الفصل الخامس (جزء ثالث) نظريات النوم

الفصل الخامس لماذا ننام؟ (نظريات النوم)! ( الجزء الثالث من 4 أجزاء) (من كتاب بحوث في .. النوم والأحلام والتنويم (المغناطيسي) للدكتور أنور حمدي النوم .. أسراره وخفاياه (لقراءة الفصول السابقة انظر اسفل الصفحة ..) بقية الحديث عن لماذا ننام؟ وما هي نظريات النوم؟ 3 النظرية الموضعية للنوم. أ ( مركز النوم الدماغي) Sleep Center في القرن الماضي كان جراحو الأعصاب يجرون عملياتهم الجراحية الدماغية، دون الاستعانة بالتخدير، وأثناء وجود المريض في حالة يقظة! .. وخلال هذه العلميات، شاهدوا أن مريضهم (الصاحي)! يستسلم فجأة (للنوم) في حالات معينة، عندما تمس أدواته الجراحية (تجمعا) معينا من الخلايا العصبية الموجودة في بعض المناطق العميقة، داخل الدماغ! .. ودفعتهم هذه المشاهدات، والملاحظات إلى افتراض وجود (مركز للنوم)! فلا بد أن تكون تلك (التجمعات من الخلايا العصبية) مسؤولة عن النوم، ومسيطرة عليه! وإلا لماذا ينام هذا المبضوع (الصاحي) بمجرد أن تمس تلك (التجمعات)؟! وإن افتراض وجود (مركز للنوم) ليس بالأمر المستغرب! .. فالنوم عملية فسيولوجية، وظاهرة ذات شأن في حياة الإنسان، ولا تقل أهمية، بأي حال من الأحوال، عن العمليات الفسيولوجية والظواهر الأخرى المهمة في حياة الإنسان، مثل التنفس وضربات القلب، والشهية، والإحساس بالعطش .. الخ .. وكل هذه العمليات والظواهر الأخرى المهمة في حياة الإنسان، مثل التنفس وضربات القلب، والشهية، والإحساس بالعطش .. الخ .. وكل هذه العمليات والظواهر، معروف لها مراكز عصبية موجودة في الدماغ، وتسيطر عليها! .. فما وجه الغرابة إذن في وجود مركز للنوم في الدماغ، يوجهه ويشرف عليه، ويكون مسؤولا عن حدوثه، ويتحكم فيه، وهو لا يقل (أي النوم) أهمية عن تلك الظواهر والعمليات التي لها (مراكز دماغية)؟ ولقد كانت، هناك دلائل، وملاحظات أخرى تدعم هذه (الفرضية) في بدء ظهورها أو بالأحرى هي التي دعت إلى (افتراضها). فلقد لاحظ عالم الفسيولوجيا النمساوي (اكونومو) C. Economo أن المرضى الذين يموتون نتيجة إصابتهم بالتهاب الدماغ Encephalisitis، كانوا يبدون قبل وفاتهم اضطرابات في النوم، مثل الوسن والنعاس والنوم المتواصل! .. ولما تم تشريح جثثهم! ...وجد أن التغير المرضي الالتهابي، إنما يكمن في أجزاء الدماغ القريبة من قاعدته .. ولقد دعته هذه المشاهدات، إلى أن يفترض وجود مركز في تلك الأجزاء، هو الذي أدى نتيجة إصابته إلى اضطرابات النوم التي لوحظت قبل النوم! كما أن العالم ( موتنر) Mauthaner قد لاحظ نفس الملاحظات! وصرح في عام 1890م أن حالة النوم، التي لوحظت وشوهدت، خلال جائحة، مرض النوم (التهاب الدماغ النومي) إنما تعود إلى تخريب بعض المناطق الدماغية، نتيجة الآفات الالتهابية .. وحدد هذه المناطق في ( المادة الرمادية) حول ( بطانية الدماغ)! وبعد موتنر، كشف (هولزر Holzer) في إحدى وافدات التهاب الدماغ، بؤرة تصلب متسعة تناولت قسما من اللطخة السوداء من جهة، والمنطقة الرمادية