الفصل السادس :أضرار الحرمان من النوم !!

الفصل السادس من كتاب بحوث في.. النوم والأحلام والتنويم (المغناطيسي) للدكتور أنور حمدي النوم.. أسراره وخفاياه لقراءة الفصول السابقة انظر أسفل الصفحة.. أضرار الحرمان من النوم مغالطة (خيامية ميديسية )! إذن (النوم عادة )!! .. عادة ورثناها عن أجداد (مساكين )! أجداد، لم يجدوا ما يسلون به أنفسهم بعد أن تغيب الشمس، ويحل الظلام. (فناموا)!! أجداد (مساكين )! أقبل الليل، فخافوا! .. وإلى كهوفهم، أسرعوا، فتآووا! .. في الخارج .. ظلام دامس .. وخطر! حيوانات مفترسة تتربص! .. ووحوش ضارية تتجول! .. وزواحف تسلل! .. رياح تزأر! .. وعواصف تضرب! .. ورعد يدوي! وبرق يخطف (الأبصار)! .وأمطار تهطل! وفي الداخل .. أمن وأمان! .. اطمئنان وسلام! .. وقاية وحماية! .. إذن، لا خروج! .. بل جلوس وانتظار .. حتى ينقشع الليل، ويحل النهار! .. .. حتى تختفي الظلمة وتندحر، ويظهر النور وينتشر! .. في الداخل .. ظلام وسكون! .. هدوء و(دفء )! في الداخل .. لا يوجد ما يشغل! في الداخل .. لا يوجد ما يقضى به الزمن! .. وهكذا! .. ومع الوقت ...ومع الهدوء .. ومع السكينة .. ومع الظلام ..(ناموا)!! (ناموا)! .. يقضون أوقاتهم، ويقطعون (ساعاتهم)! .. أما نحن .. (أبناء القرن العشرين)!!.. أبناء عصر (الحضارة) والتقدم! .. أبناء عصر الذرة (والكومبيوتر) (الحاسب الآلي)! أبناء عصر (الروبرت) (الإنسان الآلي) و(طفل الأنبوب)!! .. فلماذا، نسير على الخطى (الرجعية)؟! لماذا، نحذو، حذو الأجداد المتخلفين (المساكين)؟! لماذا نسير على (الخطا الرجعية) .. وقد قلبنا الليل .. نهارا! .. .. وقد سيطرنا على (الطبيعة)! .. وقد قهرنا ( الآلهة)؟! (لماذا ننام) ..كما نام الأجداد المساكين؟! ففي الخارج .. لم تعد هناك (وحوش ضارية) تخيف .. أو (حيوانات مفترسة) تتربص!.. ففي الخارج .. لم تعد هناك (غابات ) و(وعورة ) .. .. بل، صارت (شوارع أنيقة) ..و(إضاءات جذابة) ..و(ألوان براقة)! .. ففي الخارج .. لم يعد هناك (عواء ذئب) .. أو (فحيح أفعى) .. .. بل (أماكن لهو وسمر) ..و(علب ليل) يحلو فيها السهر! .. في الخارج .. لم تعد هناك (غوريلا) تخيف، وترعب! .. بل (حسان رائعات)! .. .. وآه ما أجمل (الجينز) و(البنطال)! .. و(الميني) و(الميكرو)! .. .. وإذا كان أقصر، فهو أروع وأجمل!! في الخارج .. لم تعد هناك (دببة) تخيف وترعب! .. .. بل (رائعات الحسن) .. غاديات، رائحات .. بأشكال وألوان .. يلبسن، أحدث ما (تفتقت) عنه (أذهان) العاملين في .. (كريستان ديور) و(إيف سان لوران) و(شانيل) و(لانفان)!! فلماذا ننام ؟! لماذا ننام وبيوتنا لم تعد كهوفا ؟! .. وبيوتنا فيها إضاءة ونور .. وفيها وتر وسمر؟! لماذا ننام، وعندنا .. رائي و(فيديو) و(أتاري) و(باك مان)؟! لماذا ننام، وبيوتنا فيها ... ألوان (ماكس فاكتور)!! .. وشفاف (بوردا) الأحمر ..! .. وعطر باريس الراقي؟! لماذا ننام؟! .. .. أو كيف ننام ؟! .. و(الشحرورة) تشدو! .. و(العندليب) يصدح! ؟! فلماذا ننام .. كأجدادنا المساكين! .. .. ونضيع الوقت، ونقطع الزمن، ونفني عمرنا؟! ألا: أفق خفيف الظل هذا السحر ناد دع النوم وناغ الوتر فما أطال النوم عمرا ولا قصر في الأعمار طول السهر ألا، هكذا فلنفعل! .. دع النوم ..