الفصل الخامس(جزء أول) لماذا ننام !!

الفصل الخامس لماذا ننام ؟ ( نظريات النوم ) ! ( الجزء الأول من 4 أجزاء) ( من كتاب بحوث في .. النوم والأحلام والتنويم (المغناطيسي) للدكتور أنور حمدي النوم .. أسراره وخفاياه لقراءة الفصول السابقة انظر اسفل الصفحة ..) بعد رحلة طويلة، من كد وعناء .. كدح وكفاح ! .. من مشقة ونصب .. ومكابدة وتعب ! .. يشتاق الإنسان، لا .. بل، يدفع ! إلى مضجع تستريح فيه الجنوب، وتسكن فيه الخطى ! . يشتاق الإنسان، لا .. بل يدفع ! إلى رحلة كل ليلة .. ( الرحلة العجيبة ) ! الرحلة التي نكررها كل ليلة، ولا نملها ! .. بل نطلبها !!، لأن حياتنا لا تستطيع الاستمرار بدونها . الرحلة التي يكررها البشر، منذ أن خلق الله على الأرض، بشر !.. الرحلة التي حيرت الإنسان منذ القديم، وأثارت انتباهه !. فما رأينا حضارة من حضارات الأرض، في مصر القديمة، وعند الإغريق والرومان، وفي الصين، إلا وفي أثارها ما يدل، على هذه الحيرة !! . الرحلة التي لا تزال تحير الإنسان، وتثير انتباهه ما يدل، على هذه الحيرة !! . الرحلة التي لا تزال تحير الإنسان، وتثير انتباهه ؛ حتى اليوم ! .. .. رغم أنه إنسان ..(الذرة )، و(الكمبيوتر ) و(رحلات الفضاء المكوكية ) ! هذه ( الرحلة العجيبة )، التي نشتاق إليها، وندفع ! .. التي نكررها، و لا نمل !.. التي حيرتنا منذ القديم، ولم تزل ! .. .. هذه ( الرحلة العجيبة )، التي ( تأخذ )، و( تستهلك ) من عمرنا .. ثلثه !.. (ندفعه )، ونمضيه فيها ونحن .. (راضين ) !، بل (راغبين ) ! بل (طالبين ) ! بل(مرغمين)، (مجبرين )!! وما أعجب .. الإجبار، مع الرضا ! .. والإرغام مع الرغبة ! . ..هذه ( الرحلة العجيبة (هي .... (النوم )! النوم الذي يضعف أمام سلطانه الإنسان ! .. ويستسلم إليه وهو جذلان ! .. ويرضى بسيطرته وهو نشوان ! .. فـ ( النوم سلطان ) ! . (سلطان ) . محبوب، مرغوب !! .. ولكن .. ما هذا السلطان ؟ ! ولماذا نستسلم له ؟! ولماذا نرضى بسيطرته ؟! ما هو هذا ( النوم ) ؟ ! .. وما تعريفه ؟! .. ولماذا نخضع له ؟ ! وبمعنى أوضح ( لماذا ننام ) ؟! .. في الواقع إن كل التعاريف للنوم، إنما هي ( تصف )!.. تصف، ما يحدث خلال هذه الظاهرة ! .. وتتفق على أن النوم هو حالة جسمية فيزيولوجية، يحتاج إليها الكائن طبيعيا، بصورة متكررة كل ليلة، وتدوم لفترة عدة ساعات، يكون خلالها الجهاز العصبي في حالة من الراحة، ويكون الوعي متوقفا تقريبا، يحث يكون هناك عدم نشاط في الإدراك والشعور ،و بالتالي يتوقف التفاعل الحسي والحركي مع البيئة الخارجية، ويرافق ذلك، عضلات مسترخية وعينان مغلقتان، وهدوء في التنفس، وبطء في الدورة الدموية والنبض . ويلخص جيمس دريفر James Drevers كل ذلك، بقوله عن النوم (إنه حالة فسيولوجية ليست مفهومة فهما واضحا فيها عدم حركة نسبيا، وفيها تفشل لاستجابات الواعية الصحيحة للمثيرات ) أما لماذا نخضع له ؟! . أما لماذا ننام ؟! .. فسؤال، حير ( الأقدمين )، الأقدمين ! .. وشغل فكر وأذهان المحدثين ! .. ودفع ( المحدثين ) من المحدثين ! .. إلى البحث والتجريب .. ..