عمرو بن العاص رضي الله عنه داهية العرب

نسبه: هو عمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم بن هصيص بن كعب.. حيث يلتقي نسبه من جهة أبيه العاص مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما يتصل كعب نسبا بنزار بن معد بن عدنان فهو كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. ولادته ونشأته: ولد عمرو بن العاص ونشا في بطن من البطون القرشية المشهورة، فهو من سهم، فهو ينتمي إلى أسرته الكبيرة إلى بطن من كبار بطون قريش، حيث كانت لهم السيادة والريادة في كل أمر. ولقد كان العاص بن وائل من ذوي اليسار، فهو يملك تجارة بين الشام واليمن، ويهيئ نفسه على الدوام لرحلة الصيف ورحلة الشتاء، ومن هنا كانت المفاخرة عند عمرو بأبيه والاعتزاز بقبيلته، فهم أصحاب مجد وسيادة في كل أمر، فالعاص بن وائل السهمي القرشي كان من حكام العرب، يحتكم إليه في الخصومات والمنازعات، وهو مشهور بسداد الرأي والصواب في الأمر. وبذلك يتبين لنا بأن الاعتداد بالنفس عند عمرو بن العاص كان لأبيه وراثة، ومن هذه الوراثة مشابهته لأبيه في الخلقة والخليقة. في الخلقة: نجد تكوينات مجتمعه. وفي الخليقة: نجد حبه للسيادة والاعتداد بالنفس والنخوة الأصيلة. ومع كل ذلك الفخر والاعتزاز والاعتداد، كان هناك أمر مهم قد جعل من عمرو بن العاص رضي الله عنه خجلا في بعض الأحيان، فعلى قدر ذلك الفخر والاعتزاز بنسبه إلى أبيه العاص بن وائل، إلا أنه كان يخجل من نسبه إلى أمه حيث كانت النابغة بنت عبد الله أصابتها رماح العرب، فبيعت في عكاظ فاشتراها عبد الله بن جدعان، ووهبها للعاص بن وائل، فولدت، فأنجبت.. عاش عمرو بن العاص رضي الله عنه في جاهلية حمقاء، امتدت إلى أن بلغ الخمسين من عمره، شاهد فيها ما شاهدن وعرف فيها ما عرف، فكانت تبدو خالية من المعاني الأصيلة للحياة، اللهم .. إلا من ذكاء وقاد، وعزيمة جسورة، ولسان ماض، وأن كل ذلك أفاد حياته الثانية الإيجابية ذات الجانب النير التي أمضاها في الإسلام. تزوج عمرو بن العاص وهو الفتى الناشئ الغض، فأنجب عبد الله، ومن ثم فقد استقل عمرو في عمله ومعيشته بعد زواجه، لاسيما وأن أمه لم تكن سيدة المنزل عند أبيه، لذلك آثر عمرو الانفراد بشخصية الرجل الكامل في المقدرة على العيش بعيدا عن أهله.. ومن أخباره أنه كان يصطحب زوجته في كل سفرة من أسفاره، مما يدلنا على أنه يملك شبابا متطلعا حازما لا ميوعة في أمره ولا لهو ولا إباحية وان هذه الأمور الأخيرة كانت شائعة بين فتوة الجاهلية في عصره.. إسلامه: يقول عمرو بن العاص رضي الله عنه عن إسلامه: لقد جمعت رجالا من قريش بعد منصرف الأحزاب من الخندق، فقلت لهم: إني لأرى أمر محمد يعلو علوا في الأمور منكرا، وإني قد رأيت أن نلحق بالنجاشي، فنكون عنده، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي، فلأن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد وان يظهر قومنا، فنحن ممن قد عرفوا، فلا يأتينا منهم إلا خيرا فقالوا: إن هذا الرأي أريب، وأمر سديد. قلت: فاجمعوا ما يهدى له، وكان النجاشي أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم فجمعنا له أدما كثيرا، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه، وبينما أنا عنده، إذ جاء عمرو بن أمية الضمري من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد بعثه في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أمية الضمري، لو دخلت على النجاشي وسألته إياه فأعطانيه إياه، وضربت عنقه، لرأت قريش أنني أجزأت عنها، وذلك حين أقتل رسول، رسول الله صلى الله عليه وسلم للنجاشي.. فدخلت على النجاشي ثم قلت: أيها الملك، إني قد رأيت رجلا خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا، فأعطينيه لقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وأخيارنا..!؟ فغضب النجاشي غضبا شديدا، حتى مد يده فضرب به أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره، فقلت أيها الملك: لو ظننت أنك تكره ما سألتكه. فقال النجاشي: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى عليه السلام، وذلك كي تقتله؟ فراعني ما سمعت منه، فسألته أيها الملك: أكذاك هو؟ فقال: ويحك يا عمرو، أطعني واتبعه، فإنه والله على حق وصدقن وليظهرن على من خالفه، كما ظهر موسى على فرعون وجنوده ثم بسط يده فبايعته على الإسلام. وكان ذلك الأمر على الأرجح في السنة الثامنة للهجرة.. عمرو بن العاص والفتوحات الإسلامية: لقد شاء الله تعالى بأن يستقل عمرو بن العاص رضي الله عنه بغزو فلسطين وما جاورها، فتم على يديه بإذن الله سبحانه وتعالى فتح سواحلها، وحصار بيت المقدس، ومنازلة أرطبون الروم، بالجرأة تارة وحينا بالخبرة والفطنة وأخرى بالدعاء والألمعية، حتى قال أرطبون الروم: هذا هو أدهى الخلق في العالم. وما هذه الصفات إلا ملك لعمرو بن العاص رضي الله عنه، وقد اشتهر بها، وان جميع هذه الأخبار عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، لا خلاف فيها إطلاقا، إذ أنها تدل على أن عمرا فارسا مغوارا عتيد لتلك الغزوات في طلائعها الأولى يوم كانت بعد في طور التأهب والاستطلاع.. عمرو بن العاص في الديار المصرية: لم تكن تهل السنة الخامسة عشرة للهجرة حتى سكنت بلاد الشام للحكم الإسلامي السامي، وأنظار الصحابة الأخيار الأبرار تتطلع إلى فتوحات أكبر وأشمل، ومن بين الصحابة الأبرار نجد عمرو بن العاص رضي الله عنه، يبرز لنا من خلال الأفق ليذكر المسلمين بما يجول في خاطره من أفكار وتطلعات. وما إن استأذن عمرو بن العاص الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بالخروج لفتح الديار المصرية ليوقف خطر الروم على المسلمين والبلاد الإسلامية، وكان أول ظهور لعمرو بن العاص في منطقة الدلتا، ثم انطلق منها زاحفا إلى رأسها، وتمت الفتوحات بإذن الله تعالى، منطقة تليها منطقة، وبلدة تليها بلدة، حتى إنه عمر أثناء زحفه مدينة الفسطاط وأقام فيها مسجدا، وهي بالاعتبار قد باتت عاصمة مصر الأولى، ومن ثم انطلق منها إلى الأسكندرية حيث تمكن منها وبذلك غدت شوكة الروم مقهورة مبعثرة، بينما الديار المصرية باتت من البلاد المفتوحة للإسلام للحق والعدل والمساواة والرحمة والمحبة. إمارته على الديار المصرية: لقد أشار عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى فتح الديار المصرية، وقام بعون من الله تعالى بفتح البلاد، وبنصر من الله تعالى تم الفتح والتأمين والتمكين، وعلى نحو لم يسبقه إليه أحد من الفاتحين، ولفطنته وحدة ذكائه لم يغفل عن حدود البلاد، وخاصة الأطراف المحتمل أن يأتي منها الخطر، وهي حدود الغرب والجنوب، وقد توجه إلى فتح المغرب حتى توقف عند تونس، وسير الكتائب إلى مصر من الجنوب، ولهذا كله فقد أنصفه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأحسن إليه الجزاء، وذلك بتوليته على مصر وتنظيم شئونها. عمرو بن العاص إلى جوار ربه: ها هو عمرو بن العاص رضي الله عنه صاحب الفؤاد المتوهج بنوازع الحياة والذي لا يسأم العيش يوما، وقد جاوز التسعين من العمر، وقارب المائة إلا سنين، وها هي الآلام قد بدأت تسيطر على جسده، فبكى نفسه اسفا على الحياة التي أمضاها قبل الإسلام، وها هو ينادي أبناؤه، ويقول لهم: إذا واريتموني فاجلسوا عند قبري، قدر نحر جزور، وتفصيلها، كي أستأنس بكم حتى أعلم ما أراجع به رسل ربي.. وتوفي رحمه الله تعالى، وذلك كما روي يوم الاثنين من عيد الفطر سنة ثلاث وأربعين للهجرة، ودفن إلى جانب ضريح الإمام الشافعي، القائم إلى الآن في مصر. أقوال في عمرو بن العاص: مما قيل في عمر بن العاص رضي الله عنه: قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب، فانظروا عما تنفرج.. ويقصد بأرطبون العرب عمرو بن العاص رضي الله عنه (عمر بن الخطاب، رضي الله عنه). ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا .. (عمر بن الخطاب، رضي الله عنه). ورد في الجامع الكبير للسيوطي، وفي ابن عساكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم صل على عمرو بن العاص فإنه يحبك ويحب رسولك.. ورد الحديث عن أبي يخامر السكسكي مرسلا وفيه انقطاع. وفي الحديث الصحيح: أسلم الناس وآمن عمرو... كلمات في سجل التاريخ: من كلمات عمرو بن العاص رضي الله عنه في سجل التاريخ: قال عمرو بن العاص لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، لا تكن بشيء من أمور رعيتك أشد تعمدا منك، لخصاصة الكريم حتى تعمل في سدها، ولطغيان اللئيم حتى تعمل في قمعه، واستوحش من الكريم الجائع، ومن اللئيم الشبعان، فإن الكريم يصول إذا جاع، وإن اللئيم يصول إذا شبع.. من نصائح عمرو بن العاص رضي الله عنه لابنه قال: يا بني! إمام عادل خير من مطر وابل، وأسد خطوم خير من إمام ظلوم، وإمام ظلوم خير من فتنة تدوم، يا بني! مزاحمة الأحمق خير من مصافحته، يا بني! زلة الرجل عظم يجبر وذلة اللسان لا تبقي ولا تذر، يا بني استراح من لا عقل له. إن الرجل ثلاثة: 1- رجل تام 2- ونصف رجل.. 3- ولا شيء. فأما الرجل التام: فالذي يكمل دينه وعقله، فإذا أراد أمرا لم يمض به حتى يستشير أهل الرأي، فإذا وافقوه، حمد الله تعالى وأمضى برأيه، فلا يزال مضيه موثقا.. وأما نصف الرجل، فالذي يكمل الله دينه وعقله، فإذا أراد أمرا لم يستشر فيه أحدا، وقال: أي الناس كنت أطيعه، وأترك رأيي فيه لرأيه، فيصيب ويخطئ.. وأما الذي لا شيء فالذي لا دين له ولا عقل، ولا يستشير في الأمر فلا يزال مخطئا مدبرا.. يا بني، والله إني لأستشير في الأمر حتى خدمي.