وناغ الوتر! النوم (للمساكين) .. يوم كان خوف ورهبة .. سكون وظلام! .. أما الآن! .. فلماذا النوم، ونحن (لسنا مساكين)؟! لماذا نضيع ثلث عمرنا، والحياة ماضية ؟! .. دعونا نغنم من الحاضر لذاته! ..دعونا نغنم من الحاضر مسراته! .. في النهار، عمل! .. وفي الليل نوم! .. وبعد سنوات (نفنى) ونذهب!.. .. فمتى نعيش ونستمتع ونبتهج؟! ألا، فليذهب (النوم العتيق)، إلى غير رجعة! .. النوم (رجعي)! .. ونحن (تقدميون)! .. والتقدمية، لا يليق بها، بل لا يجب، .. بل يمنع!، أن تلتقي مع الرجعية!.. فلنترك النوم! .. .. وتركنا النوم! .. بدأنا نسهر .. ونطيل السهر! .. ونحقق ما يريده (عمر الخيام) لنصل إلى ما يريده (راي ميديس)! بددنا ظلمة الليالي، وسكونها .. (بشموع حمراء)! .. و(أنوار خافتة)!..مرة!! .. و(بديسكو) .. و(روك) .. مرة!! .. .. ومع (الكوكب) مرة! .. ومع (ديميسس) و (بوني إم) مرة!! وتغلبنا على (الرجعية)! .. لقد انتصرنا، وأصبحنا (تقدميين)!! أصبحنا (مدمنين) على السهر! ولا ننام (مثل الدجاج) من بعد العشاء!! .. ونلنا ثمرات (التقدمية الرائعة)! وحصدنا نتائج (الحضارة الهيكلية)! .. ففرنسا! .. فرنسا، شعب من شعوبنا (التقدمية)، نحن أبناء القرن العشرين! .. فرنسا، شعب من شعوبنا (التقدمية)!.. المشهورة (بعلب الليل) و(صناديقه)! .وملاهيه! فرنسا، شعب من شعوبنا (التقدمية)! التي تسهر حتى الصباح، تلهو وتمرح! وتدعو إلى الانحلال، واغتنام الملذات 1 .. .. وعدم إضاعة (ثلث العمر)، بلا فائدة!! فرنسا، بملاهيها الليلية و(علب) خلاعتها .. منعت الناس عن النوم .. ودعتهم إلى السهر!.. .. لا، بل، أجبرتهم عليه ،وفيه ما فيه من (ترفيه وتسلية) فرنسا هذه .. ...خرت راكعة، عند أول ضربة في الحرب العالمية الثانية، ولم يغن عنها (خط ماجينو) شيئا!! فرنسا هذه .. .. ضاعت هيبتها بين الدول، وانهار اقتصادها .. عند أول ضربة!.. بفضل (بركات) المراقص، والملاهي، ومناغاة الوتر .. والسهر! ضاع الوقت باللهو والعبث! .. ولم يصرف في الراحة والسكينة .. .. (فاستفادت) منه! .. .. ضعفا في الجهد .. وفتورا في النشاط .. وميلا إلى التراخي. . وقلة القوة على العمل!.. .. و(نالت) .. شرف الاحتلال!! .كل ذلك بفضل (بركات)! السهر .. السهر المترافق مع اللهو والعبث! واللهو والعبث محرمان ...والسهر مضر! فكيف إذا اجتمع محرم مع مضر ؟! .. كيف إذا اجتمعت حرمة وضرر ؟! .. اللهو والعبث، محرمان! ففيهما .. إضاعة الوقت في غير حقه .. وضياع العمر في غير ما خلق له! ولن تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن عمره، فيما أفناه!! .. والسهر مضر! .. ومضر بالصحة .. ومضر بالأعصاب! . مضر بالنفس .. ومضر بالروح!!.. هلا، نظرت إلى أولئك المدمنين على السهر، أولئك الذين لا يحصلون على النوم الكافي، لأيام ولأسابيع وربما أشهر، رغم أنهم في حاجة ماسة إليه .. ..هلا نظرت إليهم، ماذا تشاهد؟، وماذا ترى؟! إنهم في تعب، ونصب .