فكانت ( خرافات ) ؛ و(سخافات ) ! وكانت (تأملات )، وسبحات ) ! . وكانت (فلسفات )! و كانت ( نظريات )! .. صبي جميل .. بجناحين ! فعند ( الأقدمين ) الأقدمين ! .. كانت خرافات .. وكانت سخافات ! .. فالنوم إله يعبد! و لذلك صنعوا له التماثيل، وصوروه ! .. وتفننوا، فلونوه !! فتارة، على شكل (طائر الليل ) تخيلوه ! .. وبجناحيه المفضضين يطير بهدوء ! ..وبغصن رطب، مندى بماء نهر النسيان ( ليثي Lethe)، يلمس جباه البشر، فينقلهم إلى عالم الأحلام، والسحر ! .. أو بحفيف جناحيه، يثقل الجفون، فتغلق العيون ! وتارة على شكل (صبي جميل ) .. صوروه ! ..وبجناحين أنيقين أكملوه !! يبتسم للزمان، وقد غلب على عينيه النعاس ! يمس رؤوس المتعبين مسا رقيقا، فيرسلهم إلى(مملكته)!!. وتارة أخرى .. تخيلوه شيخا كل من الحياة . فنام على عصاه، في أثناء سفره على طريق الدهور ! وتارة قالوا إسمه هيبنوس Hypnos ( أي رب النوم عند الإغريق ) وهو شقيق رب الموت تاتاتوس ! .. وعدوا هذين الشقيقين من أبناء الجحيم !!- (إله ) .. وفي الجحيم!! وأضافوا له ألهة أخرى، للمساعدة والمعاونة !!، مثل أبو مورفيوس وفانتاسوس، وكلاهما يجلب النوم ! وأما (هوميروس )، فزعم أن إله النوم يقيم في جزيرة لمنوس، إحدى جزائر بحر إيجه !! .. ومن إله يقيم في جزيرة لمنوس ! . ومن إله . من أبناء الجحيم ! أنقلب النوم، في فترات أخرى، من حضارات أخرى ! إلى أرواح شريرة! فالأرواح الشريرة، تنتشر مع الظلام، وتجثم على صدور الناس، فتفرض عليهم النوم فرضا ! والإنسان فيه جانب شرير، ينشط في الليل، ويتغلب على روح الإنسان الطيبة، فيدفعه إلى النوم ! .. .. من ( إله ) و(شيخ فان )! من (طائر ليل ) و(صبي مجنح ) !! من خرافات، وترهات .. وسخافات وسذاجات ! ننتقل إلى .. (تأملات ) و( سبحات )! .. و(فتوح ) ! (ونظريات ) ! .. في الواقع إن الآلية التي يتم بها النوم آلية معقدة، ولم تكشف أسرارها النهائية حتى الآن! فلا تزال حقيقة النوم يحفها الغموض ! .. ولا تزال (مخابر النوم ) في العالم !، تطلع علينا بين فينة وأخرى، بجديد ! .. فهناك نظريات ( حديثة ) كثيرة، تحاول أن تبين لنا لماذا ننام ؟! ولماذا نخضع لهذا ( السلطان ) ؟ ! .. وسأحاول استعراض هذه النظريات واحدة بعد الأخرى .. ولكن قبل أن أفعل ذلك، أحب أن أشير، واستعرض، طائفة من الآراء، التي ظهرت عن طبيعة النوم، في عهد حضارتنا الإسلامية الزاهرة ! .. سنرى، عند مقارنتها بالنظريات ( الحديثة ) أن (حضارتنا ) قد سبقت إلى تلك النظريات .. وإن كانت اعتباراتها موجزة، ومقصورة على التأمل الفكري العميق، وعلى الملاحظة الدقيقة . من حضارتنا ! يقول ابن خلدون في (مقدمته ) : ( ولما كانت الحواس الظاهرة، جسمانية، كانت معرضة للوسن والفشل، بما يدركها من التعب والكلال وتفشي الروح بكثرة التصرف، فخلق الله لها طلب الاستجمام لتجرد الإدراك على الصورة الكاملة، وإنما يكون ذلك بانخناس الروح الحيواني من الحواس الظاهرة كلها ورجوعه إلى الحس الباطن ) . ويقول ابن عربي في ( الفتوحات المكية ) عن النوم : (هو الغيبة عن المحسوسات