تاريخ الأدب الياباني

يستمد الأدب الياباني قوته الأدبية من عدة مصادر مختلفة، من المؤثرات الكلاسيكية الصينية القديمة، ومن السمات والخصائص العريقة للتقاليد اليابانية ذاتها، وأيضا من مختلف الأفكار والمفاهيم الغربية الحديثة والمعاصرة. ويمكن تقسيم تاريخ الأدب الياباني إلى عدة مراحل أدبية كالتالي: - أدب مرحلة ياماتو ونارا Yamato -Nara bungaku وهي المرحلة التي تبدأ من القرن الرابع الميلادي في انتقال العاصــمة إلى هيآن Heian مدينة كيوتو Kyto الحالية حتى عام 794 ميلادية وتسمى باليابانية (جوداي بونجاكو - jdaibungaku) أو (جوكوبونجاكو- jkobungaku). وفي تلك الحقبة الزمنية الأدبية تحول الأدب من الأدب الشفوي أدب المحاكاة - kisaibungaku إلى الأدب المدون أو المكتوب - kshbungaku . مع دخول الأبجدية الصينية التصويرية الـكانجي - kanji من الصين عن طريق كوريا في القرن السادس الميلادي، بدأ اليابانيون عن طربق تلك الأبجدية الصينية التصويرية يسجلون الأساطير والسير والحكايات والأسفار التي كانت تنقل شفويا تسجيلا كتابيا، مما أدى إلى تغير شكلها فبدأت تأخذ شكلا أدبيا. ومن أبرز الأعمال الأدبية في مرحلة أدب ياماتو ونارا هي كتاب الـ كوجيكي- kojiki، وكتاب الـنيهون شوكي - Nihonshoki وكتاب الـ فودوكي - Fudoki وكتاب الأشعار القديمة الـمانيوشو - Manysh. - أدب مرحلة هيآن (794 - 1192) Heian bungaku في بداية حقبة هيآن كان التبادل الثقافي بين اليابان والصين مزدهرا وبسبب ذلك تأثر اليابانيون بالأدب الصيني، وظهرت أشكال من الأدب مثل الشعر الصيني(Kanshi)والجمل الصينية (Kanbun). وبعدها بفترة وفي عهد الإمبراطور أودا (Uda) عام 894 ميلادية توقفت البعثات والإرسالات(Kendshi) بين اليابان والصين، وقل الاهتمام بالثقافة الصينية، ومعها بدأ مولد ألوان من الأدب الياباني الخالص. وبذلك بدأت تظهر الأبجــدية اليـــابــــانية الـ كانا Kana)) الجديدة التي تنقسم إلى نوعين الـهيراجانا والـكاتاكانا (Hiragana Katakana) التي استنبطت من الأبجدية الصينية التصويرية (Kanji) التي كانت تكتب بها الأعمال الأدبية في عصر ياماتو(Yamato) ونارا (Nara) كما ذكرنا سابقا، فمع هذا التطور في الأبجدية اليابانية صارت الكتابة والقراءة أيسر عما كانت عليه قبل اختراع تلك الحروف. ومع بدايـــة القرن التــاسع بدأت النســــاء في البلاط الإمبراطــــوري يكتبن الكثير من الأعمــــال الأدبيـة باستخـدام أبجدية الكانا الجديدة (Hiragana Katakana)، ويساهمن في تطوير أدب عصر هيآن. وأهم ما يميز أدب عصر هيآن هو ازدهار الأدب النسائي(Jory Bungaku)، أي ظهور العديد من الأقلام النسائية اللاتي قمن بكتابة الكثير من الأعمال الأدبية باستخدام أبجدية الـ كانا أمثال الكاتبات سيشوناجون (Seishonagon)، إيزومي شيكيبو (Izumishikibu)، موراساكي شيكيبو (Murasaki Shikibu) وغيرهن، وقيامهن بكتابة الكثير من الأعمال الأدبية باستخدام أبجدية الـ كانا. وفي نفس الوقت استمر الرجال في استخدام الأبجدية الصينية التصويرية الـ كانجي في كتابة أعمالهم الأدبية. - أدب مرحلة كاماكورا (1192- 1333) Kamakura -bungaku برز المحاربون Samurai bushi كأصحاب دور وكقوة رئيسة في الدفاع عن الذات ولحماية العائلات الثرية والقوية في الأقاليم، فتوالت الثورات والحروب في نهاية عصر هيآن مثل حرب هوجن Hogen عام 1106م، وحرب هيجي Heiji عام 1159م. وقد ساعدت الحـــروب على زيادة قوة المحاربين ونفوذهم في البلاد. وقد أدى ظهور طبقات المحاربين الأرستقراطيين كطبقة حاكمة لفترة حوالي 150 عاما منذ نهاية القرن الثاني عشر إلى اكتساب حكايات الحرب شعبية كبرى، فبدأت الميول تتجه نحو قصص الحب التاريخية التي حل فيها محارب الساموراي محل رجل البلاط الإمبراطوري المتمثل في دور البطل، وأضفى تناقص سلطة الإمبراطور وبلاطه والدمار الذي خلفته الحروب المريرة نغمة حزينة تشاؤمية عن مصير الجنس البشري وقدر الإنسان على معظم الأعمال الأدبية التي ظهرت في تلك الفترة. تلك النغمة الحزينة التشاؤمية التي أتت من الفكر البوذي الذي انتشر إلى جميع أنحاء البلاد. وأكثر الأعمال الأدبية تمثيلا لعصر كاماكورا والتي سجلت تلك الحروب هى رواية هوجن Hogen Monogatari ورواية هيجي Heiji Monogatari ورواية هيكيه Heike Monogatari. وتعكس هذه الروايات الفكر البوذي الذي انتشر في جميع أنحاء البلاد، وهي أن الحياة شيء عابر وأن الحياة سريعة الزوال حتى الشجاعة. وتعرف فكرة الزوال هذه في مصطلح اللغة اليابانية باسم موجوكان Mujkan).) وتصور لنا أيضا أسلوب حياة المحارب الياباني Bushido الذي يقدر قيمة الشرف والمعاناة الإنسانية التي تكمن خلف الشجاعة والبسالة. - أدب عصر موروماتشي (1333 - 1603) Muromachi - bungaku أدب تلك الحقبة الأدبية يصور لنا الصراع العسكري بين إمبراطور الشمال والجنوب وإسقاط حكومة كاماكورا وتأسيس حكومة عسكرية. ويصور أيضا هذا الأدب صورا من حياة رجال البوشي أو الساموراي أي المحارب العسكري وأسلوب حياته العسكرية bushido، وأيضا صورا من المعاناة الإنسانية التي تكمن خلف الشجاعة، وأسلوب الكتابة الأدبية في تلك الحقبة أسلوب رفيع تميز بالمزج بين الطريقة الصينية واليابانية في الكتابة والوصف. وأهم ما يميزها أيضا وصف أسلوب حياة المحارب الياباني bushido وأخلاقياته مع التركيز على تعاليم الكونفوشيوسية Jukyo وأشهر الأعمال الأدبية تمثيلا لهذا العصر والتي قامت بوصف الصراع والحروب القائمة بين الشمال والجنوب هو كتاب سجل السلام الأعظم Taheiki وحكـايـة الأخــوين سـوجا Sogamonogatari . - أدب عصـر إيــدو (1603 - 1868) Edo - bungaku حاول العديد من طبقة الساموراي توحيد أرجاء اليابان أمثال أودا نوبوناجا Odanobunaga الذي نجح في إسقاط حكومة موروماتشي عام 1573م وخلفه الحاكم الإقطاعي تويو تومي هيديوشي Toyotomihideyoshi الذي قام بإحياء سلطة الإمبراطور تحت حمايته، وواصل الجهود ونجح في توحيد البلاد وإخضاع جميع المدن والبلاد في كل أرجاء اليابان تحت سطوته عام 1590م. وفي عام 1603م وبعد وفاة تويو تومي هيديوشي Toyotomihideyoshi قام طوكوجاوا إياسو Tokugawaieyasu من طبقة الساموراي بتنصيب نفسه حاكما للبلاد بعد موافقة البلاط الإمبراطوري وأصبح الحاكم العسكري للبلاد عام 1603م وشكل حكومة عسكرية في إيدو (طوكيو حاليا) وبدأت حقبة إيدو، واستقرت الأوضاع الاجتماعية والسياسية للبلاد لمدة 246 عاما. وقسمت الحكومة العسكرية الشعب إلى أربع طبقات: طبقة الساموراي الحاكمة، وطبقة الفلاحين، وطبقة الحرفيين، وطبقة التجار وتعرف باليابانية: شي، نو، كو، شو Shi? no? ko? sho. وعلى الرغم من التفاوت الطبقي الشديد إلا أن ظروف الحياة كانت أكثر استقرارا من الفترات السابقة، وكان المفهوم السياسي لحكومة طوكوجاوا باكفو Tokugaua Bakufu يقوم على أساس المبادئ الكونفوشيوسية الصينيةJuky ومن جانب آخر ازدهرت الكلاسيكيات اليابانية بين العلماء جنبا إلى جنب مع الفلسفة الكونفوشيوسية. فمن أبرز الدراسات