مستمرين! .. يعانون من آلام في الرأس، وآلام في العضلات! .. يعانون من اضطرابات في السمع، واضطرابات في النظر! لم يعد بإمكانهم التركيز بصورة صحيحة! .. لقد أصبحوا في حالة عصبية .. وساء مزاجهم! وكل ذلك يزداد سواء، إذا تصاعد السهر والحرمان من النوم، حتي يصل إلى حد، لايطاق! ... فقد يصلون إلى حالة نفسية سيئة تنتهي بالجنون!! صحيح أنهم يستطيعون القيام بالأعمال المنزلية الروتينية، ولكن إذا طلب منهم القيام بأعمال عويصة، فسيفشلون بها، بكل تأكيد! .. وهم في خطر مستمر، لأنهم عرضة للتسبب بحوادث، في مكان العمل أو في الشارع! .. أنظر إلى من حرم من نوم ليلة واحدة!.. كم يتسبب له ذلك، من تبلد الإدراك. وتباطؤ رد الفعل العصبي ..وضعف الذاكرة.. بل قد يتأثر تقديره للأمور ..ويصبح تصرفه في الأمور التافهة غيرمعقول غالبا .. وتضطرب قدرته على التفكير، والوصول إلى حكم ..وتزيد قابليته للاستثارة! .. .. أنظر إلى أولئك الطلاب الذين يقضون سنتهم في اللهو واللعب، حتى إذا ما قارب الامتحان، واصلوا الليل بالنهار، والنهار بالليل! .. لتعويض ما فات، واللحاق بالركب!.. ولكن هيهات .. هيهات! .. لقد منعوا أجسامهم حقا من حقوقها. فظهرت عليهم، علامات الإرهاق، والتعب، .. وضعفت أعصابهم ،وذوت عضلاتهم .. ... وفي النهاية قد يكون مرض يقعد .. فيكون (حرمان) و(خسران)!. فالنوم .. (ضرورة حياتية )! .. وليس (عادة موروثة)! فالإنسان، والحيوان، إذا لم ينم ظهرت عليه .. علامات الإعياء، وتضاءلت كمية عمله، ونوعه ودقته! ..كما ينقص وزنه! .. لقد أجريت تجارب على الحيوان والإنسان، بحرمانه من النوم ،ومعرفة تأثير ذلك عليه وهل النوم (ضرورة) أم ( لا حاجة له) ؟! .. وهل يمكن (الاستغناء عنه)أم (لا)؟! فلقد أخذت حيوانات، كالكلاب مثلا، وأعطي فريق منها غذاءه الكامل، ولكنه حرم من النوم! .. وأما الفريق الثاني، فقد حرم من الغذاء، ولكنه ترك لينام كما يشاء!.. فبعد خمسة أيام، وجد أن الكلاب التي حرمت النوم، لم يبق منها أحد على قيد الحياة! وذلك بخلاف التي حرمت من الغذاء، وتركت لتنام، فقد قاومت الجوع عشرين يوما!.. وفي تجارب أخرى، استطاعت الكلاب المحرومة من النوم، أن تقاوم حتى اليوم الثامن عشر أو العشرين، ثم نفقت وهلكت .. رغم أنه بعضها كان يأخذه النوم على الرغم من كل حائل دونه! .. ولقد وجد العلماء، تغيرات أساسية في خلايا قشر دماغها، بعد مدة حرمان من النوم، تزيد على أسبوع! وعند الإنسان، وجدوا بالتجارب، أنه لا يتحمل فقدان النوم، أمدا طويلا!.. وهو عن فقدانه أعجز منه عن فقدان الطعام والجوع! .. فلقد أجريت تجارب على الإنسان، منذ عام 1896 لمعرفة ما يحدث للجسم، سواء من الوجهة السلوكية، أو الفسيولوجية أو البيوكيميائية، ، عندما يحرم من النوم. ولقد وجد أنه عندما يحرم الإنسان من النوم لفترة قصيرة، فإنه يشعر بالتعب العام، والإرهاق، وثقل في جفون العين، وجمودها! وعندما يكون الحرمان التجريبي من النوم، بفقدانه لليلة واحدة، وجد العلماء وعلماء النفس، أن الأعمال القصيرة الأجل لا تتأثر! .. وأن النقص في الأداء لا يحدث إلا إذا تطلب العمل تركيزا لفترة نصف ساعة أو أكثر! .. كما وجدوا أن من العوامل