العداوات والموقف منها .. رؤية إسلامية !!

سنـة الله أن يختلف الناس في أديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم، وكثيرا ما يؤدي هذا الاختلاف إلى عداوة، وخصوصا مع أصحاب الدعوات وحملة الرسالات، ولهذا كان الرسل والأنبياء من أكثر الناس أعداء، كما قال الله تعالى: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. خلق الله آدم وإبليس، وإبراهيم ونمرود، وموسى وفرعون، ومحمدا وأبا جهل، بل وجد في الناس من يعادي ربه الذي خلقه فسواه ـ كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء. من الجهل معاداة الله وأولياءه لذا إن كان لا بد من عدو فليعاد الإنسان الشر وحزبه، ولا يجوز له أن يعادي الله تعالى وأولياءه، كما جاء في الحديث القدسي من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، بل على المؤمن أن يوالي أولياء الله ويكون لهم عونا ونصيرا، كما قال تعالى: ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون، يؤكد هذا أن أهل الكفر يوالي بعضهم بعضا، ويساند بعضهم بعضا، وإن اختلفوا في أشياء كثيرة، فهم كثيرا ما يتفقون علينا، كما قال تعالى: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، معنى إلا تفعلوه أي إن لا يوال بعضكم بعضا، ويساند بعضكم بعضا، كما يفعل أعداؤكم، تكن الفتنة والفساد الكبير؛ لأن أهل الكفر متساندون مجتمعون، وأهل الإيمان متفرقون متخاذلون. بعض الكفار أقرب للمسلمين من بعض ومع هذا يرى الإسلام أن الكفر بعضه أكبر من بعض، والكفار بعضهم أقرب للمسلمين من بعض، فهناك الذين كفروا فقط، وهناك الذين كفروا وظلموا أو كفروا وصدوا عن سبيل الله. وهناك المشركون وأهل الكتاب، وهؤلاء أقرب إلى المسلمين، والنصارى منهم أقرب إليهم من اليهود. وفي حرب الفرس والروم قديما، انتصر الفرس ـ وهم عبدة النار ـ على الروم ـ وهم نصارى أهل الكتاب ـ فحزن المسلمون، وفرح المشركون في مكة، وتجادلوا وتراهنوا، ونزل القرآن يبشر المؤمنين: ألم. غلبت الروم. في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين. لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ بفرح المؤمنون. بنصر الله. عداوات الأمم لا تعني عداوات الأفراد على أن العداوات الأممية أو المجتمعية لا تعني أن كل أفراد المجتمع أعداء، فمنهم أناس خاملون، لا يحملون عداوة لأحد، ومنهم أناس منصفون كثيرا ما يخرجون على الاتجاه العام لقومهم. ولهذا نرى القرآن يستثني كثيرا مثل قوله :إلا قليلا منهم على أن الحذر في حالة الحروب يجب أن يتوخى. أما مقالة عدو عدوي صديقي فلا يقصد بها الصداقة الحقيقية. إنما يراد بها الاشتراك في عداوة هذا العدو. فهو ملحق بالصديق وإن لم يكن صديقا بالفعل، وهذا ما جعل كثيرا من الناس يستفيدون من عداوة روسيا لأمريكا، وإن لم يكونوا على دين روسيا ومذهبها. وقائل هذه الكلمة هو علي رضي الله عنه، قال: ثلاثة أصدقاء لك: صديقك، وصديق صديقك، وعدو عدوك. وثلاثة عدو لك: عدوك، وصديق عدوك، وعدو صديقك. الإسلام لم يجعل كل مخالف عدو ومن روائع الإسلام: أنه لم يجعل كل مخالف عدوا، ولهذا أجاز مصاهرة مخالفيه من اليهود والنصارى، الذين اعتبرهم أهل كتاب، وأجاز أكل ذبائحهم والتزوج من نسائهم، كما قال تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، وهذه قمة في التسامح لم يصل إليها دين من قبل: أن تكون شريكة حياة المرء وأم أولاده غير مسلمة، وأن يصبح أهلها أصهاره وأجداد أولاده وأخوالهم وخالاتهم، وهؤلاء لهم حقوق ذوي القربى. الإسلام يوجب العدل مع الأعداء ومن روائع الإسلام كذلك: إيجابه العدل مع العدو والصديق والبعيد والقريب، مهما يكن شنآن العدو وشماتة بعضه بالمسلمين ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى. وقد قال عبد الله بن رواحة ليهود خيبر حين أرادوا أن يرشوه ليخفف عنهم مقدار ما يجب عليهم دفعه: لأنتم أبغض إلي من القردة والخنازير، ولكن هذا لا يجعلني أحيف عليكم مثقال ذرة! فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: بهذا العدل قامت السموات والأرض. وأعظم من ذلك شرعية العفو والصفح عن الأعداء، كما قال تعالى: ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين، وقد عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن مشركي قريش رغم إيذائهم وحربهم له أكثر من عشرين عاما، وقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. الإسلام يعتبر البشرية أسرة واحدة ومن روائع الإسلام كذلك: اعتباره البشرية أسرة واحدة، تشترك في العبودية لله، وفي البنوة لآدم، كما في الحديث إن ربكم لواحد، وأباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب. وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود: أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة. ولهذا قال الشاعر المسلم: إذا كان أصلي من تراب فكلها ??? بلادي، وكل العالمين أقاربي! القرآن يقرر عدم دوام العداوات ومن روائع ما قرره القرآن: أن العداوات لا تدوم فيقول تعالى: عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم. وفي الأثر: أبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما. ومن روائع الإسلام: أنه جعل لبني الإنسان جميعا عدوا مشتركا، وهو الشيطان الذي يمثل قوة الشر والإغواء في الأرض، كما قال تعالى: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا. فيجب على الجميع أن يحولوا طاقة الكراهية عندهم إليه. ومن روائعه: أنه جعل الدنيا أهون من أن يتعادى الناس على متاعها، ولهذا علقهم بالآخرة ونعيمها وخلودها قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى. ومن روائعه: أنه جعل اختلاف الناس في الدين واقعا بمشيئة الله المرتبطة بحكمته، كما قال: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم، كما جعل الحساب على الاختلاف إلى الله تعالى يوم القيامة الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون وقوله الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير. أخطر أنواع العداوة على أن أخطر ألوان العداوة، هي العداوة داخل المجتمع الواحد، أيا كانت أسبابها، دنيوية أم دينية، أم بكيد الكافرين، ولهذا حذر منها القرآن: إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين. أي بعد وحدتكم متفرقين وبعد أخوتكم متعادين. وقال عليه الصلاة والسلام: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض متفق عليه. وقال تعالى: ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا. ودعا الرسول الكريم إلى إشاعة الحب بين الجميع والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا رواه مسلم. وقال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وحذر من الحسد والغدر والكراهية وسماها (داء الأمم)! دب بينكم داء الأمم من قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين.