المسافرة العنيدة: على مشارف السبعين من عمرها وتجول أفريقيا بالدراجة!!

السيدة ديرفلا ميرفي(Dervla Murhpy ) تحمل الجنسية الايرلندية وهي من مواليد 1931م أي أن لها أكثر 70 عاما، قضت 40 عاما منها في السفر والتجوال، ولكن بطريقتها الخاصة، فهي تجولت في أربع قارات ليس بالباخرة أو الطائرة بل على الدراجة ومشيا على الأقدام، ولم تكن تبحث عن كسر رقم قياسي أو البحث عن الشهرة، أو كتابة مذكرات، كانت تبحث عن كيف يعيش الناس، وما هي مشاكلهم، وكيف يواجهون الصعوبات، وكانت تحرص أن تكون معهم، ليس بالقراءة عنهم ولكن بالعيش معهم وبينهم. ولم تكن تحمل من المتاع إلا ما تستطيع حمله على دراجتها، فقد كانت حقيبة الملابس وحافظة الماء، وفراش وغطاء رحلات، وبعض الأدوية، وبعض الطعام الذي يتحمل الحر والبرد ويعوضها عن الطاقة الكبيرة التي تحتاجها في رحلتها الشاقة. 17 كتابا: على الرغم من ان الكتابة ليست هواية هذه السيدة، ولكن كان لديها الكثير مما ترى أنه يجب أن يوثق ويكتب عنه، فكتبت 17 كتابا، عن رحلاتها، ولكن في كل واحد من هذه الكتب كانت تقدم أفكارا ورؤية إنسانية أو حضارية عما رأته أو تراه. ومن أشهر كتبها (دوران كامل) والذي طبعته في عام 1965م وكان أول كتاب لها، ثم توالت كتبها حتى انتهت بكتابها عن أفريقيا وبالذات عن جنوب أفريقيا، والذي كانت تجول فيه بين عام 1993 إلى عام 1995بدراجتها، وقطعت عشرة آلاف كم، تتنقل فيه من مدينة إلى أخرى بحثا عن رؤية لمشكلة جنوب أفريقيا التي كانت محتدمة وعلى أشدها آنذاك، وكتبت عن لاوس كتابها الأخير، والذي سجلت فيه مشاهداتها حين قامت بجولتها المعتادة على دراجتها بعمرها الذي تجاوز67 عاما، وكتبت عنه بعد انفتاحه على العالم. الإيدز في أفريقيا!! في زيارتها لأفريقيا على دراجتها، وفي رحلتها الأولى من كينيا إلى تنزانيا وأوغندا وملاوي وموزمبيق في عام 1992م، كانت أول من صرخ بصوت عال عن انتشار مرض الإيدز، وكتبت كثيرا في هذا الموضوع، وحذرت فيه العالم أجمع من وجود هذا المرض، ونشرت كتابها المشهور ( طريق يوكيمو)، ولم تكن لتعلم بهذا المرض ومدى انتشاره، لو كانت زائرة خفيفة تقضي أوقاتها في فنادق النجوم الخمسة، بل كانت تدور بدراجتها على القرى والمدن الأفريقية، وشاهدت كيف كان لا تخلو مدينة أو قرية بدون وجود مريض فيها يحمل هذا المرض الخبيث. وهي في دراستها وملاحظتها عن قرب عن انتشار هذا المرض تقول إن الجنس في أفريقيا أمر غير منظم، والمرأة هي السبب في انتشار المرض، بسبب عدم وجود كابح اجتماعي عن مزاولة الجنس، حيث لا يوجد عائق أخلاقي أو ديني عند الكثير من القبائل الأفريقية. ورؤية عن أفغانستان !! ولها رؤية أخرى أيضا عن الأوضاع في أفغانستان، والتي زارتها وقضت فيها أشهرا عديدة، وتقول أن إعادة إعمار هذا البلد يجب ان يكون على مهل، ولا يجب الاستعجال بنقله حضاريا إلى العصر الحديث خلال سنوات قليلة، فإن هذا سيستدعي الانهيار والمقاومة، وتطلب التمهل في التغذية والنقل الحضاري لكيلا يفشل مشروع إعادة إعمار البلد الذي عاشت فيه، وتعلم مدى إيمان الناس بما يفعلونه وما يعيشون عليه. وهي ترى أن فرض إرادة شعب على شعب غير مقبولة حتى وإن كانت لصالحه وخدمته وإنقاذه، وأن الأمر يحتاج إلى أن تبني أفغانستان نفسها، لكي يقبل الناس على الجديد، وهي ترى أن الرفض سيكون شاملا إذا لم يكن عن طريق أهل البلد ذاتهم. مشاكل خاصة: تقول هذه المغامرة إن أكثر ما كان يقابلها من مشاكل كانت نتيجة سوء الظن في الأغراب، فعندما تقدم نفسها عند الحدود على أنها سيدة جوالة ومسافرة على الدراجة تبدأ الشكوك فيها، وتبدأ التساؤلات التي لا تعرف لها إجابات، فالجميع يعتقدون أنها جاسوسة، أو خادعة، أو أن لها أهدافا أخرى، وتقول إن فكرة امرأة تدور العالم على دراجة أمر غير مقبول أو غير معقول في كثير من المناطق التي زارتها في رحلتها. وتقول إنها عوملت كل أنواع المعاملات، ولكن المعاملات الحسنة كانت أكثر من المعاملات السيئة، وانحصرت المعاملات السيئة في الشكوك حول أهدافها، واتهمت باتهامات لم يكن فيها شيء من الحقيقة، وتتمنى أن يستطيع الإنسان مهما كان أن يغادر بيته ويدور في أرض الله الواسعة بدون أن يجد من يمنعه أو يحرمه حقه في مشاهدة الأرض التي خلقها الله لبني البشر جميعا. أول رحلة لها: في عام 1964 قامت برحلاتها على الدراجة عابرة القارة الأوربية ومواصلة رحلتها إلى الهند، حيث قضت أكثر من ثلاثة أعوام في هذه الرحلة، تتعرف فيها على الناس وتعيش معهم، وتعمل أيضا في أي مجال إنساني يمكن لها أن تعمله، فعملت ممرضة، ومدرسة ومربية لفترات قصيرة، ولكنها كافية لتتعلم فيها الكثير عن حياة الناس المعذبين، ومعرفة أمنياتهم وأحلامهم المتواضعة جدا، والتي لم يكن بعضها يزيد عن امتلاك حمار، أو تغيير ملابس مهلهلة قديمة، أو الحصول على طنجرة ثانية لعجن الدقيق فيها بدلا من الانتظار حتى ينتهي الطعام المتوفر والمخزون في الطنجرة الوحيدة. ???