تقديم جديد للإسلام في الغرب

بداية يجب أن نفرق بين شرائح المجتمع الأوروبي، لأنهم ليسوا كلهم سواء في مواقفهم من الإسلام: فالمبشرون والمستشرقون - إلا قليلا منهم - خصوم ألداء للإسلام، وهم يعرفون الإسلام معرفة تكشف لهم عن قيمه ومبادئه ومزاياه، وهذه المعرفة هي التي حملتهم على معاداته والتربص به، حسدا من عند أنفسهم، فهؤلاء لا يجدي معهم مقال، لأنهم معاندون عن علم. ومنهم وهو القليل، من أشاد بالإسلام وأنصفه، وقطع بعضهم الطريق إلى آخره فاعتنقوا الإسلام. الحاقدون يريدون تشويه الإسلام والتشكيك فيه أما الفريق الحاقد فقد أخذوا على عاتقهم الكيد للإسلام والكتابة عنه بما يشوه حقائقه، ومرادهم من ذلك إما القضاء التام على الإسلام إن استطاعوا، وإما تحجيم الإسلام ومنعه من الانتشار بين الغربيين، وهذا ما حدث بالفعل. ولهم بجانب ذلك هدف آخر هو تشكيك العامة من المسلمين في صدق الإسلام، وهؤلاء هم الذين يعتبرون حلقة الوصل بين المجتمعات الغربية وبين الإسلام والأفكار الخاطئة التي تنتشر في الغرب عن الإسلام هم السبب فيها. وقد كتبوا على مدى مائتي عام ما يزيد على مائة ألف مجلد كلها تسيء إلى الإسلام، وتشوه ملامحه الوضاءة عند الغربيين. يجب التعريف بالإسلام لعامة الناس أما الشريحة الثانية فهم عامة الناس في الغرب، وهؤلاء لا معرفة لهم بالإسلام إلا ما قرؤوه عن المبشرين والمستشرقين من اليهود والنصارى، وهذه حقيقة تعد موضع إجماع الآن بين المشتغلين بالدراسات الإسلامية، وهم - أعنى عامة الناس في الغرب (الجماهير)- الذين ينبغي أن نوجه إليهم الخطاب المتضمن عرضا للإسلام كما هو في الواقع، لا كما يصوره خصومه وعملاؤهم، والملاحظ الآن أن الخطاب الإسلامي - أعنى واقع الدعوة والدعاة - خطاب محلي، يعنى أننا نكتب لأنفسنا باللغة العربية، سواء كان ذلك في إطار الكتب التي تؤلف أو المقالات التي تكتب، أو الأحاديث التي تذاع، أو حتى المؤتمرات التي تعقد. وقلما يوجه إلى المجتمعات الغربية أو القارئ الخارجي. كذلك ليس عندنا للأسف الشديد مؤسسة أو منظمة أو هيئة تعنى بشؤون الإسلام في الخارج، وإنما هي جهود فردية نادرة. الخطاب الإسلامي له قيمته وليس معنى هذا أننا نقلل من قيمة الخطاب الإسلامي المحلي فهذا الخطاب له موجباته التي ينبغي الوفاء بحقها، لكثرة الهجوم على الإسلام في داخل المجتمعات الإسلامية من عملاء الغرب على اختلاف منازعهم ومواقعهم ووسائلهم التي يمارسون من خلالها الإساءة إلى الإسلام، فليبق الخطاب الإسلامي في الداخل كما هو، حماية للعامة من التأثر بما يثار عن الإسلام في الداخل. الخطوات المثلى لعرض الإسلام على الغربيين أما بعد ما تعرض له الإسلام من اتهامات بعد الكوارث التي حلت بأميركا، فإن في هذا تذكيرا لنا بما ينبغي أن تقوم به الدعوة على النطاق العالمي الواسع لإقناع جماهير الغرب المضللة بأن الإسلام بريء من هذه التهم، ولكي نقوم بدور فعال في هذا المجال فإني أرى ضرورة اتخاذ الخطوات الآتية: أولا: إنشاء منظمة إسلامية عامة، تكون مهمتها تخطيط وتنفيذ وترويج الخطاب الإسلامي العالمي بالطرق المناسبة التي يتفق عليها، على أن تمول هذه المنظمة من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. ثانيا: جمع ورصد كل ما قيل عن الإسلام في الفكر والإعلام الغربي المعاصر. ثالثا: تحديد الكوادر القادرة على تغيير تلك المزاعم والتهم، من العلماء والمشهود لهم بالكفاءة والإخلاص. رابعا: طبع ونشر كل الردود باللغات الأوروبية الحية، وإذا كان بعض الكوادر لا يجيد الكتابة بغير اللغة العربية فليكتب بها، ثم تترجم بواسطة جهاز ينشأ لهذا الهدف. خامسا: ويا حبذا لو أدخلنا الأساليب والفنون الأدبية والأعمال الفنية في هذا المجال، فنكتب مسرحيات أو أفلاما، أو نكتب روايات خفيفة تجسد فيها قيم الإسلام في كل مجال من مجالات الحياة. سادسا: يراعى في كل ما ننتجه في هذا الميدان طبيعة العقل الأوروبي، ونحاول إجادة التعامل معه، حتى يمكن التأثير فيه، وإقناعه بما نريد عرضه عليه. سابعا: توظيف وسائل الاتصال الحديثة كمعبر يبث من خلالها المواد المحذوفة إعلاميا والمعدة بكل عناية، فمثلا الزكاة شوهت حقيقتها في الغرب، بأنها تساعد على شيوع البطالة في المجتمع، فإذا عرضنا مزايا الزكاة من خلال مسرحية حية، أو فيلم متحرك، عارضين كيف أن الزكاة تمسح دموع العجزة ومن لا يجدون عملا أو مأوى، لكان لذلك أبلغ الأثر في تصويب الأخطاء التي روجها خصوم الإسلام في الغرب عن الإسلام. وعلينا أن نبين لهم أن مبدأ الضمان الاجتماعي المعمول به الآن في الغرب، إنما هو مقتبس من الزكاة التي هي أحد أركان الإسلام العملية، المهم يجب علينا أن نتحرك وإلا عصفت بناء الرياح الهوجاء. من موقع ليلة القدر