المحيطة بقناة (سيلفيوس) والقسم البطيني من البطين المتوسط من جهة أخرى. كما أن (بت Pette) طرح في سنة 1923 مشاهدة طريفة، شاهدها في مصاب كان يدمن الكحول، أصابه شلل عيني فجائي استولى على جميع العين اليمني، وكان شللا ناقصا في اليسري، وزاد عليه فرط ميل إلى النوم، لا يغلب! .. وحين فتح جثته بعد موته، كشف الفحص بؤرة تلين متسعة، تمركزت في السويقة الدماغية، بين اللطخة السوداء، وقناة ( سيلفيوس) وكانت النواة الحمراء في الأيمن سليمة، أما في الأيسر، فقد تناولتها الآفة باجمعها، وامتدت منها إلى السرير البصري الأيسر حتى الخط المتوسط. وذكر لوكش Lucksch مشاهدة تظاهرت بالميل إلى النوم، كشف معها وجود بؤرة خثرية عقب إصابة المريض بالتهاب الشغاف خربت المادة السنجابية الكائنة في القسم الخلفي من البطين المتوسط، وتناولت معها أيضا القسم الأوسط من جدار قناة (سيلفيوس) وقد امتدت استطالة صغيرة منها نحو النواة الأنسية من السرير البصري والحديبة التوأمية اليمنى. و أثبت بوغايرت Bogaert) من جهة أخرى توضع آفة مخربة في المنطقة المجاورة لقلنسوة السويقة المخية، سببت في المصاب ازدياد الميل إلى النوم مع فالج في الشق الأيسر، و لقوة وشلل في العصب الاشتياقي في الشق الأيمن، ورافقها تناذر ارتجاج عضلي. أما عالم الفسيولوجيا السويسري (هيس W.R. Hess)، فلقد كان من أنصار هذه النظرية (نظرية مركز النوم) أو بالأحرى من أشد القائلين بها، حتى أنها كثيرا ما تقترن باسمه! .. ولقد أجرى تجارب مخبرية عديدة، لإثباتها، وتدعيمها! .. .. فكان يخدر حيواناته المخبرية، وهي القطط، ثم يفتح في جماجمها ثقبا يدخل فيه قطبين كهربائين Electrode، هما عبارة عن سلكين معدنيين دقيقين، ومعزولين، إلا في نهايتهما، بحيث يلامسان موضعا من مواضع الدماغ، يحدده ويعرف مكانه التشريحي!.. وبعد الانتهاء من هذه العملية الدقيقة، كان يخيط الجروح، ثم يترك الحيوان حتى يشفى و(تندمل جراحه)! .. فإذا كان الحيوان في (عافية) بعد ذلك، عمد عندها، إلى إمرار التيار الكهربائي في السلكين المغروسين في الدماغ، منبها المنطقة المقصودة . وملاحظا، ومسجلا، ما يطرأ على الحيوان من تغيرات .. وتبدلات! ومن تبديل موضع ( سلكيه)! .. وتغير الأمكنة .. وتعدد التجارب .. توصل إلى أنه إذا كان السلكان مغروزين في منطقة معينة من الدماغ تسمى ( المخ الفاصل أو البيني أو العميق أو الدماغ المتوسط أو مضيق الدماغ أو سرير المخ Diencephalon أوThalamencephal وThalamencephalon) وتم التنبيه، فإن القطة التي كانت في حالة يقظة، تمر بجميع الخطوات والمراحل اللازمة للنوم! .. من البحث عن مكان مناسب، والتقوس في الوضع المألوف المميز لها! ثم تغلق عينيها، وبعد دقائق قليلة، تستغرق في النوم العميق! .. وفي تجارب (حديثة) تبين أن التخطيط الدماغي الكهربائي، المرافق لمثل هذه التجربة، لا يختلف في نمط موجاته وإيقاعاته، عن النمط الخاص بحالة من النوم الطبيعي! .. كما وجد أنه يمكن، إيقاظ القطة (لحظيا) بواسطة منبهات مثل الصوت العالي أو رائحة اللحم! على أنه إذا كان التنبيه مستمرا، فإنها تميل، لأن تعود إلى حالة النوم! .. ولقد وجد هيس أن تخريب هذه المنطقة، وإتلافها تجريبيا يؤدي أيضا إلى حدوث النوم! أما عندما كان السلكان في مناطق أخرى من الدماغ، فإن (بعث) التيار الكهربائي فيهما، لم يؤد إلى النوم. إذن لا بد أن تكون هذه المنطقة هي المسؤولة عن النوم ،وهي مركزه!. ..