حجوا قبل أن لا تحجوا !!

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فاحمد الله عز وجل أخي المسلم أن مد في عمرك لترى تتابع الأيام والشهور، فأمامك الآن موسم الحج الذي قد أشرق، وهاهم وفود الحجيج بدؤوا يملؤون الفضاء ملبين مكبرين أتوا من أقصى الأرض شرقا وغربا، وبعضهم له سنوات وهو يجمع درهما على درهم، يقتطعها من قوته حتى جمع ما يعينه على أداء هذه الفريضة العظيمة. وأنت هنا أخي الحبيب- قد تيسرت لك الأسباب وتهيأت لك السبل فلماذا تؤخر وإلى متى تؤجل؟! أما سمعت قول الله عز وجل: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران: 97. وقوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله (البقرة 196) وقوله جل وعلا: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق(الحج 27). أخي المسلم: الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، و صوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إلى ذلك سبيلا) متفق عليه. الوعيد الشديد لمن لم يحج أخي يجب على المسلم المستطيع المبادرة إلى الحج حتى لا يأثم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له (رواه أحمد). وعن عبدالرحمن بن سابط يرفعه: من مات ولم يحج حجة الإسلام، لم يمنعه مرض حابس، أو سلطان جائر، أو حاجة ظاهرة، فليمت على أي حال، يهوديا أو نصرانيا. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار، فلينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين (رواه البيهقي). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له مال يبلغه حج بيت الله، أو تجب عليه فيه الزكاة، فلم يفعل، سأل الرجعة عند الموت فقال له رجل: يا ابن عباس اتق الله، فإنما يسأل الرجعة الكافر، فقال: سأتلو عليكم بذلك قرآنا: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون(المنافقون: 9) رواه الترمذي وابن جرير. إلى متى التأخير فيجب عليك ـ أخي المسلم ـ المبادرة والإسراع إلى أداء هذه الفريضة العظيمة؛ فإن الأمور ميسرة ولله الحمد، فلا يقعدنك الشيطان، ولا يأخذنك التسويف، ولا تلهينك الأماني.. واسأل نفسك: إلى متى وأنت تؤخر الحج إلى العام القادم؟ ومن يعلم أين أنت العام القادم أفوق التراب أم تحته؟! وتأمل في حال الأجداد كيف كانوا يحجون على أقدامهم وهم يسيرون شهورا وليالي ليصلوا إلى البيت العتيق؟! وبعض الناس يتلبسه الشيطان بأعذار واهية.. فتراه يؤجل عاما بعد آخر معتذرا بشدة الحر وكثرة الزحام؟! فمتى عرف عن أيام الحج عكس ذلك؟!. بادر بالحج فقد وعدت بالأجر أخي المسلم: إن فضل الحج عظيم وأجره جزيل، فهو يجمع بين عبادة بدنية ومادية: فالأولى بالمشقة والتعب والنصب والحل والترحال، والثانية بالنفقة التي ينفقها الحاج في ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه متفق عليه. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: (إيمان بالله ورسوله) قيل: ثم ماذا؟ قال: (جهاد في سبيل الله)، قيل: ثم ماذا؟ قال: (حج مبرور) رواه البخاري. وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على التزود من الطاعات والمتابعة بين الحج والعمرة فقال: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير الحديد والذهب والفضة، وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة) رواه الترمذي. ومع هذا الأجر العظيم فإن أيام الحج قليلة لا تتجاوز أسبوعا لمن هم في أقصى البلاد ولله الحمد، وأربعة أيام لأهل مكة وما حولها!! أليست هذه ـ يا أخي المسلم ـ نعمة عظيمة؟ بلى والله ، إنها نعمة عظيمة فلا تتردد ولا تتهاون ؛ فالدروب ميسرة ، والطرق معبدة ، والأمن ضارب أطنابه ، ورغد العيش لا حد له.. نعم تحتاج إلى شكر، وحياة خلقت فيها للعبادة، فلا تسوف ولا تؤخر، وأبشر فأنت من وفد الرحمن، وفد الله، دعاهم فأجابوا وسألوه فأعطاهم. يوم عرفة يوم تقال فيه العثرات وأبشر بيوم عظيم تقال فيه العثرة وتغفر فيه الزلة فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة) رواه مسلم. فلتهنأ نفسك ولتقر عينك واستعد للقاء الله عز وجل واستثمر أوقاتك فيما يعود عليك نفعها في الآخرة فإنها ستفرحك يوم لا ينفع مال ولا بنون.. يوم تتطاير الصحف، وترتجف القلوب، وتتقلب الأفئدة، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى.. ولكن عذاب الله شديد. أخي الحبيب: اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، وللآخرة بقدر بقائك فيها، ولا تسوف فالموت أمامك والمرض يطرقك ، والأشغال تتابعك ولكن هربا من كل ذلك استعن بالله وتوكل عليه وكن من الملبين المكبرين هذا العام.