لسنا إرهابيين

الحكم على الشيء فرع من تصوره، هكذا يقول علماء المنطق العقليون، وعلماء الأصول الإسلاميون، والذين يتهمون الإسلام والمسلمين الآن بالإرهاب عليهم أن يتصوروا حقيقة الإسلام، الذي يدين به الآن مليار ونصف مليار من المسلمين يفترشون مساحات واسعة فوق سطح الكرة الأرضية ومفتاح الإسلام الأول هو القرآن الكريم. فهل إذا رجعنا إلى القرآن لكن نتصور الإسلام كما وضع أسسه القرآن نجد هذا الإسلام إرهابيا كما يزعمون، وأن المسلمين إرهابيون تبعا للإسلام؟! لا بد أيضا الرجوع إلى السنة والتاريخ ومع الرجوع إلى القرآن ينبغي الرجوع إلى السنة النبوية، ثم إلى الواقع التاريخي للدولة الإسلامية في عصر النبوة، والخلافة الراشدة، وهى الفترة التي تأسس فيها الإسلام منهجا وسيرة وسلوكا إذن كان ينبغي على من يتهمون الإسلام والمسلمين بالإرهاب أن يؤسسوا أحكامهم بالوقوف على المصادر التي أشرنا إليها لو كانوا طلاب حق يريدون أن يكون لما يقولون احترام وتقدير عند الناس. وقبل أن نستعرض موقف القرآن في هذا الصدد نشير إلى أن فرية افتراها خصوم الإسلام، ثم انطلقوا منها بلا ضوابط يكيلون للإسلام التهم في كل اتجاه، تلك الفرية هي قولهم إن الإسلام انتشر بالسيف وسفك الدماء وأن الأيديولوجية التي حكمت تصرفاته تتلخص في هذا الخطاب الإسلامي الصامت لغير المسلم: اسلم أو تقتل ؟ والإسلام بريء من هذا كل البراءة. القرآن يدعو المسلمين إلى الدخول في السلم فهذا هو القرآن(دستور الإسلام الأول) ينادى جماعة المؤمنين (المسلمين) هذا النداء الخالد: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين)، البقرة: الآية 208. إنه نداء عام (يا أيها الذين آمنوا) وقد أكد هذا العموم بقوله تعالى: (كافة) أي لا يشذ منكم أحد عن الدخول في السلم (السلام) وإن الشذوذ عن هذا المبدأ العام اتباع لخطوات الشيطان. والشيطان عدو المؤمنين. والأمر هنا (ادخلوا) للوجوب والإلزام. وفى آية أخرى يقرر الإسلام حرمة الدماء لجميع البشر دون تفرقة بينهم في العقيدة والدين والمذهب، ومما وقع الاتفاق عليه بين فقهاء الأمة أن دم كل إنسان مصون باعتباره إنسانا دون اشتراط أي وصف آخر وأن صون دمه يتحقق بولادته حيا. وقد أخذ الفقهاء هذا المبدأ من قوله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)، الإسراء الآية 33. وقد تكرر هذا النهى مرة أخرى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)، الأنعام الآية 151. ثم هول القرآن من قتل النفس ظلما وعدوانا، وجعله مساويا في الشناعة لقتل الناس جميعا، فقال عز وجل: (أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)، المائدة الآية 32. وليس في الإسلام نص واحد في كتاب الله، أو سنة رسوله يبيح قتل إنسان بسبب عدم دخوله في الإسلام، أو لأنه يعتنق عقيدة ودنيا غير عقيدة الإسلام ودين الإسلام. والدعوة إلى الله كانت تخلو من الإكراه والضغط وأساسها هو البلاغ الواضح، وبعد البلاغ بسيرة الناس وشأنهم. وقد تقرر هذا المبدأ في قوله تعالى : (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، )البقرة الآية ( القرآن يحصر مهمة الرسالة كما يحصر القرآن مهمة الرسالة في مجرد البلاغ وينبغي أن يكون للرسول حق الضغط على من يدعوهم إلى الإسلام ومن ذلك ورد قوله تعالى: (فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر)، الغاشية الآيتين 21-22. ومن قوله تعالى: (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب)، الرعد الآية 40. تأكيدا لحصر مهمة الرسول في البلاغ دونما سواه بل إننا نجده يقرر حرية الاعتقاد بعد البلاغ في عبارات شديدة الوضوح على المراد منها، ترى ذلك في قوله جل وعلا: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، إنا أعتدنا للظالمين نارا)، الكهف الآية 29. هذا هو في إيجاز منهج القرآن في الدعوة لا ترى فيه سيفا ولا رمحا، وإنما هو بيان قولي يمهد طريق الإيمان للراغبين، ويقيم الحجة لله على، المعرضين، ويقطع أمامهم الأعذار، إن استقرار الأمن العام والخاص من أولويات الإسلام، للمسلم ولغير المسلم. القرآن يحاصر الذين يشيعون الإرهاب وإذا تعرض هذا الأمن للخلل فإن القرآن يحاصر الذين يشيعون الإرهاب والتخويف وترويع الآمنين أيا كانت عقائدهم وانتماءاتهم، ويضع بين يدي ولاة الأمر مجموعة من العقوبات الرادعة للإرجاف والمرجفين، وفى ذلك ورد قوله جل شأنه: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم)، المائدة الآية 33. إن كل عقوبة من هذه العقوبات الأربع تناسب جريمة من جرائم هؤلاء المحاربين (الإرهابيين) وأخف هذه العقوبات هي النفي(الحبس) من الأرض. وقد نص العلماء على أنها عقوبة للتخويف والترويع، وهو أخف الجرائم. كما فسروا النفي بالإبعاد من الوطن، أي: التغريب أما إذا قتلوا ونهبوا فالعقوبة القتل، وإذا مثلوا وقتلوا فالعقوبة هي القتل والتصليب، وإذا اقتصروا على التخويف ونهب الأموال فالعقوبة هي تقطيع الأيدي والأرجل بهذه الإجراءات الحاسمة يحارب الإسلام الإرهاب والمحاربين، بلا رحمة، لأنهم يعبثون بالأمن ويعيثون في الأرض فسادا. فكيف يكون الإسلام دين إرهاب وعنف، وها هو ذا يكافح الإرهاب بقوة لا هوادة فيها. وتشريعات الإسلام فيما يتعلق بنظام المجتمع في الحياة الدنيا ليست وقفا على المسلمين، وإنما هي واحة مظلة لكل فرد من أفراد المجتمع. فعرض غير المسلم حرام مثل حرمة عرض المسلم. ومال غير المسلم حرام كحرمة مال المسلم. ودم غير المسلم حرام كحرمة دم المسلم. وأمن غير المسلم مصان مثل صون أمن المسلم. فأين تجد - يا ترى - رائحة للإرهاب عالقة بالإسلام في الجانب الذي تقدم ذكره.