الحاسمة في الموضوع، نمط العمل أو النشاط الذي يقوم به المرء! فالأعمال البسيطة نسبيا، والأعمال التكرارية، تتأثر أكثر من غيرها! .. ومن الأمثلة على ذلك: مراقبة أجهزة عرض، وذلك لملاحظة حدوث أي إشارات ضئيلة عارضة، وذلك على نحو متصل .. كما هو الحال في عمل المراقبة من على ظهر السفينة مثلا! وكذلك اتخاذ القرارات التكرارية البسيطة، كما هو الحال في تصنيف الحروف الأبجدية! وأما الأعمال التي تتطلب حسابا أو تعلما، فهي أقل تأثرا بنقصان النوم! فإذا وصلنا إلى الأعمال التي تتطلب اتخاذ قرارات معقدة، أو حل مشكلات، والتي يبذل فيها جهد عقلي كبير، فإنها تظل دون أن تتأثر على الأطلاق، حتى ولو استمرت لفترة ساعة أو أكثر ..وحتى لو مضى يومان أو ثلاثة دون نوم!! .. .. ولعل الغريب في حالة عدم النوم، هو ليس مقدار تعطيله للأداء، وإنما درجة التغلب على تأثيره، إذا كان العمل، وبخاصة تعقده، على درجة كافية من إثارة الاهتمام والاستثارة! .. فهل يعني هذا، أن الشخص المحروم من النوم لا يختلف عن الشخص العادي في مثل هذا الموقف ؟! لقد أوضحت التجارب التي استخدمت فيها المقاييس الفسيولوجية والأدائية .. أن هذا غير صحيح!. ففي إحدى الدراسات طبقت مقاييس التوتر العضلي على مجموعة من الأشخاص الذين لا ينامون أثناء قيامهم بسلسلة من الأعمال الحسابية، ولوحظ أن مستوى التوتر العضلي يظل عاديا عند أولئك الذين يتدهور أداؤهم!.. ولكنه ارتفع (أي التوتر العضلي) عند أولئك الذين ظلوا يؤدون أداء عاديا رغم فقدان النوم! ومعنى ذلك أن الاداء العادي، عند المجموعة الأخيرة من المجرب عليهم، لم يتم الوصول إليه إلا على حساب جهد فسيولوجي زائد!! وعلى ذلك، فسواء من الوجهة السلوكية أو الفسيولوجية، يبدو أن الكفاءة تتناقص حينما يفقد النوم. وعندما يكون الحرمان التجريبي من النوم، لفترات أطول من 12 ساعة، فإنه هذا يسبب تبدلات فسيولوجية ونفسية وحركية وكيميائية حيوية. هذه التبدلات يكون فيها .. النقصان عن الحد الطبيعي، أكثر من الزيادة، بحسب رأي العالم تيللر (Tylre)! وتتناول هذه التبدلات: سعة العمل الشاق، والمهارات النفسية الحركية (بشرط أن تجرى الاختبارات بدون حاجة للانتباه المدعوم!) وسكر الدم، والمدخر القلوي، وخضاب الدم، وتعداد كريات الدم البيضاء والحمراء ووزن الجسم وحرارة البدن والاستقلاب الأساسي والاطراح البولي لمادة 17 كيتوستيروئيد! .. .. و إلى جانب هذه التبدلات الكثيرة، التي تأثرت (قليلا ) من حالة الشدة الناجمة عن فقدان النوم، فإنه تظهر عادة، تبدلات هامة تتناول النشاط الكهربائي للدماغ، مع اضطرابات نفسية عديدة! .. فمخطط الدماغ الكهربائي تبدأ تبدلاته ما بين الساعة 36-50 ( من الحرمان من النوم)، وتمتاز هذه التبدلات بشكل رئيسي، بظهور زيادة في الزمن الذي تشغله الموجات العالية التوتر! .. وكذلك فإن المسائل الحسابية الذهنية والتي تزيد من النشاط الكهربائي للدماغ، تترافق عادة بزيادة قليلة في الموجات العالية التوتر عند الشخص الطبيعي المرتاح، بينما لا تحدث هذه الزيادة أبدا، ولا تظهر عند الشخص المحروم من النوم! حتى إذا ما استمر