في الصباح غربت صباح..

كانت متفوقة.. كانت الأولى دائما كانت ذات خلق رفيع وقبول واسع محبب بين المعلمات والزميلات. كان السرطان يفتك بها وهي تقاومه.. بالإيمان.. بالرضا.. بابتسامة الطمأنينة والقبول.. بقيت تقاوم وبقي يفتك حتى نالت الثانوية بامتياز ومضت إلى الجامعة وهناك مع البداية.. كانت النهاية. ذات صباح.. ذهبت صباح.. لم تسلك الطريق ذاته المعتاد كل يوم حيث الكتاب.. والمعلمات.. والصاحبات يلتقين زمرا.. والجد والمزاح.. لكنها مضت على طريق يحمل الإنسان فيه ثم لايعود.. إلى مكان شاخص هناك طرف المدينة هو المكان نفسه.. أنى اتجهت هو المسمى نفسه.. أنى سألت لاظل.. إلا أطلال.. لابناء إلا بقايا الصمت.. والسكون.. والسكينة إلا وجوه ترسم الأسى.. شاحبة باهتة حزينة.. إلا الغبار يلعق الثرى وطينة باردة قد أسندت لطينة.. وكلما رحلت عن مدينة يبقى المكان وحده هناك شاخصا وتختفي المدينة.. هناك تنتهي فوارق الحياة كلها.. وتنتهي الألقاب والأسماء كلها. وتنتهي الأحقاد.. والصداقات جميعها.. هناك تسقط الحدود في معالم الزمان والمكان.. وربما تجتمع الأحفاد والجدود وربما تجاور اللدود واللدود عند الصباح.. والليل يسحب الرداء في سكون والضوء ينزع الكرى عن الجفون ويبسط المدى فتسرح العيون وتستفيق بالنسائم الغصون والطل يغسل الربى وينثر الرذاذ في البطاح.. هناك غادرت صباح.. غيمة شفيفة ونجمة أليفة ونسمة باردة خفيفة كأنها في ذلك الصباح موكب العبير يبث في الحياة أملا ويلبس الغصون حللا وينعش التلال والسفوح وينثر العطور في شقائق الزهور وفي براعم الليمون والتفاح.. وماج بالحياة حولها الصباح وأخذت تراقب الحياة إذ تعود للحياة وطاف في خيالها خيال بأنها لن تلبس المريول.. ذلك الصباح والعباءة السوداء وطاف في خيالها بأنها توشحت ملاءة ناصعة بيضاء وحملت حتى تبيت وحدها هناك خارج المدينة.. وطاف في خيالها أن صباحها هذا لعله الأخير وأن رحلة المسير بدأت للعالم الأخير.. وفي الخيال هاتف يقول.. قد أزف المضي