هكذا رأى ( هيس)! وتجاربه لا غبار عليها. فلقد جرب بعض العلماء السوفيت مثل تجاربه، ? وأفضوا إلى مثل نتائجه! وهكذا تضافرت جهود (هيس) مع جهود (اكونومو) في تأييد نظرية (مركز النوم الدماغي)! .. ولكن (بافلوف) العالم ( الروسي) يعترض على افتراض (السويسري) و(النمساوي)!.. وينكر وجود (مركز للنوم) ويفسر الظواهر والتجارب التي لاحظها (اكونومو) واعتمد عليها (هيس)، يفسرها تفسيرا آخر!. فبناء على تجاربه، وجد أن حالة النوم المرضي الطويل الأمد، الذي يعتري المصابين بالتهاب الدماغ، لا تعود إلى وجود (مركز النوم) المفترض وجوده في (ما تحت السرير البصري)! .. وإنما يعود سبب هذا الرقاد، والنوم، إلى تلك التخريبات والأذيات Lesions الحادثة، في هذه المنطقة، مما يؤدي إلى (إعاقة) أو (صد Block) أو (حجب) إيصال أو نقل الرسائل العصبية الآتية من جميع أرجاء الجسم .. إلى الدماغ وخاصة لحائه! .. وإن هذه (الرسائل العصبية) أو (الإثارات) أو (التنبيهات البيئية) لها أهمية كبيرة في (استمرار) حالة اليقظة وفي (حدوثها ابتداء)! .. فعندما ينقطع إيصالها . يمكن استمرار حالة اليقظة .. فيحدث النوم! .. يحدث نتيجة لعدم تنبه اللحاء (القشر الدماغي)من الإثارات الحشوية (الجسمية)، وليس نتيجة لوجود (مركز النوم) وتنبهه، أو تخربه!! ولقد قطع أحد تلاميذ بافلوف، الأعصاب التي تصل المخ، بأعضاء الشم والسمع والبصر! .. عند أحد الكلاب التي تتم عليها التجارب، فوجد أن الكلب ..نام واستغرق في النوم! .. فقام (الأستاذ) بافلوف، وفسر ذلك بأن النوم، قد حدث نتيجة لقلة وصول الرسائل العصبية (الإثارات أو التنبيهات)، من العالم الخارجي، عند الكلب، إلى مخه لا سيما لحائه! .. حيث لم يحدث في هذه التجربة أي إثارة أو تخريب (لمركز النوم المزعوم).ومع ذلك حدث النوم! .. فلا بد أن يكون حدوثه، ناتجا عن (حجب) وصول (الإثارات) الآتية من البئية إلى قشر الدماغ!، فنحن لم نفعل سوى ذلك. .. وكما انتقد، بافلوف، ملاحظات أكونوموا وفرضه! .. كذلك، انتقد أيضا تفسير (هيس) لنتائج تجاربه! فالنوم عند (قطط هيس) الحادث بعد إمرار التيار الكهربائي، كان ناجما عن تنبه الأعصاب الواصلة إلى لحاء نصفي الكرة المخية، تنبها ضعيفا وانيا إيقاعيا، متسببا عن (بعث) الكهرباء من داخل الدماغ، بشكل، يشبه التنبيهات الإيقاعية الآتية من الخارج والمواتية، لإسباغ النوم وإحلاله، وليس نتيجة لتنبيه خلايا عصبية في مركز النوم المزعوم!! .. إذن، الأمر في النوم، لا يعدو أن يكون تنبيها (للقشر الدماغي) ولا علاقة لما تحته من (بنى) و.. مهلا .. لا تستعجل الأمور! .. فصحيح أن بافلوف ينكر وجود (مركز النوم) هذا في البنى (الموجودات والمكونات)الموجودة تحت القشر. إلا أنه في نفس الوقت، وكما يقول، لا ينطوي هذا النكران أبدا على (خفض مكانة) ونكران دور المراكز الدماغية الواقعة تحت القشر، في المساهمة الإيجابية في حدوث النوم! فلقد ثبت من التجارب، التي قام بها، أن النوم يحصل أحيانا بفعل رسائل عصبية(إثارات) صادرة من الدماغ نفسه، يبدأ تأثيرها ومفعولها أولا، وقبل كل شيء، في جعل الدماغ نفسه في حالة نوم، وذلك ابتداء من قشرته، ثم بعد ذلك، وبتأثير القشر، يحصل النوم في أرجاء الدماغ الأخرى، فالجهاز العصبي المركزي بأكمله، ثم أقسام الجسم الأخرى! فهنا أتى سبب النوم من الأعلى أي القشر الدماغي! ولكن سبب النوم، قد يأتي أحيانا من الأسفل! .. حين تكون الرسائل العصبية صادرة من الأقسام الدماغية السفلى، الواقعة تحت القشر! .. ولا شك أن وجود (مصدر) للنوم يأتي من ( الأسفل) بالإضافة إلى المصدر (الأعلى) القشري! يعلل لنا، لماذا يحدث النوم لدى الحيوانات العليا، على الرغم من إزالة (قشرتها الدماغية) بشكل تجريبي في المختبر عن طريقة عملية جراحية! .. فلقد لاحظ بافلوف أثناء تجاربه، أن الكلاب المنزوعة القشر، تستسلم للنوم، وتستمر طوال اليوم تقريبا، ولعدة أيام أو أسابيع، وربما أطول من ذلك، ولا تستيقظ إلا بصعوبة، ونادرا، لتناول الطعام! . بل لا حاجة حتى لإجراء مثل هذه العملية الصعبة لازالة (القشر الدماغي) لتأكيد دور المناطق السفلى من الدماغ في عملية النوم! فهناك لدينا حالات تكون فيها القشرة الدماغية مزالة (ربانيا)!! أي تكوينيا، أو أنها تكون ضعيفة جدا إلى درجة الإهمال! .. مثل الحيوانات الدنيا .. ومثل أطفال البشر، في فترة (المواليد) في أيامهم وأسابيعهم الأولى من الحياة، عندما تكون (قشرتهم الدماغية)في أدنى مستوى لها من النضج! ومع ذلك يحدث النوم، وبشكله المنتظم، دالا على (مصدر سفلي) له!، وموضحا ومشفا عن أن جذع الدماغ (المخ العميق) (يشترك) في حالتي اليقظة والنوم!! .. نقول (يشترك)! .. ولا ننفي دوره، أو نعتبره هو المركز المسيطر! .. فلا إفراط ولا تفريط، (وخير الأمور الوسط) .. حتى في النوم! فنحن لا نستطيع أن ننفي دوره، وهناك دلائل بالإضافة إلى ما ذكر، تشير إلى تدخله في النوم: أليس من المعروف أن حالات رضوض الجمجمة والرأس، وبعض أورام الدماغ، في مناطق معينة، تترافق بوسن ونوم؟! ثم ألم يعرف سبب هذا (الوسن والنوم)؟! ألم يعز، كما بينت المشاهدات، إلى وجود اضطرابات مرضية، تضغط قاعدة (الدماغ المتوسط)، ولا سيما منطقة، (ما تحت السرير البصري)؟! ألم يشاهد أن الأدوية المنومة التي تعطى وتسبب (النوم) تتكثف في منطقة (الدماغ المتوسط) ولا سيما (ما تحت السرير البصري)؟! فإذا نفينا دوره .. كيف وبماذا، نعلل المشاهدات السابقة الذكر؟! كما أننا لا نستطيع أن نعتبره هو المركز المسيطر ،وفيه (مركز النوم)! (فحجج بافلوف)، و(تجربة تلميذه) المتعلقة بدراسة ( الأسس الكهربائية للعمليات الفسيولوجية) وخاصة ما يتعلق منها بدراسة موجات الدماغ الكهربائية