الإنسان في حالة من اليقظة لمدة 72 ساعة، وبقي محروما من النوم فإن منشطاته واستجاباته تصبح ضعيفة، فيزداد النسيان لديه .. ويقل التركيز .. وتبدو الأشياء المرئية، كما لو كانت مزدوجة! .. ويعاني من رؤية الهلاوس، بشكل متوسط حر! .. ومن الشائع حدوث تهيج عصبي .. وشكل من الجنون، مثل جنون العظمة أو الشك!.. وبعضهم قد يعاني من أعراض هوس عقلي .. متمثل في السرحان، والبعد عن الواقع المحيط به! .. كما تزداد إمكانية حدوث نوبات من الصرع، فتمثل خطرا متزايدا! فلقد تم في (مركز لأبحاث النوم) تابع لجامعة لوبرون Loughborough للتنكنولوجيا في وسط انكلترا، وعلى بعد 100 ميل شمالي لندن .. تم عمل تجربة لمعرفة أثر الحرمان من النوم على الإنسان، لمدة ثلاثة أيام، أي 72 ساعة كاملة!.. وذلك بهدف معرفة ما إذا كان النوم ضروريا لأداء الوظائف الطبيعية المختلفة كل يوم، أم أنه عادة لا ضرورة لها!.. .. حيث كانت هذه التجربة، تهدف إلى اختبار الذاكرة والمهارات اللغوية لهؤلاء (المتطوعين) الذين قبلوا الحرمان من النوم، طوال فترة 72 ساعة، (إكراما لعيون) الطبيب النفسي جيم هورني! صاحب التجربة، وفي سبيل العلم! ..بدأت التجربة في الساعة الثامنة صباحا من يوم الجمعة، واستمرت حتى الثامنة صباحا من يوم الاثنين. وكانت موادالتجربة، تتألف من .. جولات يومية خمسة من الاختبارات: التأرجح على قضيب خشبي يشبه تمرينات الباليه، وذلك لاختبار التوازن، وقياس الحرارة، والتعرض لاختبار ويلكنسون لليقظة!. وأما خارج أوقات الاختبارات، فكان المتطوعون يمضون الوقت في غرفة مشتركة، مزودة بجهاز لألعاب الفيديو، وبلعبة السهام، وبعض ألعاب المائدة (شطرنج وغيره) وغيرها من وسائل التسلية! وكان المتطوعون، يستطيعون شرب القهوة والشاي بكميات محدودة ..كما يشجعون بعضهم على الاستمرار في اليقظة! .. في فجر يوم السبت كان الجميع يترنح من التعب! إلا أنهم نشطوا نسبيا أثناء النهار، وأمضوا يوم السبت، بشكل معقول .. .. من حل أحد الألغاز، والمشاركة في لعبة الفيديو? .. في صباح يوم الأحد، اشترك المتطوعون في لعبة تمثيلية، مليئة بالحيوية، وتعتمد على الذكاء، وهي معرفة مقاطع، كلمة معينة، من خلال مشاهد تمثيلية يؤدونها .. وكانوا لا يزالون بخير! ... وعندما تابعوا في خلال نهار الأحد .. شعر أحدهم عندما وقف أمام جهاز اليقظة، بأن أقدامه تلتوي تحت جسمه، عند الصفارة رقم 28، وهوى نائما بسرعة على المقعد! .. وعندما كانوا ينتقلون من جهاز اليقظة ليلعبوا بالفيديو (مثل لعبة غزاة الفضاء أو الباك مان) كان الجهازان (جهاز اليقظة وجهاز الفيديو)، قد اختلطا في عقولهم! فقد بدؤوا يسمعون انفجارات القنابل في قيادة الصواريخ (أصوات لعبة الفيديو)، مختلطة بالصفير المتقطع لجهاز اليقظة! .. ومع انتهاء يوم الأحد، ظهرت بعض الاضطرابات العقلية الأخرى! .. فشاهد أحدهم دخانا ليس له وجود ينبعث من جهاز التلفزيون! .. وأحس الآخر بأنه يرتدي قبعة! .. وأما الثالث فقد صاح (لا أستطيع تثبيت عيني على أي شيء، لم تعد لدي أي قوة باقية)! وفي صباح يوم الاثنين كان الدوار، قد حل بالجميع، وأصبح جهاز اختبار اليقظة غير محتمل! .. حيث أن أحد المتطوعين ضغط على الزر 11 مرة، عوضا عن الرقم وهو 225 مرة ،وكانت إحدى المرات خاطئة أيضا .. وعندما انتهت التجربة، وتجارب أخرى مماثلة، كان الأشخاص المتطوعون، يذهبون في نوم عميق، يستمر من 14 16 ساعة!