لماذا ضعفت الدعوة الإسلامية؟!!

ا ريب أن ما تعيشه الأمة الإسلامية الآن من ضعف وتشتت وبعد عن دين الله وانغماس في اللهو الباطل، ناتج عن تقصير في الدعوة إلى الله ونصح الناس وتوجيههم وتبصيرهم بأمور دينهم، وهذا الضعف في الدعوة الإسلامية ناتج عن أسباب عدة وعدم معرفة جوانب الخلل مما يزيد المسألة تعقيدا والدعوة ضعفا وفتورا. ولن نتعرض هنا إلى التفصيل في أسباب ضعف الدعوة الإسلامية، وإنما هو إلمامة سريعة ببعض الأمور الظاهرة والمتكررة والتي من خلالها يمكن تصحيح مسار الدعوة الإسلامية وإعادة القوة والعزة لها من خلال إصلاح الدعاة لأنفسهم وتجاوز مواطن الخلل عندهم. ضعف الإيمان سبب لضعف الهمة أول هذه الأسباب ضعف الإيمان بالله جل وعلا، وبالتالي عدم الاهتمام بنشر الدعوة الصحيحة وتوعية الناس، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يصل لدرجة فقدان الغيرة على دين الله وعدم الغضب لانتهاك حرماته، والتبلد عند سماع ما يمس هذا الدين. والسبب المؤدي إلى ذلك كثرة تعرض المرء للفتن وانسياقه وراءها، وعدم الوقوف أمامها بحزم وعزم، مما يؤدي إلى تشبع القلب بها وعدم كرهه لها، فيألفها ويتعود عليها كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها (أي دخلت فيه وتمكنت منه ) نكت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض والآخر أسود مربادا (المراد بياض يسير يخالطه السواد) كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه متفق عليه والكوز مجخيا أي منكسا) ومما يلحق بضعف الإيمان التكاسل في أداء الواجبات والفرائض الإسلامية فضلا عن السنن والمندوبات، والخوض في الشبهات سواء في الأموال أو الآكل والمشارب أو غير ذلك وعدم التورع عنها مما يجعل همته لنصرة هذا الدين وأحكامه ضعيفة. العزلة والمصالح الشخصية ومن أسباب ضعف الدعوة الإفراط في الانعزال عن الناس وعدم مخالطتهم والاطلاع على أحوالهم، وقد يحتج بعضهم بعدم قدرتهم على رؤية المنكرات والمعاصي والمخالفات الشرعية التي يقع فيها الناس أو ضيق الوقت عنده فهو لا يصرفه إلا فيما يعود على نفسه بالنفع، ويترتب على ذلك عدم نصح الناس وتوجيههم وإنكار المنكر وبالتالي عدم وصول الحق للناس، ومع مرور الزمن يصبح ما يفعله الناس من المخالفات أمرا اعتياديا لا يرون فيه منكرا، وينتقل الأمر من ذلك إلى استنكارهم من ينكر عليهم ويصبح أمر توجيههم عسيرا، وإقلاعهم عما هم فيه صعبا، خاصة إذا تحول الأمر إلى عادات وتقاليد. أما الحرص على المصالح الشخصية من منصب أو تجارة أو معاملة أو نحوها فهو الداء العضال، ولذا تجده ينصرف عن إنكار المنكر الذي يراه أمامه خشية أن يفقد منصبه أو تتأثر تجارته أو يخسر علاقته بالمسؤولين، وهذا من شر الأمور وأعظمها لما يترتب عليه من تضييع الدين من أجل حطام دنيا زائلة، وقد ذم الله اليهود على مثل هذه الفعل فقال سبحانه فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ويزداد الأمر بلية عندما يكون الساكت عن الإنكار من أهل العلم والدين وممن له تأثير على الناس وهم له متبعون وبه مقتدون، من أجل مداهنة لسلطان أو كبير قوم. تلبيس الشيطان وخداعه ومما يعيق الدعوة إلى الله الغفلة عن قول الله تعالى وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وبالتالي اليأس من تكرار النصيحة مرة تلو الأخرى، وانعدام الهمة في التوجيه والاتكال على أن الناس لا يجهلون مثل هذه الأمور وأن الناس يعلمون أنهم مقصرون وأن ما هم فيه من الحرام يعلمونه. تلبيس الشيطان على الإنسان وتثبيطه من عدة طرق، فتارة يوهمه أو يحذره من الوقوع في الرياء، فيخاف الإنسان من ذلك فيترك الدعوة، أو يذكره ببعض التقصير الواقع فيه ويقنعه بضرورة الإقلاع عن ذلك أولا، أو ينسيه فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيحرمه منه، أو يجعله يسوف تارة بأن الوقت غير مناسب، أو أنه ما زال في بداية طلب العلم ولم يحن الأوان بعد لتوجيه الناس، أو أن أمر الدعوة وإنكار المنكر خاص بمن أوكلوا به من العلماء والدعاة المتخصصين