مولودك المنتظر.. هل تريده ذكرا أم أنثى؟!!

الناس مفطورون على حب الأولاد وإنجابهم، لا يختلف في ذلك أحد، إلا أن تفضيل جنس من الأولاد على الآخر هو الذي تختلف فيه رغبات الناس وتطلعاتهم، فالبعض يتمنى أن يكون له ذكر، والآخر يتمنى أن يكون له أنثى، وتزداد هذه الرغبات مع وجود جنس واحد عند الأبوين. الطب الحديث أصبح الآن بتقدير الله جل وعلا يستطيع التحكم إلى حد ما في هذا الأمر، يعني في تحديد جنس الجنين الذي يريده الأبوان قبل تخليقه، وقد أجريت مؤخرا عدة عمليات من هذا النوع في الولايات المتحدة الأمريكية بلغت ما يقارب من 200 عملية جراحية كللت كلها بالنجاح حسب ما أعلنته وزارة الصحة هناك. وقد بعث مثل هذا الإنجاز والتقدم الأمل عند الكثيرين إلى تحقيق آمانيهم في نوع الجنين الذي يريدونه، ذكرا كان أو أنثى، ولكن يتبادر إلى ذهن كل مسلم غيور على دينه حرص على التمسك بأحكام الله أسئلة عدة يحتار فيها، وهي: هل مثل تلك العمليات جائزة في الإسلام؟ وكيف يمكن أن نوفق بين ما يذكره الأطباء وبين تفرد علم الله جل وعلا بالغيب؟ وكيف يمكن الجمع بين هذا الأمر وبين العقيدة الراسخة الواضحة وهي أن الأولاد هبة من الله جل وعلا؟ توجهنا بكل هذه الاستفسارات إلى فضيلة الدكتور رأفت عثمان سعيد (أستاذ الفقه المقارن وعميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الشريف وعضو المجمع الفقهي ومجمع البحوث الإسلامية وكان أول هذه الأسئلة حول الحكم الشرعي لمثل هذا الأمر من بدايته هل يجوز أم لا يجوز؟وما هي الأدلة الدالة على ذلك؟ فقال حفظه الله: نرى كثيرا من الناس ممن رزقهم الله أولاد ذكورا يتمنون أن يرزقوا بأنثى، وكثيرا منهم ممن رزقوا إناثا يتمنون أن يرزقوا بذكر، وهذه طبيعة الناس منذ القدم وليس أمرا طارئا، وقد كان الناس في القديم يتخذون من الوسائل ما يوصلهم إلى مبتغاهم، ويحقق آمالهم، ولكن وسائلهم كانت وسائل بدائية لم يثبت العلم جدواها، ولذا كانت عقبة كؤودا في طريقهم. والآن بعد أن استطاع العلماء بقدرة الله عز وجل أن يذللوا العقبات التي تقف في طريق الاستجابة لرغبة الوالدين، في أن يكون الحمل ذكرا أو أنثى، فإنني لا أرى في هذا العمل دليلا يحرمه، وإنما يدخل هذا في باب المباحات، ويمكن الاستناد في هذا الحكم إلى الأمور الآتية :- القاعدة الأصولية أن الأصل في الأشياء الإباحة الأمر الأول: القاعدة الأصولية القاضية بأن الأصل في الأشياء النافعة الإباحة ما لم يرد حظر من الشرع ولم يرد يوجد حظر في هذه القضية حتى يغاير حكم الأصل من الحلال إلى الحرام إذا كان يجوز منع الحمل من أساسه فيجوز منع بعضه الأمر الثاني : أن العلماء أجمعوا على جواز الدعاء الطلب من الله عز وجل فيرزق الإنسان بذكر أو أنثى، ومن المعلوم أن كل ما جاز الدعاء به جاز فعله، وكل ما لا يجوز فعله لا يجوز الدعاء به، لأن من شروط الدعاء أن يسأل الإنسان ربه أمرا غير محرم، وصريح القرآن الكريم يدل على جواز الدعاء بالطلب من الله أن يرزق الإنسان ذكرا، كما حدث عندما دعا نبي الله زكريا عليه السلام أن يرزقه الله ولدا ذكرا وهو في قوله الله تعالى في سورة مريم ...فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا فاستجاب الله دعاءه بقوله يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا الأمر الثالث : أنه ورد من السنة الشريفة ما يفيد جواز ا لعذل روى جابر بن عبد الله قال: كنا نعذل والقرآن ينزل فلم ننه عنه. ولمسلم كنا نعذل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وروى جابر أيضا أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية هي خادمتنا وساقيتنا وإني أطوف عليها وأكره أن تحمل فقال: اعذل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها رواه أحمد ومسلم وأبو داود . والعذل معناه إلقاء النطفة في نهاية الجماع خارج المرأة، وهذا كما هو واضح منع للإنجاب من الأصل، وإذا كان من الجائز منع الإنجاب من أصله فإن اختيار نوع من الحمل ومنع النوع الآخر عند بداية التلقيح يكون هو الآخر مباحا. ولكن فضيلة الدكتور، قد يرد على كثير من الناس إشكال، وهو: كيف أن الله جل وعلا بين في كتابه أنه وحده المطلع على الغيب وبين إجراء مثل هذه العمليات؟ نعم قد يثار في هذا الخصوص أن التحكم في نوع الجنين ينافي ما بينه القرآن الكريم، أن ما في الأرحام أحد أمور خمسة استأثر الله عز وجل بعلمها، وهي قوله سبحانه: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ما ذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ولا نرى المنافاة بين الأمرين، لأن علم الله عز وجل ليس محصورا بوسيلة من الوسائل، كما هو الحال بالنسبة لعلم الإنسان بما في الرحم، كما أن علمه تبارك وتعالى ليس مسبوقا بجهل، كما هو حاصل عند الإنسان، وليس مخصوصا بالظن والتردد كعلم الناس. فضيلة الدكتور نحن نؤمن أن الأولاد هم هبة من الله جل وعلا، يعطيهم من يشاء ويمنعهم من يشاء من عباده، وقد يعطيهم صنفا دون صنف، وهكذا فكيف نوفق بين هذه العقيدة وبين جواز إجراء مثل هذه العلمية؟ الأولاد هبة من الله عز وجل المبينة، وقد بين الله جل وعلا ذلك في كتابه فقال لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير هذه هي عقيدة كل مؤمن لا يتحقق الإيمان إلا بها، وأقول إنه لا منافاة في التحكم في نوع الجنين باتخاذ القانون الذي خلقه الله عز وجل، وكون الأولاد هبة منه سبحانه، لأن تعاطي الأسباب لا يؤثر بذاته في حصول المسببات، والأسباب هي ذاتها مخلوقة بإرادة الله وقدرته، فكل شيء حادث في الكون لا يكون إلا بإرادته وقدرته وأمره، فإذا أراد تعالى هبة الذكر أو هبة الأنثى أتاح السبب وجعله مؤثرا في مسببه، وإذا لم يرد ذلك فلن يكون للسبب أثر، ونظير الآية الكريمة المبينة أن الله تعالى واهب الأولاد، الآية الكريمة المبينة أن الله عز وجل مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وهي قوله تعالى قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير فمع أن الله عز وجل يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء، فإن هذا لا يكون مانعا من أن يتخذ الإنسان الأسباب التي تؤدي بحسب العادة والغالب إلى العزة والبعد عن المذلة. فالرغبة في نوع من نوعي الأولاد، والسعي في اتخاذ الأسباب الموصلة إلى تحقيق هذه الرغبة بواسطة النظام الوارثي الذي وضعه الله في خلقه وكشفه العلم فاستفاد به، هو من قدر الله عز وجل لو شاء حقق رغبة الراغبين في نوع من نوعي الأولاد وإن شاء لم يحققه فكل شيء من قدرته وقدره تبارك وتعالى.