الظاهرة الموجبة للراحة، لأجل التعب الذي كان عليه هذه النشأة في حالة اليقظة من الحركة، وإن كان في هواها )! ويذكر المسعودي في (مروج الذهب ) مختلف الآراء المعروفة لعهده فيقول (فقال فريق:إن النوم هو اشتغال النفس عن الأمور الظاهرة، بملاقاة حوادث باطنة ). ومنهم من رأى النوم في اجتماع الدم وجريانه إلى الكبد . ومنهم من رأى أن ذلك هو سكون النفس وهدوء الروح ) . وجاء في ( كشافات اصطلاحات الفنون ) للتهانوي أن النوم : (حالة عارضة للحيوان، فيعجز عن الإحساسات والحركة الغير ضرورية والغير الإرادية، بسبب تصاعد أبخرة لطيفة سريعة التحلل إلى الدماغ، مغلظة للروح النفساني، مانعة عن نفوذه في الأعصاب . فقوله عن الإحساسات أي الحواس الظاهرة، إذ الحواس الباطنة لا تسكن في النوم، خلافا للبعض، فإنه زعم أن الحواس الباطنة تتعطل عند النوم . وقوله والحركات الغير ضرورية إلى آخره، للاحتراز عن الحركات الطبيعية كالتنفس ونحوها، فإنه لا يعجز عنها، ولهذا عرف أيضا بترك النفس استعمال الحواس تركا طبيعيا). .. وهكذا فالنوم .. هو رجوع الحواس عن الحركة، وسكون النفس وانقباضها مع الحرارة الغريزية، من الدماغ إلى داخل الجوف، وبخارات معتدلة تصعد من الجوف إلى الدماغ .. .. وسننقل لك عزيزي القارئ (بحثا) من كتاب المائة (في الطب ) وبعد إتمام الكتاب الذي بين يديك ! .. عد إلى هذا (البحث ) .. وأقرأه !! ثم قارن .. واحكم بنفسك !! ( قال أبو سله عيسى بن يحيى المسيحي : هذا هو الكتاب العشرون من كتبنا في صناعة الطب . وقصدنا فيه أن نتكلم في النوم واليقظة، والله تعالى هو المعين . فنقول : النوم هو إمساك القوة النفسانية عن أفعالها .. وهذه القوى هو قوى الإحساسات وقوة التحريك بإرادة . ومتى أمسكت هذه القوة عن تحريك البدن واستعماله استرخى واجتمعت الرطوبات والأبخرة التي كانت تتحلل وتتفرق بالحركات واليقظة في الدماغ.الذي هو مبدأ هذه القوى، فينحدر ويسترخي .ذلك هو النوم الطبيعي. وقد يكون الأمر بالعكس ذلك لعارض أو لمرض وذلك بأن تستولي الرطوبات استيلاء لا تقدر اليقظة على تفريقها أو تصعد بخارات رطبة كثيرة كما يكون بعقب الامتلاء من الطعام والشراب فيثقل الدماغ ويرخيه فيخدر وتقع إمساك القوى النفسانية عن أفعالها فيكون النوم . وكما أن في الحركة تنشأ الحرارة الغريزة وتذكو وتشتد، لأن من شأن الحركة أن تسخن الأجسام التي هي بالقوة حارة، وتزيد في حرارة الأجسام التي لها شيء من الحرارة ،لذلك في الكون يجود تأثيره هذه الحرارة فيما يؤثر فيه وتجود الهضم ! لأن كل مؤثر في شيء متى كان ما هو وما يؤثر فيه ساكنين أمكنة التأثير فيه بالمقدار الذي يجب وعلى النحو الذي يجب . فإذن النوم أحد الأشياء الضرورية لقوام البدن لأن به تفعل القوة الغذائية أفعالها على التمام . فينهضم الغذاء ويتوزع على الأعضاء، وتستعد الفضولات للتحلل . والحركة تذكي وتنمي الحرارة التي قلت في ذلك النضج وانفصلت عن الأشياء التي أنضجتها وأثرت فيها فتعود إلى حالتها وتقوى على ترقيق الفضولات وتحليلها وتصير معدة لنضج الغذاء الثاني . وعلى هذا