المرضية، والتي أجريت بعد وفاة بافلوف، .. كل هذه الحجج والتجربة والتجارب! تؤكد ذلك! وتشير إلى أن جذع الدماغ أو مضيقه أو ساقه Brainstem، ليس هو (مركز النوم)! أو بالاحرى ليس فيه (مركز النوم)!! .. إذن هو (الاشتراك)! نعم هو ذاك! .. وهذا ما أثبتته دراسات، وتجارب عديدة (الاشتراك) بين (جذع الدماغ) و(قشر الدماغ)!.. (الاشتراك) بين (لحاء الدماغ) و(مضيق الدماغ) و(ما تحت لحاء الدماغ)! .. هذا ( الاشتراك) أثبتته تجارب عديدة، وأيدته ملاحظات كثيرة . لاسيما تجارب (ماكون) و(موروزي) التي أشرنا إليها، والتي أثبتت وجود ارتباطات معقدة، متبادلة الأثر بين (القشرة الدماغية) وبين الأقسام الواقعة تحتها، لا سيما جذع الدماغ أو ساقه، وخاصة ما يسمى (الجهاز الشبكي) أو (التكوين الشبكي)! وأنه هذه الارتباطات بالغة الأهمية في نقل الرسائل العصبية والإثارات من (الساق الدماغية) إلى (القشرة المخية) وبالعكس! .. إذن لم يعد هناك وجود لما يسمى (مركز النوم)! وإنما هي صلات (مشتبكة) و(وشائج)!، و(تشابك) عدة مناطق دماغية ،، اللحاء وما تحت اللحاء وجذع الدماغ تعمل معا من أجل تحقيق النوم، والمحافظة علىدورة النوم واليقظة! فإلى هذه الوشائج والصلات! وإلى تلك التشابكات والاتصالات!. .. في نظرية (المواضع المنتشرة للنوم) أو (المراكز المبعثرة المتصلة)! والموجودة في الدماغ من أجل النوم! .. أو ما أسميه (المراكز المبعثرة المتصلة الدماغية للنوم و(اليقظة)!! .. إن صح تعبيري!؟ وهي يمكن أن تعتبر مكملة للنظرية الموضعية للنوم، ولكن عوضا عن مركز واحد، في نقطة (معينة) توجد (مواضع متعددة) متصلة بعضها مع بعض! ب ( نظرية المراكز المبعثرة المتصلة الدماغية للنوم واليقظة): إن الذي يحافظ علىدورة النوم واليقظة، ويحقق النوم، أو يحقق اليقظة! هو ،كما علمنا(مناطق متعددة) في الدماغ، تصل إليها وتربط بعضها مع بعضها وشائج وتشابكات واتصالات! .. وأهم هذه المناطق هي: أ التكوين الشبكي (الممتد من جذع الدماغ حتى السرير البصري والقشرة الدماغية). ب الحافة (وهي عبارة عن مجموعة من الأنواء (أي النويات) تمتد من النخاع المستطيل، حتى الدماغ المتوسط) . ج الخلايا العظمى للغطاء، أو اللحاف ( وهي موجودة بالقنطرة). د الجسم الأزرق ( ويخرج منه الحزمة النور أدرينالية الخلفية). وسنحاول دراسة كل منطقة من هذه المناطق، ونعرف ماهي صلتها بالنوم. أولا : التكوين الشبكي أو التشكلات الشبكية Reticular Formation ..وهي عبارة عن مجموعة من الخلايا العصبية، موزعة ومتناثرة في جذع المخ (الدماغ المتوسط). ولقد سميت بهذا الإسم، لأنها ترتبط بشكبة معقدة من الألياف العصبية مع سائر مناطق المخ، أوما يعرف باسم (المراكز العليا)! ولا سيما منطقة السرير البصري (المهاد Thalamus) وماتحت السرير البصري (Hypo-thalamus)، والقشر الدماغي. ونظرا لشدة الاتصالات، وتكثفها، ونتيجة للقرب الشديد، بين عناصر التشكلات الشبكية بالخاصة، والسرير البصري وما تحت السرير البصري، فإنه يمكن دراستها سوية. لقد وجد أن التنبيه