فتح بلاد الأندلس

خرج موسى بن نصير من أفريقيا غازيا إلى طنجة، وهو أول من نزل طنجة من الولاة وبها البربر بطون من البتر والبرانس ممن لم يكن دخل في الطاعة، فلما دنا من طنجة بث السرايا فانتهت خيله إلى السوس الأدنى فوطئهم وسباهم، وأدوا إليه الطاعة، وولى عليهم واليا وأحسن فيهم السيرة، ووجه بسر بن أبي أرطأة إلى قلعة من مدينة القيروان على ثلاثة أيام فافتتحها، وسبى الذرية وغنم الأموال. ثم عزل موسى والي طنجة وولى طارق بن زياد ثم انصرف إلى القيروان، وكان طارق قد خرج معه بجارية يقال لها أم حكيم، فأقام طارق هناك مرابطا زمانا وذلك في سنة اثنين وتسعين هجرية. أحداث المجاز: كان لمجاز الذي بينه وبين أهل الأندلس عليه رجل من العجم يقال له يليان صاحب سبتة، وكان يليان يؤدي الطاعة لذريق صاحب الأندلس وكان لذريق يسكن طليطلة، فراسل طارق يليان ولاطفه حتى تهاديا، وكان يليان قد بعث بابنه له إلى لذريق صاحب الأندلس ليؤدبها ويعلمها فأحبلها فبلغ ذلك يليان، فقال: لا أرى له عقوبة ولا مكافأة إلا أن أدخل عليه العرب، فبعث إلى طارق أني مدخلك الأندلس، وطارق يومئذ بتلمسين، وموسى بالقيروان، فقال طارق: فإني لا اطمئن إليك، حتى تبعث إلي برهينة، فبعث إليه بابنتيهن ولم يكن له ولد غيرهما، فأقرهما طارق بتلمسين واستوثق منهما، ثم خرج طارق إلى يليان وهو بسبتة على المجاز ففرح به حين قدم عليهن وقال له: أنا مدخلك الأندلس، وكان فيما بين المجازين جبل يقال له اليوم جبل طارق فيما بين سبتة والأندلس، فلما أمر جاءه يليان بالمراكب فحمله فيها إلى المجاز فأكمن فيها نهارهن فلما أمسى رد المراكب إلى من بقي من أصحابه، فحملوا إليه حتى لم يبق منهم أحد، ولا يشعر بهم أهل الأندلس ولا يظنون إلا أن المراكب تختلف بمثل ما كانت تختلف به من منافعهم، وكان طارق في آخر فوج ركب، فجاز إلى أصحابه، وتخلف يليان ومن كان معه من التجار بالخضراء ليكون أطيب لأنفس أصحابه وأهل بلده .. وبلغ خبر طارق ومن معه أهل الأندلس ومكانهم الذي هم به .. وتوجه طارق فسلك بأصحابه على قنطرة من الجبل إلى قرية يقال لها قرطاجنة وزحف يريد قرطبة. الزحف إلى قرطبة ونهاية الفتح: زحف طارق بن زياد يريد قرطبة وتلقته جنود قرطبة، واجترؤوا عليه للذي رأوا من قلة أصحابه، فاقتتلوا فاشتد قتلهم ثم انهزموا، فلم يزل يقتلهم حتى بلغوا مدينة قرطبة، وبلغ ذلك لذريق فزحف إليهم من طليطلة فالتقوا بموضع يقال له شذرونة على واد يقال له اليوم وادي ام حكيم، فاقتتلوا قتالا شديدان فقتل الله عز وجل لذريق ومن معه. وكان مغيت الرومي يريد قرطاجنة، ومضى طارق إلى طليطلة فدخلها وسأل عن المائدة ولم يكن له هم غيرها، وهي مائدة سليمان بن داود التي يزعم أهل الكتاب .. فقيل لطارق أن المائدة في قلعة يقال لها فراس، مسيرة يومين من طليطلة، وعلى القلعة ابن أخت لذريق، فبعث غليه طارق بأمانه وأمان أهل بيته فنزل إليه، فأمنه ووفى له، فقال له طارق: ادفع إلي المائدة فدفعها إليه وفيها من الذهب، وجعل لها رجلا سواها، فقومت المائدة بمائتي ألف دينار لما فيها من الجوهر، وأخذ طارق ما كان عنده من الجوهر، والسلاح، والذهب، والفضة والآنية وأصاب سوى ذلك من