، ، حيث إن الجسم عادة ما يعوض فقط ثلث عدد ساعات النوم الضائعة! وكان قسم كبير من هذ الساعات يقضى في مرحلة نوم حركة العين السريعة (مرحلة الأحلام!) وبعد الاستيقاظ من هذا النوم، فإنه كانت تظهر دلائل اضطراب في وظائف أجهزة الجسم المختلفة، بحيث لم تعد هذه الوظائف إلى طبيعتها، إلا بعد انقضاء عشرة أيام على انتهاء التجربة! .. .. كانت الفترات العصيبة في هذه التجربة، تمر على الرجال أكثر من النساء، فقد كان بين المتطوعين فتاة،! .. يقول هورني (إن الرجال يمرون بأوقات عصيبة أكثر من النساء، في حالات الحرمان من النوم! .. ربما لأن النساء، لديهن طاقة أكبر مخزونة في الطبقة الدهنية من الجسم)!.. ولكن .. لا بد أن نتذكر أيضا، أن الفتاة المشاركة كانت صغيرة السن، في العشرين من عمرها! .. بينما كان الرجال، لا سيما الذي غلبه النوم، في الأربعين من عمره!.. فلعل السبب يرجع أيضا: إلى أن صغار السن أقدر على احتمال الحرمان من النوم من الكبار! فلقد أوضحت دراسات في جامعة فلوريدا أن الأشخاص عند سن الأربعين أو بعدها، يقاسون من الحرمان من النوم، أكثر مما يقاسي طلبة الجامعة، أي الأشخاص صغار السن، الشباب!! .. ولقد وجد أيضا من خلال هذه التجربة، وتجارب أخرى مماثلة، أن المحرومين من النوم (سواء كانوا رجالا أو نساء) يأكلون بشراهة! . .. فلقد وجدت إحدى مجموعات البحث العلمي، أن المتطوعين المتعاونين معها، يأكل الواحد منهم (5000 ) وحدة حرارية يوميا! .. أي حوالي ضعف الكمية العادية من الطعام! .. .. كما وجد أيضا، أن أداء الوظائف الجسمية لم يتأثر! .. بينما تأثر النشاط العقلي، بدرجة قليلة مع الأعمال التي تتطلب تفكيرا منطقيا وقدرا من الإبداع! .. فلقد وجد أن الألغاز التي تختبر العقل والإدراك، أو على الأقل تلك (الألغاز الشيقة) التي لا تستغرق وقتا طويلا، لم تظهر أي نقص في القدرات العقلية! وأما الأعمال المملة المتكررة، فأظهرت تدهور النشاط العقلي، بدرجة كبيرة!1 ... فلقد تناقص مستوى الأداء على (جهاز اختبار اليقظة)، رغم (الحوافز) الموجودة فيه! .. وهذا يعني أنه إذا كان (الجندي) أو (عامل المصنع) مثلا، لا يحصل على النوم الكافي، فإنه قد يصبح، مستحيلا عليه الاستمرار في أداء العمل الروتيني! .. وذلك بصرف النظر، عما إذا كان يحصل على أجر كبير!! وبغض النظر، أيضا عما إذا كان خطؤه .. يعنى كارثة!! .. فلينتبه إلى ذلك، أصحاب الأمر .. والمسؤولون!! .. ولقد ظهر بعض الضعف، في أعمال تتطلب مجهودا عضليا، في اليوم الثالث من الحرمان! .. .. وأما الاضطرابات النفسية والعصبية، فلقد وجدوا أنها تظهر عادة بعد أربعين ساعة تقريبا من الحرمان من النوم، وقد تكون أعراضها متوسطة الشدة، ولكنها قد تكون أيضا شديدة، ومشابهة لداء الفصام الحاد من النمط الشبيه بداء العظمة (الأزورار)Paranoid like Type أو من النمط السمي للأنفسه (نفاس )!