الكهربائي لمنطقة من التكوين الشبكي، يؤدي إلى تنشيط مباشر وملحوظ لقشرة المخ، مما يؤدي بالتالي إلى شدة الانتباه وزيادته، عند حيوان التجريب، إذا كان هذا الحيوان في حالة يقظة، وأما إذا كان نائما، فإن هذا التنبيه يؤدي إلى يقظة فورية! .. بينما وجد أن إصاباته (أي التكوين الشبكي) وأذياته Lesion تؤدي إلى حدوث النوم! فلقد تبين أنه عندما يتم إتلافه تجريبيا، أو نتيجة لحالة مرضية كوجود أورام فيه، أو حدوث نزيف دموي به، أو إصابته بالتهاب، كما في الالتهاب الدماغي الوبائي أو السبخي، فإن الحيوان المجرب عليه، أو الإنسان المصاب، يدخل في حالة من الغيبوبة، شبيهة بالنوم، ولا يمكن إيقاظه بالمنبهات العادية! وأيضا يدخل الحيوان المجرب عليه، في نوم مستمر متواصل إذا قطعنا اتصالاته، (أي اتصالات التكوين الشبكي) مع باقي مراكز المخ! حتى لو لم نخربه ونتلفه هو بالذات..وإنما نكون هنا قد أتلفنا وظيفته! ويتبين مما ذكر أنه هذه (التشكلات الشبكية) لها وظيفة المحافظة على (حالة اليقظة)! وأن نشاطها وعملها يؤدي إلى حالة من اليقظة، ويبعد النوم! .. بينما تخريبها أو توقفها عن العمل، يؤدي إلى حالة من الخمول والكسل والنعاس ثم النوم! وأما بالنسبة للسرير البصري (المهاد Thalamus) فلقد وجد أن تنبيه جزء منه، الجزء الجانبي والبطيني لكتلة السرير Lateral an ventral Part of inter thalamic Mass، يؤدي إلى النوم، ويكون النوم الحادث قريبا جدا من النوم الطبيعي، فهو يتخذ صورة طبيعية، أكثر مما في تنبيه المناطق الأخرى من الدماغ، التي يسبب تنبيهها النوم! .. ولذلك فإنه يعتبر عند بعضهم، أهم جزء يختص بالنوم، بالنسبة لمناطق الدماغ وأجزائه! وأما بالنسبة لما تحت السرير البصري (المهيد = Hypo thalamus)، فإنه يعتبر الجزء الأعلى من التكوين الشبكي، وهو يلعب دورا هاما في التحكم في اليقظة والنوم! فلقد وجد أن إصابات النواة الجانبية له، أي Lateral Nucleus of Hypo thalamus تؤدي إلى النوم .. بينما يؤدي تنبيهها إلى اليقظة! كما وجد أيضا، وبشكل أهم من النواة الجانبية، إن إصابات النواة الثديية Mammillary Nucleus-،، وتسمى أيضا الأجسام الحليمية Mammillary Bodies ،، تؤدي إلى النوم، بينما يؤدي تنبيهها إلى اليقظة! .. حيث أنه يوجد فيها مراكز يقظة، أو مناطق استثارة، تعمل لكي يظل الكائن في حالة يقظة .. فإذا استؤصلت، عند الحيوان، أدت إلى حالة من النعاس والنوم، ولا يستطيع عندها الحيوان أن يكون يقظا .. كما أن تخثيرها (أي الأجسام الحليمية أو الحديبات الحليمية)، وتخريبها عند الحيوان، القطة مثلا، لوحظ أنه يقود إلى نفس النتيجة .. أي يؤدي إلى النوم، وإلى ظهور موجات (دلتا) في مخطط الدماغ الكهربائي، الدالة على النوم الدماغي!.بينما أن تنبيهها بالكهرباء (أي الأجسام الحليمية) و( الهرة) نائمة يسبب ظهور موجات (بيتا) في مخطط الدماغ الكهربائي، الدالة على وجود حالة يقظة فسيولوجية! .. وينطبق الشيء نفسه على المراكز الموجودة في الأجزاء المقدمية، ؛ الأمامية، المتطرفة للمهيد!! وأيضا وجد أن إصابات المسار الثديي المهادي Mamillo thalamic tract،، موجود في المهيد، تؤدي إلى النوم، بينما يؤدي تنبيهها إلى اليقظة! .. فالفرد الذي يصاب بتلف فيها، وأيضا الأجزاء السابقة!