دائما ينبغي أن يكون النوم متقدما على الحركة وتكون الحركة تالية للنوم، ليتم اغتذاء البدن واندفاع فضولاته، والأرواح( المقصود بتعبيرنا هو الطاقة) التي كانت تتحلل دائما لرقتها وسخونتها ولطافتها ولذلك تحتاج إلى أن تمد دائما، فإنها عند الحركة يتحلل أكثر مما تستمد من خارج، لأنها تصير أرق وألطف وأسخن فيضعف أفعال القوى كلها، لأنها إنما تفعل بتوسط الأرواح ولذلك يضعف الفكر والإحساسات والهضوم والقوة التي تقل البدن وتمسكه، فيحدث التعب والفتور فنحتاج إلى النوم الذي هو سكون عن كل حركة، فتصير استمداد الأرواح أكثر من تحللها وترجع إلى حالتها من الوفور، فيقوم الإنسان من نومه . وقد استراح من التعب وصار أذكى حسا وأنفذ عقلا وأقوى بدنا. واليقظان وإن كان ساكنا غير متحرك فإنه في الوسط بين المتحرك والنائم، لأن القوة المتحركة باختيار إنما تفعل فعلها على التمام عند الحركة وتمسك عن فعلها على التمام عند النوم، وأما عند اليقظة والسكون فهي تمسك الأعضاء وتقل البدن وتدعمه سواء كان قاعدا أو مضطجعا أو على شكل آخر بإرادته تمسك أعضاؤه على تلك الهيئة ولذلك صار القاعد متى نام سقط . والسكون شبيه بالنوم يفعل شيئا من أفعاله من الراحة عند التعب ونضج الغذاء ومواد الأمراض والزيادة في الروح . واليقظة شبيهة بالحركة، تفعل شيئا من أفعالها من تذكية الحرارة وتحليل الفضولات والأرواح، وكما أن البدن لا تدوم صحته على دوام الحركة ولا على دوام السكون، كذلك لا يدوم صحته على اليقظة وعلى دوام النوم . ولكن يحتاج إلى كل واحد منهما في وقته وبمقداره . والنوم يرطب البدن بمعنى أن البدن يتغذى أكثر وأجود ويتحلل رطوباته أقل فيصير أرطب مما كان، واليقظة تجفف البدن بمعنى أن البدن يتغذى أقل ويتحلل رطوباته أكثر فيصير أجف. وكما أن النوم مبدؤه الدماغ بمعنى أن إمساك قواه عن أفعالها هو سبب النوم، كذلك النوم ينفعه أكثر عند الحاجة من منفعة أعضاء أخر . ولذلك صار السهر المفرط يفسد مزاج الدماغ ويورث الضجر والبلادة ويضعف الفكر والرأي، وبالجملة يضر بأفعال القوى النفسانية ضررا عظيما. والنوم باعتدال يذكي العقل والحواس، ويرد الرأي الشارد، ويخفف نكاية الهموم النفسية والأفكار الردية . والنوم يخص نفعه الدماغ لأن راحته وإمساك قواه عن أفعالها . وأما منفعة القوة الغاذية فليس لأنها تستريح وتمسك عن فعلها بل لأنها تتمكن من فعلها أكثر ? أبلغ عند سكون البدن بالنوم . وأما منفعة القوة الحيوانية فلأنها تستريح عن حمل البدن . وإمساك أعضائه . وأما الزيادة في الأرواح عند النوم فنافعة للقوى كلها وهي للقوة الحيوانية أنفع لأن تحلل الروح الحيواني في الحركة أكثر .. والنوم يقوي القوة الطبيعية .. ويرخي القوة النفسانية والقوة الحيوانية . واليقظة تقوى القوة النفسانية والقوة الحيوانية وترخي القوى الطبيعية . والنوم يكثر فيه النضج ويقل الاستفراغ . واليقظة يكثر فيها الاستفراغ ويقل فيه النضج . والنوم يكون من رطوبة الدماغ بالذات و طبيعيا ومن برده بالعرض ومرضيا. وذلك أن البرد يخدر ويقل معه تفريق الرطوبات وتحللها التي كانت تتحلل وتتفرق بالحرارة فيحدث نوم أثقل من الطبيعي وذلك أمر مرضي ليس : بصحي واليبس يفعل سهرا بالذات وطبيعيا، والحرارة بالعرض ومرضيا على خلاف ما كان الأمر في النوم . وأشد ما يحتاج إلى النوم عندما يكثر تحلل البدن من الروح والرطوبات .