، إلا أنه تتلاشى عادة الأعراض العقلية العصبية الناتجة عن فقدان النوم، ويعود السلوك الطبيعي للشخص، بعد نوم عميق، .. كما أن كل المتطوعين، كانوا يشعرون بإحساس من التجرد يشبه الحلم، اعتبارا من اليوم الثالث للحرمان! ولقد أجريت تجارب مماثلة، في عيادة لافايت بمدينة دترويت، كانت تهدف إلى معرفة وتحديد نشاط أجهزة تحويل الطاقة في الجسم، وهي الآليات المسؤولة عن تزويد الطاقة اللازمة لاستمرار النشاط العضلي والعصبي، في حالة الحرمان من النوم ولمدة تزيد 100 ساعة متواصلة أي حوالي أربعة أيام وزيادة! .. لقد وجد أن نشاط هذه الأجهزة، يتزايد زيادة هائلة! .. حتى إذا ما زادت (الفترة الحرمانية) عن المائة ساعة، ظهرت عندها (أساليب الطوارئ)! التي لا تستخدم في الظروف العادية! .. وهذا يشكل دليلا واضحا، على حدوث قدر من استنفاد المصادر العادية لطاقة الجسم! .. حيث بناء على ذلك، يمكن اعتبار الشخص الذي يصمد دون نوم، وكأنه يشبه(محرك السيارة) في بعض نواحيه، عندما يفقد كفاءاته، بسبب الاستعمال الزائد عن الحد! .. فقد (يتناقص الأداء)! إلا أنه يظل من الممكن وفي حدود معينة، الوصول إلى مستويات ملائمة على حساب الاستهلاك الزائد للوقود). ولقد وجد في تجربة أجريت بمعرفة (مركز أبحاث النوم) التابع لجامعة أوهايو في أمريكا، تم خلالها حرمان بعض المتطوعين من النوم، لمدة خمسة أيام متتالية (120ساعة)!.. لقد وجد، أنه ظهرت على هؤلاء (المتطوعين) علامات إعياء شديد، وانخفاض حاد في القدرة على التركيز، والتفكير! .. حتى إذا ما كان اليوم الخامس والأخير من التجربة، كان المتطوعون في حالة عجز شبه كاملة عن الحركة! .. وانخفضت قدرتهم على التفكير وصنع القرارات إلى أدنى مستوى لها! .. وصدرت عنهم (هلوسة) شبيهة بهذيان المحموم! .. ولقد وجد في تجارب أخرى مماثلة، تمت من خلالها محاولة حرمان المتطوعين، من النوم لمدة تصل إلى 200 ساعة وأحيانا تزيد (حوالي ثمانية أيام وزيادة )! .. لقد وجد من خلال هذه التجارب، وبلا استثناء، أنه ما أن تمر مدة 100 ساعة من الحرمان المتواصل من النوم، أي بعد حوالي 4 أيام، وهي النقطة التي تتحطم عندها أجهزة تحويل الطاقة، كما ذكرت، حتى يظهر تدريجيا سوء التكامل في الشخصية، وفي السلوك العقلي! .. فيتصرف (المحروم من النوم ) بما يشبه الثمل المترع!! فيتفوه بكلمات لا ضابط لها، وتصدر عنه حركات أو أقوال، لا يرتضيها في حالاته العادية!!. كما تظهر أعراض الجنون الهذائي (الهذياني)! .. حيث يتهم (المفحوص المتطوع) ..يتهم (العالم المجرب) بأنه يحاول تحطيم محاولته البقاء مستيقظا، طوال الفترة المحدودة!.. ولقد تمت أيضا محاولة الاعتداء على المجربين في حالتين! .. وفي نفس الوقت تضطرب قوى الإدراك العقلي! .. فيرى المفحوص المجرب عليه، الأشياء الخيالية، كما يخاطب أشخاصا خياليين! كما أن السطوح قد تبدو له شفافة، أو مغطاة بنسيج العنكبوت! وأيضا من صور الخداع اللمسي المألوفة، في هذه الحالات، أن يشعر الشخص المحروم من النوم، بأن يده مغلولة إلى رأسه!! .. ولقد وجد أن هذه الأعراض جميعا وما يصاحبها من عدم النوم