عليك أن تكون إنسانا عاديا لتعيش

عشق محب الدين النجارة وتعلمها، وأتقن الفن فيها، وأصبح حديث النجارين وفناني النحت على الخشب وأصحاب الأثاث والتحف، فصار له صيت عال وهو لا يزال في ريعان شبابه. بقي محب الدين عاشقا لمهنته، ولكنه كان في ضائقة مالية كبيرة، فلجأ إلى كبير الحكماء قائلا له: سيدي، أرجوك أن تساعدني فأنا نجار ماهر، ولدي من أسرار الصنعة ما جعلني أقدم فيها أجمل الأعمال وأصعبها وأجودها، ولكني عاطل عن العمل فماذا أفعل؟ تعجب كبير الحكماء وقال له: لماذا أنت عاطل والأعمال كثيرة! والحاجة إلى النجار تكون في أعمال عديدة في البيت والمتجر والعمل. فقال حقا ما تقول؟ ولكن الناس لا يطلبون مني أي عمل، فهم يعطونها غيري وهو الأقل مني جودة وفنا!! قال له كبير الحكماء أعطني مهلة أسبوع وعد إلي بعد ذلك!! عاد إليه بعد أسبوع، عاشه محب الدين في قلق وانتظار! قال له كبير الحكماء لقد سألت عن أعمالك، ووجدت الناس يتحدثون عن نقوشك الخشبية الرائعة في المعبد الكبير، ووجدت أن عملك في قصر المهراجا جعله يفاخر به الملوك، وجعلت قصره مزارا لمشاهدة أعمالك الرائعة. تبسم محب الدين لهذا الإطراء، ولكنه كان يستعجل كبير الحكماء لينهي قائمة الأعمال العظيمة السابقة فهو يريد قائمة الطلبات القادمة. استمر كبير الحكماء فقال: يا محب الدين، وجدت الناس معجبة بأعمالك الجميلة الكبيرة المعقدة، وخافوا من تكليفك بأعمالهم البسيطة التي لا تحتاج إلى هذا الفن والدقة التي تقدمها أنت في عملك، إنك بهذا رفعت عملك عن متناول ورغبات الناس العاديين، إنهم يطلبون لأنفسهم أعمالا بسيطة فهم لا يريدون مكتبة مملوءة بالنقوش الدقيقة والفنون الجميلة والزخارف الخشبية المتوازنة، إنهم يطلبون مكتبة بسيطة الإعداد والإنجاز قليلة التكاليف، فهذا ما يطلبه الناس ليكلفوك بالعمل، عملك يقدره الناس ولكنهم لا يطلبونه!! وماذا أعمل يا سيدي؟ سأله محب. قال كبير الحكماء أن تعمل على تلبية طلبات الناس حسب احتياجهم، فهم يطلبون البساطة وتحقيق الغرض من المهمة المطلوبة بأقل التكاليف، وهذه هي رغباتهم. ولكني لا أجيد ذلك، فأنا أصنع التحف، وعملي فن رفيع ولست نجارا عاديا. أذن تعلم أن تكون نجارا عاديا لكي تعيش وتكسب لقمة العيش التي تبحث عنها. وعليك أن تبدأ التعليم مرة أخرى لتكون نجار يقدم خدماته العملية للناس.