الأموال ما لم ير مثله، فحوى ذلك كله ثم انصرف إلى قرطبة وأقام بها .. وكتب إلى موسى بن نصير يعلمه بفتح الأندلس وما أصاب من الغنائم، فكتب موسى إلى الوليد بن عبد الملك يعلمه بذلك، ونحله نفسه وكتب موسى لطارق ألا يجاوز قرطبة حتى يقدم عليه وشتمه شتما قبيحا. خروج موسى بن نصير إلى الأندلس لجمع الغنائم: خرج موسى بن نصير إلى الأندلس في رجب سنة ثلاث وتسعين بوجوه العرب والموالي وعرفاء البربر، حتى دخل الأندلس، وخرج مغيظا على طارق وخرج معه حبيب بن أبي عبيدة الفهري، واستخلف على القيروان ابنه عبد الله بن موسى، وكان أسن ولده، فأجاز من الخضراء ثم مضى إلى قرطبة، فتلقاه طارق فترضاه، وقال له: إنما أنا مولاك وهذا الفتح لك، فجمع موسى من الأموال ما لا يقدر على صفته، ودفع طارق كل ما كان غنم إليه. وجاء رجل إلى موسى بن نصير فقال: ابعثوا معي أدلكم على كنز فبعث معه فقال لهم الرجل: انزعوا ها هنا فنزعوا قال: فسال عليهم الزبرجد، والياقوت شيء لم يروا مثله قطن فلما رأوه تهيبوه، وقالوا: لا يصدقنا موسى بن نصير فأرسلوا إليه حتى جاء ونظر غليه، وكتب موسى بن نصير حين فتحت الأندلس إلى عبد الملك أنها ليست بالفتوح ولكنه الحشر. وقد كان الرجل ليأخذ الهر فيذبحها ويرمي ما في جوفها ثم يحشوه مما غل، ثم يخيط عليه ويرمي بها إلى الطريق ليتوهم من رآها أنها ميتة، فإذا خرج أخذها، وكان الرجل ينزع نصل سيفه فيطرحه ويملأ الجفن غلولا ويضع قائم السيف على الجفن. ما بعد المعركة والغنائم: بعد انتهاء المعركة وجمع الغنائم وحصرها، أخذ موسى بن نصير بطارق فشده وثاقا وحبسه وهم بقتله، وكان مغيث الرومي غلاما للوليد بن عبد الملك فبعث إليه طارق إنك إن رفعت أمري إلى الوليد، وان فتح الأندلس كان على يدين وان موسى حبسني يريد قتلي أعطيتك مائة عبد، وعاهده على ذلك فلما أراد مغيث الانصراف ودع موسى بن نصير وقال له: لا تعجل على طارق ولك أعداء، وقد بلغ أمير المؤمنين أمره وأخاف عليك وجده فانصرف مغيث، وموسى بالأندلس فلما قدم مغيث على الوليد أخبره بالذي كان من فتح الأندلس على يد طارق، وبحبس موسى غياه والذي أراد به من القتل، فكتب الوليد إلى موسى يقسم له بالله لئن ضربته لأضربنك ولئن قتلته لقتلن ولدك به، ووجه الكتاب مع مغيث الرومي فقدم به على موسى بالأندلس فلما قرأه أطلق طارقا وخلى سبيله ووفى طارق للمغيث بالمائة عبد الذي كان قد جعل له. خروج موسى بن نصير من الأندلس: خرج موسى بن نصير من الأندلس، بغنائمه وبالجوهر والمائدة واستخلف على الأندلس ابنه عبد العزيز بن موسى، وكانت إقامة موسى بالأندلس سنة ثلاث وتسعين وأربع وتسعين واشهرا من سنة خمس وتسعين فلما قدم موسى إفريقية كتب إليه الوليد بن عبد الملك بالخروج إليه، فخرج واستخلف على إفريقية ابنه عبد الله بن موسى وسار موسى بتلك الغنائم والهدايا حتى قدم مصر، ومرض الوليد بن عبد الملك، فكان يكتب إلى موسى يستعجلهن ويكتب إليه سليمان بالمكث والمقام ليموت الوليد ويصير ما مع موسى إليه، وخرج موسى حتى إذا كان بطبرية أتته وفاة الوليد فقدم على سليمان بتلك الهدايا فسر سليمان بذلك.. وأمر موسى بن نصير برفع حوائجه وحوائج من معه ثم انصرف إلى المغرب.