والحرمان منه، تأتي فيما يبدو في صورة (موجات)! .. بحيث أن المفحوص يبدو في بعض الأوقات عاديا.. وفي بعضها الآخر، يعاني من حالة الهذيان الشديد! .. وتظهر هذه الآثار بوضوح أشد في ساعات الليل أكثر من ساعات النهار!! .. وهكذا وجد أنه مع الفقدان الكلي والمستمر، للنوم، يتحول الشخص تدريجيا إلى حالة من حالات المرض النفسي! .. وعادة ما تكفي فترة حرمان مدتها أربعة أو خمسة أيام، حتى تظهر هذه الأعراض النفسية بوضوح . ولهذا، فإن البعض، قد يستخدم الحرمان من النوم، كطريقة لإنتاج (الذهان التجريبي) عند الإنسان، رغم أن هذه العملية، تبدو خطرة .. وغير مقبولة! .. وهكذا، ومن كل هذه التجارب والأبحاث، يتبين لنا، أن الحرمان من النوم: يفقد القدرة على التفكير السليم .. ويفقد القدرة على التركيز! ويصيب الإنسان بالتوتر، وسرعة التهيج، وانحراف المزاج، وسوئه! ويؤدي بعد فترة من زيادة الشهية، إلى فقد الرغبة في الطعام والشراب .. فينقص الوزن، وتنحل العضلات، وتغيض نضارة الجسم ،ورونق الجلد، وبهاؤه! وتقل كمية العمل، ونوعيته ،ودقته! و تتبدل كثير من وظائف الجسم ..وتتغير كثير من مكونات البدن! .. وتعتري النفس، تبدلات، وتغيرات ..وتظهر (هذاءات و(هلوسات) .. ويحدث (جنون)! .. ثم يأتي .. (الموت)! يأتي الموت ..واضعا (نهاية المأساة)! .. بعد عذاب .. لا يطيق استمراره .. البشر! ولا الحيوان، .. وفي غيرطاقة احتمال .. (بشر)! يأتي الموت .. وينهي عذابا لا يطاق .. وشدة لا تحتمل! .. عذابا استمر أياما .. وشدة أطبقت ليال! . .. فسبحانك يا رب! .. سبحانك، يا من كنت بنا رحيما! نحن الضعفاء .. الذين تدميهم العثرة .. وتحرقهم الرمضة! .. سبحانك يا كريم! .. يا من جعلت الليل لباسا، وجعلت النوم سباتا! .. سبحانك، يا من مننت علينا .. بنوم! .. .. فيه نرتاح من بعد عناء! ونجد نشاطا من بعد تعب! ونسكن من بعد حركة! .. سبحانك يا من جعلت، النوم لباسا .. نستتر به .. .. ونسكن فيه! .. سبحانك يا من جعلت النوم .. نغمض فيه أجفاننا عن (عالم العمل )! لنفتحها في (عالم الأمل )!! ..سبحانك! .. كيف ( يخطر ) لعبادك، ألا يناموا .. والذي لا ينام هو أنت ؟! .. فتلك صفتك، يا واحد، يا قهار .. لا يشاركك فيها أحد! .. .. أنت ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم ) البقرة 255. أنت الحي الباقي، نزهت ذاتك، سبحانك، عن السنة الخفيفة أو النوم المستغرق!.. فلا تنام أبدا! أنت الحي القيوم .. الواحد الأحد .. الفرد الصمد .. ليس كمثلك شيء! . أنت يا كريم! يا من تكرمت على عبادك المؤمنين، وتفضلت! .. .. فمنحتهم حياة أبدية، في الآخرة ،وجعلتهم (لا ينامون )!! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون ) أهل الجنة، منا نحن البشر، لا ينامون .. هناك في الدار الآخرة، كرما من الله وفضلا ومنة! .. أما هنا في هذه الحياة الدنيا .. فلا بد من النوم!! ،، وايضا كرما من الله وفضلا! .. فلا حياة، يمكن أن تستمر بدون نوم! .. .. فللنوم أهمية (حيوية) كبرى! ..وللنوم (فوائد) جمة! .. سينشر الفصل السابع يوم الاثنين 10 يونيه 2002م الموافق 29 ربيع الاول 1423هـ