هل تتحقق الغاية من قراءة القرآن؟؟

لا شك أن قراءة القرآن الكريم فيها من الأجر والثواب الجزيل إذا أخلص القارئ نيته لله رب العالمين، ولكن القرآن الكريم لم ينزل لقراءته فقط أو الاطلاع على بلاغته وعظمته، أو الوقوف عند إعجازه وفصاحته، بل إنه إنما أنزل لتدبره والتفكر فيه والعمل بأحكامه، وشرعت قراءته لتتفاعل معه أحاسيس الإنسان ومشاعره، ويحلق في أجواء القرآن الكريم فيستلهم منه العبر والحكم، ويغير نظام حياته لتكون على هدي القرآن وأحكامه ومنهاجه. إن القرآن الكريم يجمع بين دفتيه كثيرا من العلوم البلاغية والنحوية وفنونا من العلوم والمعجزات، وتاريخا من أخبار الأمم السابقة وأحوالها، وقراءته تزيد الإنسان ثقافة وعلما واطلاعا، ولكن ما فائدة الثقافة وحدها، إنها لا تولد بمفردها خشية لله ولا خوفا منه ورجاء فيما عنده، ولا تحول الإنسان من شخص مفتون بالدنيا وحضارته إلى شخص عابد لله ذاكر له يسير على المنهج الذي ارتضاه الله له. لكن المسلم حين يقرأ بتدبر وتفكر جامعا أحاسيسه ومشاعره على القراءة، فإنه يحصل من خلاله الغاية العظمى من قراءة القرآن كتاب أنزلناه إليك لدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب منهج سلف الأمة والمطلع على سيرة الصحابة والتابعين وسلف الأمة الصالح يظهر له هذا الأمر بجلاء ووضوح، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول كنا إذا قرأنا عشر آيات لم نتجاوزهن حتى نتدبرهن ونعمل بما فيهن ولذا رأيناهم لا يحرصون على كثرة القراءة بقدر ما يحرصون على التأمل والتفكر. ولذا فقد امتدح الله جل وعلا أولئك الذين يجمعون أحاسيسهم ومشاعرهم لتلقي القرآن، فيحولونه من مجرد قراءة إلى عمل في حياتهم، يظهر أثره على سلوكهم وتصرفاتهم أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين . الله نزل أحسن الحديث كتابا مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله . ذلك هدى الله يهدي به من يشاء .. (الزمر ) وهذا هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا جميعا مما جعل عائشة رضي الله عنها تقول لما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن إنها لم تجد شيئا يجسد خلق النبي صلى الله عليه وسلم كما يجسده القرآن الكريم الذي طبقه في حياته وسلوكه. متى تتحقق تلك الغاية إن هذا الغاية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا استطاع القارئ أن يفرق بين الوسيلة والغاية، فيحاول أن يستخدم الوسيلة لتحقيق الغاية المنشودة، أما إذا وقف عند الوسائل فقط ولم يتجاوزها إلى غيرها فإنه لن يصل إلى الغاية التي يسعى من أجلها، فالقراءة وحسن الصوت وجودة التلاوة وإتقان الأحكام والتدبر والتفكر كلها وسائل لو أحسن القارئ استغلالها لأوصلته إلى الغاية العظمى، وهي أن يكون سلوكه وحياته كلها على منهج الله تعالى متبعا فيها كتاب ربه الذي يقرؤه، فعند ذلك يصبح القارئ حي القلب مستنير الفؤاد متعلقا بربه خائفا وراجيا، أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها وعند ذلك تتحقق فيه صفات المؤمنين الذين قال الله فيهم إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربه يتوكلون? الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون? أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ترى متى تتحقق فينا هذه الغاية ومتى نستطيع الوصول إليها، أم ينطبق علينا قول الله عز وجل أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها.