ماذا ترك الحاضر للمستقبل في الفكر العربي؟

??اسم الكتاب : ذاكرة للمستقبل ?? اسم المؤلف: عبد الرحمن منيف الناشر : المركز الثقافي العربي والمؤسسة العربية للدراسات والنشر 2001م ?? اعتاد القراء على قراءة روايات تاريخية أو صورة لحالة تاريخية، وتجسيد لها وتسجيل حي لأحداثها من هذا المؤلف، وكان آخرها روايته الطويلة والتي كانت موضع ترحيب كبير من النقاد والدارسين، وهي روايته (أرض السواد)، إلا أن المؤلف يقدم لنا كتابه هذا بفكر ورؤية أخرى غير ما اعتدنا عليه سابقا، وهذه الفكرة الجديدة فكرة جميلة، فهناك مواقف وأحداث وأفكار وذكريات تمر بكل إنسان، ولكنها تعني الكثير له، أو كانت لها أهمية في حياته، وقد تكون حادثة عادية، ولكن الكتابة عنها تجعلها واقعة أدبية أو فكرية، بعد أن كانت حادثة عرضية، ولا يتم ذلك إلا إذا كتب عنها وسطرت أحداثها في كتاب. لذا فإن الكاتب يقدم كتابه هذا كشاهد على العصر، ليس في أحداثه الجسيمة، بل في أحداث طارئة وعادية، وحوارات فكرية بين الأصدقاء، قد تجد من يستفيد منها، إن لم يكن الآن ففي الغد البعيد والقريب. فالكتاب يبقى مئات السنين ليكون دليلا لآخرين، قد يجدون فيه ما يدهشهم أو ما يبحثون عنه، أو ما يفيدهم. الفكرة جديدة تحتاج إلى اسم يقول الكاتب اكتشفت (بعد لوعة الغياب) أن هذا النمط من الكتابة، والذي لم يكتسب بعد اسما محددا، يمكن أن يكون مفيدا وضروريا، لأنه اقتراب غير كامل وغير نهائي من الشخصية أو من موضوع أدبي أو فكري، يكون الهدف لفت النظر إلى جانب منه، كان في الظل، مما يشجع على المتابعة والتقصي. خاصة وأن قسما كبيرا من الموضوعات والشخصيات الفكرية والأدبية لم تدرس بما يكفي، وبالتالي لم تقيم موضوعيا، لتحتل مكانها في تاريخ الفكر والأدب. ومما يزيد في تشويش المشهد أن الذاكرة العربية المعاصرة مأخوذة بالمظاهر. ما هي الثقافة عند الكاتب؟ يقول الكاتب: إن الثقافة تشبه النهر الجاري، وهي تكسب دورها وأهميتها من خلال الدور الذي تلعبه والنتائج التي تولدها، وهي تفيض كالنهر، على كل ما حولها، خالقة الحضارة وأساليب الحياة وطرق التفكير والسلوك والتعبير، مضيفة إلى الأشياء ملامح تميزها، ولان للنهر منبعا ومصبا، ولأن حركة المياه في مجراه لا تتوقف، فإضافة إلى الخصب الذي يتولد نتيجة لذلك، فإن الأشياء والأفكار تنتقل عبر أمواجه، وهكذا تكمن في قطرة الماء قوة الحياة، والقدرة على التجدد. الثقافة، بمعناها الواسع، هي هذا النهر الدائم الجريان. ومع ثباتها فهي دائمة التغير، كذلك ثقافة أي شعب، إذ أن لكل ثقافة قسماتها الخاصة التي تجعلها مختلفة عن غيرها من الثقافات، ومع ذلك فإن هذه الثقافة اليوم هي غيرها بالأمس، وستكون غدا غيرها. شخصيات الكتاب: يتعرض الكاتب لتقديم العديد من الشخصيات التي عاصر بعضها أو تعامل معها، مثل الكاتب توفيق عواد والجواهري والبياتي، ومصطفى وهبي التل، ويذكره باسمه المعروف به عرار، ويقول عنه إنه ألف العديد من القصص، ونشرت له ولكن بأسماء مستعارة، وكانت قصصه قصص تضحية وكفاح بعكس أشعاره العاطفية الوجدانية. ويتكلم كثيرا عن صدقي إسماعيل الكاتب السوري الذي كتب القصة والرواية والمسرحية. كما أنه يتعرض أيضا لبعض الكتب وشخصيات مؤلفيها لانها في نظره تمثل فكرا جديدا أو مغايرا أو أنها تقدم الجديد، فهو يقدم لنا الشاعر الروسي حمزة توف وتأثيراته الفكرية، ويقدم لنا مجموعة من القصص والأساطير الأرمنية. وقائع عاصرها زمانا وتاريخا: يتحدث الكاتب عن مأساة الأرمن والفلسطينيين من وجهة نظره ويقول: يمكن للظلم أن يحدث أثرا، وقد يكون كبيرا، لكنه لا يخلق حقا، ولا يجعل الأمر الواقع قانونا دائما، القوة عنصر فرض، والقوي قادر على أن يفرض بعض الحقائق لبعض الوقت، ولكن القوة، خاصة النابعة من الظلم لا تستطيع أن تغير الواقع أو تديم تزويرها. لذلك فإن للظلم جولة وللحق جولات، شريطة أن يبقى من يطالب، من يذكر ولا ينسى حقوقه. كما أن القوي اليوم لا يعني أنه قوي غدا. رؤيته للزمن والوقائع: ويقول في مأساة الشعوب، بأن أصحاب الحق سيحصلون على حقهم، ولكن بشرط بقاء الذاكرة، وهو يشير إشارة لطيفة إلى الأدب الأرمني الذي يندر أن لا يشير إلى مأساة الأرمن وما حصل لهم من مجازر، ويقول إن الأدب العربي يجب ان ينحو نفس المنحى في التذكير بقضية فلسطين، ويطلب أن تكون كل الروايات، بما في ذلك روايات الحب، مشيرة ولو بإشارة بعيدة إلى قضية فلسطين لتبقى هذه القضية في الذاكرة العربية جيلا بعد جيل. وهو يقول إن استعادة الوطن والحق المسلوب قد يتطلب عقودا، وقد يمتد الانتظار إلى قرون، ولكنه سيعود ضمن شروط بقاء المطالبة، فهو يقول إن الحق لا يعود لمن لا يطالب به، ولن يتم ذلك في ظل المدنية المتوحشة التي لا تعترف إلا بالقوة. كتاب فكر وتحد: يقول المؤلف في مقدمة كتابه إنه يقدم كتابه هذا لإثارة الأسئلة والفضول، وهو هدف يتمناه كل كاتب فكر وثقافة، وهو يريد أن تبقى هذه المواضيع المتنوعة، والتي نشر بعضها سابقا في الصحف أو قيلت في ندوات ومؤتمرات، مثيرة للجدل والنقاش، ليس حبا في مناقشة أفكاره، ولكن النقاش في نظره هو وسيلة لتوليد المعرفة ونشر الثقافة وتمحيص الحقائق وإبقاء شمعة الذاكرة مشتعلة. ???