، يدخل في درجة من النوم العميق المستمر ،وهذا ما يحدث عادة عندما تصيب الحمى المخية، منطقة المهيد! كما وجد أن إصابات تحدث حول نواة تسمى النواة قبل البصرية، تؤدي إلى حالة يقظة مستمرة! .. وذلك نتيجة لوجود مركز (كاف) فيها! ، فعندما يستأصل هذا المركز، فإن الحيوان يظل في حالة يقظة مستمرة! .. بينما يؤدي تنبيهها، إلى إحداث حالة (كف) للأجسام الثديية أو الحليمية، وبالتالي يقود إلى النوم!.. ثانيا: الحافة Raphe، أو نويات جملة (جهاز) الخياطة المتوسطة. وهي عبارة عن مجموعة من النويات العصبية والممتدة في وجودها من النخاع المستطيل حتى الدماغ المتوسط، وهذه النويات وجدت نتيجة التجريب والتحليل، أنها تحتوي على الأمين الحيوي المسمى (السيروتونين). ولقد تبين نتيجة التجارب على الحيوانات، القطط، أن أستخدام واستعمال العقاقير التي تعوق تكوين وتركيب السيروتونين، تؤدي إلى الأرق واليقظة! .. وذلك كما شوهد في التجارب، فإن عطب وتخرب هذه الحافة يقود إلى الأرق واليقظة، وذلك نتيجة لفقد تكون ( السيروتونين)، هذا الأمين الحيوي الذي يعتقد أنه يؤثر على طريق مسارات عصبية تحتوي عليه، هي المسارات السيروتونية، على التكوين الشبكي، مثبطا نشاطه . ........................................................... ثالثا : الخلايا العظمى للغطاء أو اللحاف Tegmentum .. هذه الخلايا العظمى، موجودة ( بالقنطرة Pons) ولقد تبين نتيجة للتجارب، أنها تتفاعل مع ( الجسم الأزرق)، من أجل تغيير النوم المتزامن أو النوم (s)، إلى النوم غير المتزامن أو النوم (D)، والعكس أيضا!.. فلقد تبين أنها عندما تبدأ في إطلاق شحناتها ( أي الخلايا العظمى) بسرعة، فإن شحنات الجسم الأزرق تقل، وينتقل عندها الحيوان المجرب عليه، إلى النوم غير المتزامن! وأما إذا حدث العكس، فأسرع موضع الجسم الأزرق، هو، في دفع سيالاته العصبية،وإطلاق شحناته، فهنا يقل، نشاط الخلايا العظمى، وتقل سرعة إطلاق سيالاتها وشحناتها، وعندها ينتقل الحيوان، مرة ثانية، إلى النوم المتزامن!.. وإذن فإن نشاطها وفعاليتها، يقود إلى النوم غير المتزامن .. فلها أهمية واضحة في هذا النوع من النوم!.. ولقد تأكد ذلك أيضا عن طريق تخريبها، وإتلافها تجريبيا حيث وجد أن النوم غير المتزامن يزول ويختفي! .. رابعا : الجسم الأزرق coeruleus .. لقد وجد أن مكان الجسم الأزرق، يحتوي على النور أدرينالين. كما أن الحزمة النور أدرينالية الخلفية، وهي مسارات عصبية فيها نور أدرينالين، تنشأ منه. ولقد أكدت الأبحاث والتجارب، أن هذه الحزمة (أي المسار) النور أدرينالية الخلفية، التي تنشأ منه، لها دخل في عملية اليقظة! .. فلقد وجد أنه لو تم قطع هذه الحزمة، قطعا عرضيا، فإن ذلك يؤدي بالحيوان المجرب عليه، إلى زيادة النوم، وكذلك أيضا إلى زيادة نشاط نوبات