الكلاسيكية التي أجريت في تلك الحقبة هي كوجكي دن Kojikiden كتاب كتبه رائد الفكر الياباني في تلك الحقبة موتواوري نوري ناجا Motoori norinaga فكتب عن الـ كوجيكي Kojiki سجل الأحداث القديمة أشهر الأعمال الأدبية في حقبة أدب نارا وياماتو Nara Yamato وأكثر الأعمال الأدبية تمثيلا لأدب عصر إيدو أشعار الهايكو Haiku. ففي تلك الحقبة التاريخية من القرن السابع عشر أدرك شعراء المحاربين الساموراي أن شكل القصيدة التقليدية الـ تانكا Tanka والــ رنجا Renga اللتين ازدهرتا في عصر نارا وهيـآن وكامــاكورا ومـورمـاتشي تتسمان بالطــول، فطـورت الأبـيــات الثلاثة الأولى من الرنجا (5 - 7 - 5، 7 - 7) التي كانت تعرف باسم الـHokku هوكو إلى الهايكاي Haikai حتى صار اسمه Haiku وأصبحت قالبا شعريا قصيرا يختلف عن الـ تانكا والـ رنجا، ويتألف من سبعة عشر مقطعا في ثلاثة أبيات، البيت الأول خمسة مقاطع والثاني سبعة مقاطع، والبيت الثالث خمسة مقاطع. وقصيدة الهايكو تتضمن غالبا فصلا من فصول السنة أو قرينة تدل على هذا الفصل، والشاعر يجعل قارئه يستحضر الطقس وأوراق النبات والطيور والنبات ويوقظ فيه المشاعر والأحاسيس التقليدية تجاه الطبيعة وفصول السنة. ومن أبرز شعراء الهايكو الشاعر ماتسواو باشوMatsuo Basho الذي أرسى قواعد الهايكوHaiku كشكل شعري ورفع هذا الشكل إلى قمة الجمالية ويقال عنه أعظم شاعر هايكو في تاريخ الشعر الياباني. لقد أحب الشاعر باشو الترحال والتجوال على قدميه عبر اليابان، ومات وهو يقوم بإحدى رحلاته، وفي افتتاحية مذكرات باشو الشهيرة أوكونوهوسوميتشي Okunohosomichi (طرقات البلاد الداخلية الضيقة)، كتب يقول: كثيرمن الناس في سالف الزمن ماتوا في الطريق، وأنا أيضا هزني منظر سحابة منفردة كانت تنساق مع الريح إلى أفكار لاتنقطع عن الترحال فقد كان الشاعر باشو ينطلق للسفر والترحال معبرا عن فلسفته الهادئة عن الطبيعة، فشعر الهايكو عند باشو تصوير واضح لعالم الطبيعة والنفس والمشاعر. وبداخل هذه المذكرات أيضا كتب باشو عن رحلته إلى الإقليم الشمالي الشرقي في عام 1689م فيقول شعره كالآتي: إن الربيع سريع الزوال يبكي الطائر وتسيل الدموع في عين السمكة هذه القصيدة أشهر أعمال باشو وأكثرها تمثيلا لأفكاره الجمالية تجاه الطبيعة، وأظهرت أفكاره أيضا تجاه الحياة فكانت في نظره رحلة. فالشاعر الفيلسوف باشو قد خرج إلى الطبيعة الخلابة وبدأ يعبر عن فلسفته تجاه الطبيعة من خلال أشعاره. فنجد في شعره الشعور بالانطواء على جمال الطبيعة، فكلماته الشعرية مليئة بالمعاني العميقة، فمبادئ أو نظرية باشو الجمالية التي تكمن في شعره هي أساس أعماله الشعرية. وبفضله أصبح الهايكو من الأشكال التي تستهوي كثيرا من اليابانيين حتى يومنا هذا. وفي أواخــر القــرن الســابع عشــر عهد جينروكو Genroko فترة زمنية تمتد من 1673- 1739م وتدخل ضمن حقبة إيدو، ويميز تلك الفترة التقدم في الثقافة والحضــارة، فقد ظهر في مجال النثر والرواية كاتب القصة والرواية الكاتب إيهارا سايكاكو Ihara saikaku (1642- 1693م)، بدأ حياته الأدبية بكتابة الشعر فنشط في مجال شعر الهايكو فكان غزير الإنتاج الشعري، وبعدها تحول إلى كاتب رواية فأصبح أعظم كاتب قصة في عصر إيدو. - أدب اليابان الحديث (1868- 1945م Kindai bungaku . خرجت اليابان من عزلة تامة استمرت حوالي 250عاما فرضتها عليها حكومة (طوكوجاوا باكوفو- Tokugawa Bakufu) الإقطاعية في الفترة 1603-1868م فقد كانت صدمة قوية عندما واجهت