955، قام (سيمون) و(أمونز) بعرض نقدي لهذه الدراسات والتجارب،وتوصلا إلى أنها جميعا لا يمكن قبولها، على أساس اعتبارين: أولهما: أن الأساليب التجريبية المستخدمة لم تكن مرضية في كثير من النواحي! وثانيهما: أنه لا يوجد تجربة واحدة أكدت لنا أن المفحوصين لم يستيقظوا لفترات قصيرة، أثناء عرض مادة التعلم! ولقد قام (سيمون) و(أمونز) هذان، بتجربة جمعت لأول مرة في هذا المجال الرسام الكهربائي للدماغ، كمرشد، لعرض مواد التعلم في فترات النوم فقط!.. وكان محك النوم عندهما، ألا يظهر إيقاع (ألفا) وأن يظل هذا الإيقاع غير موجود، فترة لا تقل عن 30 ثانية! .. ولقد أكدت الاختبارات التالية .. أنه لم يحدث تعلم للمواد المعروضة حينما يتطابق عمق النوم، مع المراحل الثانية والثالثة والرابعة، كما تحددها تسجيلات الرسام الكهربائي للدماغ! .. .. وأن كل ما حدث هو نوع من (الحفظ المعتدل) للمواد التي عرضت في المرحلة الأولى من النوم! ومن ذلك يتبين، أنه لا يمكن دحض المزاعم القديمة، والأقل دقة، حول أنه إذا عرضت على النائم بعض المواد التعليمية طوال الليل، فإن بعضها، يمكن تذكره في اليوم التالي!.. فقد يستيقظ النائم، يقظة تامة لفترات قصيرة أثناء الليل ،، وسنشاهد ذلك عندما ندرس مراحل النوم، حيث يخف النوم إلى أدنى درجة، وفي هذه الأوقات، يمكن لبعض المواد، التي تعرض عرضا مستمرا، أن (تتوغل) في الدماغ، ويتم تعلمها! .. بل إن تعلمها قد يتم بصورة أفضل، مما لو عرضت (لفترات مماثلة) أثناء النهار! .. ولعل ذلك يرجع، أو يعلل، بكثرة الأعمال الحركية والذهنية ،وتداخل أوجه النشاط المختلفة أثناء النهار، والتي من طبيعتها بالتالي أن تؤثر على عملية (التدعيم ) .. ومن ثم يسهل نسيان المواد المستذكرة! .. بينما على العكس من ذلك! .. لو نام الشخص بعد استذكاره مادة معينة، فإنه يعطي الفرصة كاملة لعملية التدعيم، نظرا لعدم تداخل أي نشاط أثناء فترة النوم، وبالتالي يسهل تذكر هذه المادة، وبطريقة أوضح، عما إذا كان قد تعلمها أثناء النهار، حسب (نظرية التداخل )! وهذا الشيء يبدو أنه ينطبق وبنفس القوة، على (جذاذات ) التعلم! التي يتم تحصيلها في فترات اليقظة القصيرة أثناء النوم ،والتي بالضرورة الحتمية، يعقبها نوم!. ويا فرحة (الكسالى)! ويا بشرى (التنابل)! فها قد أتت فرصتهم!.. .. يتعلمون وهم (نيام)! .. ومن طلب العلى (نام) الليالي!! وليس (علاهم) .. إلا .. .. (جذاذات) تعلم! و(فتات)! موعد نشر الفصل الثامن : يوم الاثنين 26 ربيع الآخر 1423هـ الموافق 8 يولية 2002م ???