ولذلك يكون نوم من قد أعيا أشد استغراقا خاصة إذا تناول طعاما مرطبا . وتناول الأغذية المرطبة والاستحمام بالماء العذب الفاتر على الرأس وشرب الشراب الممزوج بالماء يجلب النوم، ومن لم ينم بهذه الأشياء كان أمره رديا، لأنه يدل على تمكن اليبس منه . والنوم لا يحدث عن الحرارة، ومتى كان مع حرارة كان مضطربا مشوشا كثير التفزع والأحلام، سريع اليقظة . والسهر قوي في إفساد الدم إلى المرارية وإضعاف الهضم وجلب الأمراض وخاصة في الأبدان النحيفة المرارية . ومن كان في بدنه اخلاط يحتاج إلى النضج فإن النوم ينضجها، ومن كان محتاجا إلى التحلل فاليقظة . والنوم يجذب الأخلاط إلى باطن البدن فإن كل استفراغ دم من جراحة قطعه ،وكذلك القيء والإسهال والحركة تهيج الاستفراغات وتنشر المواد والرطوبات، والسكون يسكنها في أماكنها والأخلاط التي تحتاج إليها إلى أن ترق وتحلل ..فاليقظة نافعة لها ولكن بعد لتقدم إنضاجها بالنوم . والأخلاط الباردة يضرها النوم الطويل، ويضر النوم في حميات معها أورام الأحشاء،إذا كان النوم في ابتداء دور الحمى وذلك أن المواد تنصب إلى باطن البدن في النوم فيزيد في الورم، ومتى كانت الأخلاط الدموية غالبة فاليقظة أنفع من النوم خاصة إذا كانت القوة قوية . ومتى كان الأمر بالضد من ذلك فالنوم أفضل، والأبدان المرية والأمراض الحارة ينفعها النوم والسكون . والأخلاط النيه والأمراض الباردة لا يستغني فيها عن الحركة في بعض الأوقات. والنوم يرطب في جميع الأحوال وليس من شأنه أن يسخن أو يبرد في جميعها، ولكن يسخن في حال ويبرد في أخرى أما تسخينه فمتى صادف في البطن أطعمة وفي العروق أخلاطا نية وباردة، فيقوى القوة الطبيعية في النوم فتهضم تلك الأطعمة والأخلاط، فيتولد منها دم جيد، فيسخن به البدن، وكذلك متى كانت في البدن حرارة غريبة أو حمى بسبب ورم في بعض الأحشاء فإن النوم في ابتداء النوبة يجمع تلك الحرارة والمواد داخل البدن ولا يدعها تتحلل أو تنتشر في جميع البدن فيسخن البدن أكثر مما كان قبل النوم بحرارة غريبة، ومتى كان النوم بعد الهضم وخلو العروق من الأخلاط التي ينبغي أن ينهضم لم يكن في البدن شيء ينشؤونه الحرارة في النوم ولم يكن للبدان أيضا حرارة الحركة واليقظة، فيبرد البدن . ومتى نام الإنسان وبه حمى من عفونة أخلاط نية وكان في الطبيعة فضل قوة يمكنها نضج تلك الأخلاط حتى يتولد منه دم جيد ! فإن البدن يسخن حينئذ ويبرد معا . أما سخونته فبالحرارة الغزيزية، أما برودته فمن الحرارة الغريبة والسهر يفعل في كل واحد من هذه الأفعال ضد ما يفعله النوم . والنوم المعتدل يولد دما محمودا، والنوم المفرط يفسد الأخلاط، والناقص يجعلها مرارية. والأصوات الملذة والمستوية مثل خرير الماء ونحوه، إذا لم يكن شديدا والتعب واسترخاء القوة والاستراحة من