في هذا الأمر، إلى غير ذلك من الأمور التي تجعله يفرط في هذا الأمر نتيجة لأوهام ووساوس لا حقيقة لها. وأعظم من ذلك ما يقذفه الشيطان في قلب الإنسان من الحياء المذموم الذي يمنعه عن قول الحق والجهر به. الانغماس في الترف واليأس أمران خطيران قلما تجد واحدا منهما إلا والآخر معه، هما الانغماس في النعيم واليأس. فالانشغال بالدنيا وملذاتها والانغماس في النعيم يجعل طريق الدعوة إلى الله شاقا مزعجا لا يستطيع المرء تحمله، وكلما انغمس الإنسان في النعيم والتجارة وحب الأولاد والزوجة إلى غير ذلك كلما ازداد بعدا عن طريق الدعوة إلى الله، إلا من عصمه الله، والنفس بطبيعتها تحب الراحة والدعة والسكون وتكره التعب والنصب. ويزيد الأمر بلاء إذا صاحبه اليأس من استجابة الناس وهو ناشئ عن أمرين استعجال النتيجة، والأمر الثاني عدم التفكر والتدبر في سير الأنبياء ودعوتهم لقومهم. فتجد بعض الدعاة يريد من خلال محاضرة أو درس أن ينصاع له الناس ويقلعوا عن مخالفاتهم ويرجعوا إلى ربهم، وهذا أمر أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، ولو تدبر هذا سيرة الأنبياء لعلم أن استجابة الناس للحق ليست بالأمر السهل الهين، وأن على من سلك هذا الطريق أن يصبر ويحتسب ولا يتعجل، فهذا نوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وهو يدعوهم ليل نهار، وكانت النتيجة كما قال الله تعالى وما آمن معه إلا قليل ونبينا صلى الله عليه وسلم ظل في مكة عشر سنوات ومع ذلك لم يؤمن معه إلا القلة من الناس بالرغم مما أوتيه من فصاحة وبيان وما أيده الله به من المعجزات فأين أنت من هؤلاء. طريق الدعوة مليء بالأشواك قد يلحق الأذى بالداعية أو بأحد من أهله أو أسرته أو بماله ووظيفته أو نحو ذلك مما يجعله يستسلم ويترك هذا المجال ولا يستطيع الصبر والتضحية، وغالبا ما ينتج هذا عن عدم تصور كامل لحال الدعاة إلى الله وسنة الله في خلقه من تعرض أهل الصلاح والتقوى للأذى ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين بل اسمع ما حدث للأنبياء من قبلنا وهم صفوة البشر أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب فلا بد من العلم بأن طريق الدعوة والالتزام شاق وصعب، ولكن نهايته نعيم مقيم، وإذا أهل الإنسان نفسه على ذلك لم يصدم بما يجده من أذى ومن عنت وهذا أدعى إن شاء الله إلى استمراره في الدعوة. الغفلة عن العناية بالنفس ورعايتها عدم متابعة الداعية لنفسه ورعايته لها وتقوية إيمانه بكثرة التقرب إلى الله والاستعانة به في السراء والضراء وصدق اللجوء إليه أن يعينه على دعوته ويوفقه في مسيرته ، وكذلك عدم اللقاء بالصالحين والعلماء والدعاة الآخرين والذين يقوى بهم إيمان الشخص ويكونون عونا له على مسيرته ودعوته، يؤدي إلى ضعفه وبالتالي ضعف أثره في الدعوة إلى الله، وهذا الأمر يفرط به الكثيرون بحجة عدم وجود وقت كاف للقاء الصالحين والجلوس معهم أو اعتقادا منه بأنه لا يترتب على اللقاء بهم كبير فائدة إلى غير ذلك. التثبيط عن الدعوة التثبيط وهو داء عضال يؤدي إلى ترك الإنسان للدعوة، فتجد بعضا من المنتسبين إلى العلم يثبط أولئك الذين عندهم حماس وطاقة دعوية، بأن فعلهم هذا ليس له نتيجة من ورائه، أو أن الناس لم يعودوا يهتمون بأمور دينهم، أو أنهم لن يستجيبوا ولن يتغيروا، أو أن من هو أعلم وأفضل قد سبقك إلى هذا الطريق ولم ينجح، كل هذه أمور لا شك أنها تؤدي إلى خلل في الدعوة إلى الله، وتجعل كثيرا من الناشئة المبتدئين في سلوك هذا الطريق يبدؤون في التراجع والانهزامية ولو أن هذا المثبط تخلى عن فعله هذا واتخذ طريق التشجيع ورفع الهمة لكان أثر هؤلاء في الدعوة أنفع وأنجع من طريقته هذه. هذا وهناك أمور أخرى تعيق نجاح الدعوة إلى الله، وتؤدي إلى الضعف والهزيمة النفسية، وبقدر ما تجتنب هذه الأمور بقدر ما يكون نجاح الدعوة وتوفيق الداعية بإذن الله تعالى، على أن وجود هذه الأمور لا يدعو إلى اليأس والقنوط، بل هي أمور قد يقع فيها الإنسان نتيجة للغفلة وبمحاسبة نفسه يتخلص منها بإذن الله تعالى.