المدنية الغربية، فانفتحت اليابان على الغرب، وفتحت أبوابها أمام الغرب والأمريكان، وزارها العديد من الشخصيات الغربية والأمريكية، وأيضا كانت الأفكار الغربية والمعرفة الغربية والأنظمة والعادات الغربية موضع إعجاب وتقليد، وبذلت الجهود لتقليدها لإيجاد ثقافة جديدة واللحاق بالمدنية. فالانقلاب الجذري في الميدان العلمي والتكنولوجيا، وتقليد الغرب في الطرائق النظرية والتطبيقية، تحقق أيضا في ميدان الأدب. فقد اعتقد كثير من المفكرين أن الخروج بالأدب من القوقعة والعزلة التي نزل فيها منذ القدم لايتحقق إلا بالأخذ بالنظريات الأدبية الغربية، ففتحت النوافذ على الغرب، ودخلت التيارات الأدبية الجديدة، والأفكار الغربية التي لاعهد لها من قبل.ومن هنا تعددت المحاولات والتجارب الفنية في الشعر والرواية والقصة والنقد والمسرح، وظهرت التيارات والاتجاهات، والمدارس والجماعات والحركات الأدبية التي تأثرت بالمدارس والتيارات الأدبية الغربية. وبدأ الأدب الياباني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر يقترب من الروح الغربية في أفكاره ومفاهيمه وأشكاله ونظرياته الأدبية، وتم ترجمة الأعمال الأدبية الغربية بغزارة وكثرت قراءتها. وتعرف تلك الفترة في تاريخ الأدب الياباني (حقبة ميجي - Meiji) في الفترة من 1868 إلى 1912م، نسبة للإمبراطور ميجي.وحقبة ميجي في تاريخ الأدب الياباني هي مرحلة التأثير الغربي وحقبة مميزة في تاريخ الأدب الياباني نشطت فيها التيارات والمدارس الأدبية، وبدأ روائيوا حقبة ميجي بالاطلاع على روايات الآداب العالمية وبالأخص الروايات الروسية والإنجليزية والفرنسية والألمانية. نجد أن بعض الكتاب تأثروا بمدارسها وتياراتها الأدبية، أمثال الكاتب (فوتاباتيه شيميه -Futabatei Shimei 1864-1909م) الذي درس الرواية الروسية المعاصرة ثم اتخذها نموذجا يحتذى به، والأديب الروائي (تسوبوأوتشي شويو - Tsubchi Shy 1859-1935م) الذي تأثر بالأعمال الروائية الإنجليزية، وقام بترجمتها إلى اليابانية، والأديب الروائي (موري أوجاي - Mori gai 1862-1922م) الذي درس في ألمانيا وتأثر بفن الرواية الألمانية. وجاهد الكثير لإدخال التيارات الأدبية الغربية الأوربية لليابان، فاستغل قوته في اللغات، وقام بترجمة الروايات والمسرحيات الغربية إلى اليابانية، فكان ذلك من علامات تطور الأدب الياباني الحديث. وهناك أيضا الأديب المشهور في اليابان على الساحة الأدبية هو (ناتسوميه سوسكي - Natsume Sseki 1867-1916م) الذي سافر لإنجلترا واستكمل دراسته الأدبية، وبذل مجهودا كبيرا في ترجمة الأعمال النثرية والشعرية الإنجليزية لليابانية، وأيضا الأديب (ناجاي كافو - Nagai Kaf 1879-1959م) الذي درس في أمريكا وفرنسا وكتب العديد من القصص عن أمريكا وفرنسا، وأيضا في نهاية حقبة ميجي ظهر الأديب (توكودا شوسيه -Tokuda Shsei1871-1902م) الذي تأثر بالروائيين الفرنسيين والأمريكيين أمثال (إميل زولا 1840-1902م) والروائي الأمريكي (دريسير ثيودور 1871 -1945م). وظهر على الساحة الأدبية اليابانية الحديثة والمعاصرة أديبان أخرجا الرواية اليابانية إلى العالمية بفوزهما بأكبر جائزة أدبية في العالم، الأول الأديب كاواباتا ياسوناري Kawabata Yasunari (1899 - 1972م) نالها عام 1968م، والأديب الثاني (كنزابورو أويه Kenzaburo Oe 1935م - ) الذي نالها عام 1994م، وترجمت أعمالهم الأدبية إلى مختلف لغات العالم. وهذا يعني انطلاقة الأدب الياباني الحديث والمعاصر إلى العالمية.