قصة قصيرة...الضياع!!

صحا مبكرا، تسلل من غرفته، مازال في عينيه بقايا نوم، لكن فرحته بهذا الزائر الجديد جرفت هذه البقايا، كسته نشاطا غير معهود، مشى على أطراف أصابعه بصمت الخائف، دحرج بصره في الساعة التي تلف معصمه (إنها الساعة العاشرة صباحا) قفز من مكانه إلى وسط الغرفة، بضع خطوات تفصل بينه وبين هذا الساكن الجديد. زرع في كفه اليمنى جهازا صغيرا ركزه بقوة، تذكر صديقه وما قال له ليلة أمس... (صدقني ستنتصر على الضياع، ستستأصل الحيرة من جذورها. إنه العلاج الناجح أمام تمرد الفراغ والتشتت. فقط جربه وستذهلك النتيجة، ستجد فيه كل ما تبحث عنه). آه.. هل حقا اكتشفت العلاج الناجح الذي يمزق مللي ويغيب كآبتي، دس أصابع يده اليسرى بين خصلات شعره المتناثرة في صحراء رأسه، أخذت أمانيه تتأرجح في دماغه، ظل يحادث نفسه لبضع ثوان، منذ زمن وأنا أحلم بالسعادة، لكن حواجز شائكة تكتنف دربي، تقف في وجهي، كلما حاولت تسلقها خانتني قواي وزلقت بي قدماي، فأرتمي في حضيض الألم أهيم وحيدا في سراديب الضياع. وبالأمس- ماأجمل الأمس- وجدت ما يزيل ضيقي ويقضي على حدة كآبتي. نظر إليه وهو يتربع على سفح إحدى الطاولات، رشقه بقبلة حب حارة وطوق عنقه بامتنان واحترام، غاب لدقائق ثم عاد وهو يحمل كوبا من الشاي الساخن يقوي به موجة تفاعله وبهجته. وضع الكوب جانبا وأقبل نحو الزائر الجديد لاهثا. استعد لبدء انطلاقة مع هذا الجهاز، داس بإبهامه على أحد الأزرار المتراصة في الجهاز الصغير المنغرس في يده، نظر مليا في الشاشة لم يرق له الحال فانتقل بإبهامه إلى الزر الآخر تململ مما رآه فأخذ يقلب الشاشة بالعبث بالأزرار.. خمس وعشرون محطة... ترى أين أتوقف وفي أي محطة أنزل.. اجتاحت مشاعره عاصفة هوجاء أثارت كوامن فضوله، أخذ يتجول من قناة إلى أخرى وفي صدره رغبة في اكتشاف كل جديد وخوفا أن يفوته برنامج أو فيلم مميز فيفلت من بين يديه شيء ثمين، إبهامه يهرول على أزرار الجهاز الصغير، ما إن يستقر على أحدها حتى يمضي للآخر، تورم واحمر وصاحبه لم يشعربعد، الحيرة تدوس بشدة على راحته والقلق يقرض قلبه ودوار شديد أصابه عجز عن تحديد الوجهه التي يرغبها. أحكم قبضته على الجهاز الصغير صب فيه براكين غضبه وأزيز حيرته، رفع يده عاليا ثم ألقى به وفي مقدمة الجهاز الكبير ارتفع دوي مخيف، تناثرت قطع الزجاج في أرجاء الغرفة، نهض من بين قطع الزجاج المفروشة على الأرضية لملم أنفاسه اللاهثة ثم خرج هاربا.