الحافة! ولما كان زيادة نشاط نويات الحافة، معناه زيادة السيروتونين الذي يثبط نشاط التكوين الشبكي، عن طريق مساراته السيروتونية، فإنه هذا معناه أيضا، زيادة النوم! ولقد وجد من جهة أخرى، أن هذا المكان، يخدم في التغير من النوم المتزامن إلى النوم غير المتزامن وبالعكس، وذلك عن طريق تبادل التأثير بينه ،وبين الخلايا العظمى للغطاء! خامسا : القشر الدماغي (اللحاء) cerebral cortex ونذكره هنا نظرا لاتصالاته الشديدة والكثيفة، وارتباطاته المعقدة والمتبادلة الأثر مع ما تحته، ولا سيما التكوين الشبكي، حسب ما أثبتته التجارب العديدة، ولا سيما تجارب ماكون وموروزي التي أشرنا إليها. وأيضا بسبب دوره الرئيسي والأساسي في عملية النوم واليقظة!.. بل في الواقع؛ إننا نعرف النوم واليقظة، من خلال نشاط أو راحة خلاياه! .. ومن خلال التبدلات التي تلاحظ على تخطيط الدماغ الكهربائي والتي هي في الحقيقة، تسجيل لفعالية خلايا القشر! فالقشر يلعب دورا هاما في إحلال النوم أو اليقظة .. فعندما يكون في حالة من النشاط والفعالية والإثارة، فإنه يؤدي إلى اليقظة، أو بالأحرى تكون هذه هي اليقظة! .. فلو نبه القشر، مثلا مباشرة بواسطة تيار كهربائي، أو عن طريق حقن محلول كلور الكالسيوم، فإنه يقود إلى حالة من اليقظة، ويحدثها!. وأيضا يحدث نفس الشيء في تنبيهه، بشكل غير مباشر، عن طريق تناول منبهاته، مثل الكافئين الموجود في القهوة، فيحدث الأرق .. وما الأرق إلا يقظة، وامتناع النوم! .. بينما نجد أن تثبيطه أو استئصاله، أي إلغاء فعاليته، يقود إلى النوم! .. وإذا كان هذا النوم، تتخلله فترات من اليقظة!، فما ذلك عائد إلا بسبب (اشتراك) المراكز الأخرى، التي ذكرت، في عملية إحلال النوم أو اليقظة! . فالقشر، كما ذكرت، عندما يكون في حالة من التنبه والفاعلية والنشاط، تحدث (اليقظة) أو تكون هذه هي ( اليقظة)! . وعندما يتم تثبيطه، ونهية، وإنقاص فعاليته ونشاطه، يحدث ( النوم)! أو بمعنى أوضح!! .. .. أنه يكون في حالة (نوم) في الحالات العادية الطبيعية الهادئة، التي لا يوجد فيها مثيرات، ومنبهات، حتى إذا ما أتت تلك المثيرات والمنبهات، أي الرسائل العصبية، وشحنات الإحساسات حاملة معها، الإثارة والتنبيه فإنه تحدث اليقظة!.. وتستمر اليقظة، طالما استمرت هذه المثيرات، وشحنات الإحساسات! .. (فالنوم) هو الحالة الأساسية! .. ونحن في الواقع ( نيام)! . وبالتالي (فالنوم) ليس ظاهرة عجيبة، في حد ذاتها! وإنما العجيب هو حالة (الاستيقاظ)! . (فالاستيقاظ) هو الأمر ( الطارئ)! .. وهو حالة من (التهيج) تنجم عن المنبهات والمثيرات، وتحدث تحت تأثيرها، وتتم بشكل دوري! .. وهكذا، نكون قد قلبنا الوضع! فلم نعد الآن نسأل (لماذا ننام)؟! .. وإنما يجب أن يكون السؤال (لماذا نستيقظ)؟! فلو عرفنا (سر اليقظة)! .. لقلنا، عندها، وعلى الفور .. إن (اختفاء) اليقظة .. هو .. (النوم)! سر اليقظة! هو امتداد لهذا الموضوع في الجزء الرابع والأخير من هذا الفصل وينشر يوم 2 صفر 1423هـ الموافق 15 أبريل 2002م.