وجع والظلمة والسكون كلها جالبة للنوم ? والمحموم ينتفع بالنوم عند انحطاط النوبة، كما يستضر به عند ابتدائها، ولذلك صار المحموم متى ضره النوم عند انحطاط حماه دلى على خطر شديد لأنه لما لم ينتفع بما هو أنفع الأشياء له في ذلك الوقت، دل على أنه في حالة ردية خبيثة، ومتى كانت الأخلاط رديئة خبيثة، كان النوم أضر على العليل من اليقظة، لأن النوم عند ذلك يزيد في الحمى والوجع لجمعه تلك الأخلاط داخل البدن، واكثار سيلانه إلى الموضع الذي يسيل إليه. ولذلك يزيد في ورم الأحشاء والسبب في ذلك هو أن الورم الحرارة الغزيزية متى كانت مستولية على الأخلاط انضجتها في وقت النوم، ومتى كانت الأخلاط أغلب من الحرارة مع اجتماعها داخل البدن دل على ضعفها في الغاية فكان علامة شر عظيم . وإنما صار النوم ضارا في ابتداء نوبة الحمى لأنه يجمع الحرارة في باطن البدن فإن كان هناك ورم يهيجه، وإن كان أخلاط رديئة ازدادت رداءة . والنوم في هبوط الحمى جيد لأنه ينضج الأخلاط ويدفعها إلى الخارج . والأحلام المختلطة الردية تكون من أخلاط ردية ترتفع بخاراتها إلى الدماغ . ومتى لم يكن في البدن اضطراب أصلا قلت الأحلام . والنوم الطويل الغرق، إذا عرض للأصحاء من غير سبب يوجبه كتقدم تعب أو غيره، فذلك منذر بمرض، وإذا عرض للمرضى دل على الإقبال في أكثر الأحوال. وظاهر بدن النائم أبرد من باطنه، ولذلك يحتاج إلى فضل دثار في زمان . لو كان منتبها لم يحتج إليه . ويعظم التنفس مع ذلك لأن الحرارة في الباطن أشد منها في حالة اليقظة . والسهر يجوع الإنسان لأنه يقل فيه إغتذاء البدن ويكثر تحلله فتزداد الحاجة، والأمر في النوم بضد ذلك . والنوم القليل بعقب الدواء المسهل والقيء يسكن التعب الذي تنال البدن منهما، وينضج بقية الأخلاط التي لم تستفرغ . والنوم الكثير على الجوع وعلى الاستفراغ يطفئ الحرارة الغريزية . ومتى كان النوم يغير لون البدن إلى أرداء مما كان في اليقظة أو يجلب وجعا أو يجفف البدن كله كان مضرا رديا . والنوم بالنهار يغير اللون إلى الرداءة ويرخي ويضعف الشهوة ويحدث الكسل . والنوم مستلقيا يضعف الهضوم، إلا أنه يريح العضل أكثر، ولذلك صار المريض الضعيف، ومن قد تعب جدا يؤثر الاستلقاء في النوم على الجنب . ومن أدام الاستلقاء أسرعت إلى صدره النوازل . والنوم بالغداة بعد الانتباه من نوم الليل والقيام وقبل الحركة والغذاء مضر جدا،لأنه يرخي البدن، ويفسد الفضولات التي يجب تحليلها بالرياضة، فيحدث تكسرا وإعياء وضعفا)انتهى . حرفيا - ! والآن ..ننتقل إلى استعراض النظريات ( الحديثة ) و( الأحدث ) ! . والتي تحاول أن تفسر (لماذا ننام ) ؟ ! .. وهذه النظريات هي 1 نظرية النوم الوعائية . 2 نظرية النوم الكيماوية . 3 النظرية الموضعية للنوم . أ (مركز النوم الدماغي ) ب (المراكز المبعثرة المتصلة ) للنوم واليقظة . ج نظرية التغذية المرتدة لليقظة والنوم . 4 نظرية الكف والإثارة (نظرية بافلوف ). 5 نظرية ( النوم عادة ) ! ( أقرأ تفاصيل هذه النظريات في الجزء الثاني يوم الاثنين 20 ذو الحجة 1422هـ الموافق 4 مارس 2002م )