(الأيام لا تخبئ أحدا) كشف المستور في العقل الصامت!!

?? اسم الكتاب : الأيام لا تخبئ أحدا اسم المؤلف: عبده خال ??اسم الناشر: منشورات الجمل لعام 2002م ?? رواية طويلة وفريدة في فكرتها وأسلوبها، فهي من إبداعات هذا الروائي السعودي عبده خال الذي يكتب القصص بسلاسة وعذوبة تمتلك القارئ، وتشده إلى تقليب الورق بحثا عن الخاتمة، والتي غالبا ما تكون فكرة الرواية أو القصة أو رسالة الكاتب للقارئ. أسلوب جديد تعود قراء هذا الكاتب على أن يقدم لهم شروحات هامشية، ولكنها في الحقيقة هي جزء من الرواية، ولا تكتمل الرواية بدون هذه الشروحات، وهذا أحد فنونه الإبداعية، وأحد جمالات الرواية، ولا يتوقف الفن الروائي عند هذا، بل إنه يقدم هذه المداخلات بأسلوبين جميلين، أحدهما يجعله جزءا من سياق الرواية، فيتوقف تسلسل الرواية مؤقتا ليتم إدخال جزء صغير ليكون أداة تلحيم وتشبيك لفواصل الرواية. وأما الطريقة الثانية، فهي التهميش حيث يشرح بتفصيل بعض الكلمات أو التعابير الواردة على لسان أبطال الرواية، ولا يكون الهامش هنا جزءا إضافيا أو شرحا، بل إنه تنوير واستكمال للوحة الصورة التي يرغب المؤلف أن ينظر إليها القارئ ليفهم الرواية ويتابعها بشوق. لا تضيع وقتك!! يختم الكاتب روايته الجميلة بقوله: لا تضيع وقتك، ويكمل الطلب ويقول: هذه الرواية كتبت لتزجية الوقت فلا تقرأها، وإذا فعلت لا يشطح خيالك بعيدا أو قريبا، فأشخاصها وأزمانها وأمكنتها اختلاق في اختلاق . ويقدم للقارئ أحد هوامشه المميزة بشرح مفصل لهذه الواقعة ويقول: إنه كان من الواجب أن تكون في أول الكتاب لا في آخره، ولكن هذا الخطأ هو خطأ حدث، ويذكر قصة عن أحد أبطال روايته سمعها أثناء تواجده في السجن، عن تحذير لوجود مطبات في الطريق، ولكن التحذير كان خلف المطبات لا قبلها. صورة حية على الرغم من أن الكاتب يقول إن هذه الرواية هي اختلاق في اختلاق، إلا أنها صورة حية لواقع المجتمع الذي عاشه ويعيشه الكاتب، فهو يقدم الكائنات الإنسانية كما هي في الواقع، وهو يلتقط هذه الصور المنوعة، ويصنع منها لوحة تاريخ لحياة لا يزال البعض يذكرها، ولها آثار وبقايا في المدن المعروفة في المملكة العربية السعودية. يقول أحد أبطال الرواية : عندما يرن اسم الطائف في أذني أتذكر الردف وشبرا وجبل الحبالى وبساتين نجمة، والأغنيات الهاربة من حناجر الصبايا وحكايات العشاق في غدير البنات.. مع اسمه( الطائف) تنبت في مخيلتي كرومه ورمانه وتينه، ونسمة عليلة أحيتني في إحدى بساتينه ذات مساء. كما أن الصور الشعبية التي يذكرها المؤلف عن أبطال الرواية، هي في الواقع مخلوقات متواجدة ومتناثرة بشكل كبير في المجتمع الذي يعيش بين أفراده الكاتب، قد تكون بعض المهن قد انتهت أو انقرضت ولكنها كانت موجودة ويسجلها الكاتب بلوحة دقيقة لا تخفي شيئا عن من لم يعيش بينهم أو لم يتعرف عليهم، وهو يكتب هذه الرواية لتحفظ جزءا من التراث الاجتماعي الذي انقرض، أو لم يعد يعرفه أحد من الأجيال الحديثة. فهناك العسس الذين كانوا يجولون في الليل، ويتحدثون بلغة الصافرات، ويحملون الهراوات، وهناك السقاؤون بائعو المياه، والذين يحملون الماء (بزفاتهم) من (البيزان) حيث تخزن المياه، وهناك الخبازون الذين يدورون في الشوارع يبيعون الخبر في دكاكينهم المتجولة والمتنقلة من حارة إلى أخرى. فلسفة ورؤية يتمتع القارئ بهذه الرواية، فهي بجانب أنها قصة بوليسية واجتماعية، فإن فيها الكثير من الحكم، وفيها أيضا أفكار فلسفية تظهر مقدرة الكاتب على تبليغها، فالحكم والأقوال الحميدة تتناثر على صفحات هذه الرواية منها هذه الحكم الجميلة والأقوال الرائعة: ?? في أحيان كثرة أغبط دعتهم (الأصحاب) والانقياد لما يقال لهم .. إنهم يجدون من يفتح لهم طرقا، حتى وإن كانت طرقا عمياء، إلا أنهم يجدون مكانا تتلهى فيه خطواتهم، أما أنا فتعتريني في كل حين رغبة ملحة للبحث عمن يسير حياتي. ?? قرأت حكمة قديمة ونسيتها إذا ضاق صدرك بسرك فليس هناك صدر يتسع له ونسيت أو أني تعبت، كان سرا كوليد تحجر في بطن أمه وقبل ان يقتلها بقرت بطنها لترى قاتلها، روائحه أنتنت داخلي، واشتقت لرئة تستنشق بدلا عني وفي مكان آخر يقول الكاتب : نستطيع أن نتخفى أمام أعين الناس، لكننا لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن نتخفى من أنفسنا، إننا نحمل في أعماقنا خرائبنا التي تتكدس مع مرور الزمن حتى تصبح جيفة يتعذر علينا إخفاؤها. ان الأماكن المغلقة تزيف ما تقع عليه العين، كذلك الصحراء تحيل الكذبة الى حقيقة منظورة .. إن السراب أحد الدلائل على الكذب المنظور الذي تمارسه الحياة معنا.. تعريف بالكاتب: عبده خال أحد الكتاب السعوديين، يعمل في الصحافة، وله قصص كثيرة وبعض قصصه قصيرة وهادفة، كما أنه كتب الكثير من القصص للأطفال. وهو روائي مميز له ثلاث روايات شهيرة، وهي رواية الموت يمر من هنا، ورواية مدن تأكل العشب، وهذا الكتاب هو الرواية الثالثة لهذا المؤلف. ???