الدعوة العائلية .. هل تحظى بالاهتمام؟

ى الرغم من أن بعض الدعاة يبذلون جهدا فائقا في الدعوة بين أفراد حقل دعوتهم في الحي والعمل أو أماكن الدراسة أحيانا، إلا أن الملاحظة أن بعض هؤلاء، على الرغم من الجهد الذي يبذلونه بصدق وإخلاص، يفوتهم أن يوجهوا جزءا من هذا الجهد إلى أفراد عائلتهم ومحيطهم الأسري، بل وفي أحيان أخرى قد تتوتر علاقة الداعية بأفراد عائلته بسبب أمور متصلة بالدعوة وخاصة مع صغر سنه وحداثة خبرته الدعوية. وبصفة عامة، فإن الداعية فيما يتعلق بعلاقاته مع أفراد عائلته قد يكون على واحدة من ثلاث حالات، داعية مشغول بقضايا الدعوة خارج نطاق عائلته، مما يسبب له غالبا برودا في مواقفه وعلاقته مع أفراد عائلته من الناحية الدعوية، وداعية أغلق نفسه على مجموعة من الأقارب الذين انتقاهم بعناية على أساس من التوافق والانسجام، ومن خلال خبرته السابقة معهم من أنهم يستجيبون عادة إلى نشاطه الدعوي، و داعية ثالث له نشاط دعوي بين أفراد عائلته ولكن هذا النشاط يتم غالبا بطريقة عشوائية، وبدون أن يكون هناك تخطيط أو متابعة له، وقد يكون ذلك على خلاف ما يقوم به نفس الداعية فيما يتعلق بحركته الدعوية بين أفراد حقل دعوته خارج نطاق الأسرة. أهمية الدعوة العائلية إن الدعوة العائلية جانب لا يمكن فصله عن الواجب الشرعي بصلة الرحم، بل إن القرآن الكريم ينقل لنا أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم (وأنذر عشيرتك الأقربين) (الشعراء:214) روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أنه لما نزلت هذه الآية أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد ثم نادى: يا صباحاه فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه ورجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني عبد المطلب! يا بني فهر! يا بني لؤي! أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا: نعم. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستهل دعوته العالمية التي ستصل فيما بعد إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها بدعوة عشيرته وقرابته من خلال نداء خاص لهم، ولعل هذا يوجه كل داعية إلى أهمية توجيه مزيد من الجهد فيما يتعلق بالنشاط الدعوي إلى أعضاء أسرته الصغيرة وأفراد عائلته بقدر ما يوجه من جهد دعوي إلى باقي أفراد حقل دعوته إن لم يكن يزيد عليها. سمات الدعوة العائلية وللدعوة العائلية سمات تتميز بها عن الدعوة العامة، وهذه السمات قد تختلف في تفاصيلها الدقيقة من عائلة إلى أخرى، ولكنها في كل الأحوال تصب في اتجاه خدمة الدعوة نفسها، بل وتمهد الطريق أمام الداعية الفرد إلى الانطلاق بثقة وثبات نحو باقي أفراد حقل دعوته. كثرة الأفراد وسهولة احتكاك الداعية بهم فمن السمات المشتركة للدعوة العائلية بصفة عامة أن عدد الأفراد الذين يتم الاحتكاك بهم في إطار هذه الدعوة يعتبر وفقا لمعايير العمل الدعوي عددا كبيرا جدا، وذلك في كل الحالات تقريبا، ومهما صغرت العائلة التي ينتمي إليها الداعية. ومن خصائص الدعوة العائلية لذلك سهولة الاحتكاك بالأقارب والوصول إليهم في كل المناسبات والأوقات، بل أن بعض هؤلاء الأقارب قد يشارك الداعية في نفس مسكنه مما يجعل من النشاط الدعوي للداعية عملية مستمرة لا تنقطع إذا تم تطبيقها بطريقة سليمة. التركيز على دعوة النساء كما أن من مميزات الدعوة العائلية أيضا أنها تسهل على الداعية الوصول إلى محارمه من بين نساء الأسرة والتأثير فيهن، وهي مسألة هامة لا شك في ذلك، خاصة في ضوء أن النساء بصفة عامة أقل احتكاكا بالدعوة ووسائلها، على الرغم من خطورة الدور الذي يمكن أن تلعبه النساء في هذا الصدد خاصة فيما يتعلق بتربية الأطفال والتأثير فيهم. بعض الأفكار للدعوة العائلية : هناك طرق كثيرة للدعوة إلى الله جل وعلا، ولكن نظرا لتمييز الدعوة العائلية عن الدعوة العامة، فإنه يمكن للداعية استخدام هذه الطرق الدعوية والتي قد تكون أكثر تأثيرا من غيرها، وربما تشترك بعضها في الدعوة العامة وهي كالتالي: 1- إعداد المسابقات الثقافية لجميع أفراد الأسرة، وخاصة الأطفال والناشئين لاستغلال الوقت ورفع المستوى الثقافي لهم. 2- توزيع الجهود الدعوية الموثقة كشرائط الكاسيت أو الكتيبات والملصقات الدعوية على الحاضرين في المناسبات العائلية. 3- توقير كبار العائلة وإكبارهم والتذكير بمكانتهم بين أفراد الأسرة، وسيكون ذلك دافعا لهم على مساندة مثل هذه اللقاءات والمشاركة فيها أو على الأقل تجنب معارضتهم لها. 4- دعوة بعض الثقات من ذوي العلم والثقافة الدينية الواسعة لحضور بعض هذه اللقاءات للاستفادة من علمهم ومحاولة إقامة صلات بين أفراد الأسرة وبينهم. 5- الاستفادة من بعض العادات والتقاليد غير المخالفة للشرع لدى بعض العائلات واستثمارها دعويا، وعلى سبيل المثال ما اعتادت عليه بعض النساء من زيارة قريباتهن المتزوجات حديثا أو ممن رزقن بمولود جديد أو القادمة من سفر طويل، ويمكن للداعية أن يضيف للهدايا التقليدية في مثل هذه المناسبات بعض الوسائل الدعوية مثل الكتيبات وأشرطة الكاسيت أو النشرات التي تهتم بمسائل الدعوة. 6- الاهتمام بالأطفال الناشئين بين أفراد العائلة، فهذه الفئة تقليديا من أهم قطاعات حقل الدعوة لأي داعية نظرا لحداثة تكوين الاتجاهات لديهم واستعدادهم الطبيعي للتقليد واتخاذ القدوة في مثل هذا السن. التزام الداعية بما يدعو إليه سبب في نجاح دعوته وفي هذا الإطار لا يفوتنا التأكيد على أهمية أن يعمل الداعية بما يدعو هو نفسه إليه، ويبتعد عما ينهى عنه، يقول الله تعالى في كتابه العزيز (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) (الصف:2) وجاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه يعني أمعاءه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟! أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه. انفتاح الداعية على عائلته لا يعني المداهنة ويجب في هذا المجال التأكيد على أن انفتاح الداعية على أسرته وباقي فروع عائلته وأفرادها لا يعني في نفس الوقت مداهنة الداعية، فيشارك أو يحضر بعض المنكرات التي قد تشيع في أوساط بعض العائلات، كحلقات الزار مثلا أو الاختلاط غير الشرعي بين الرجال والنساء من غير المحارم، أو الأفراح التي ترتكب فيها بعض الأمور المخالفة للشرع، أو أن يسكت الداعية عن بعض المنكرات التي لا ينبغي له السكوت عنها، وخاصة إذا كانت هذه المنكرات تمس معلوما من الدين بالضرورة. أمور ينبغي مراعاتها أثناء الدعوة وفي كل الحالات سيكون على الداعية التركيز على بناء العقيدة وتثبيت قواعد الإيمان لدى أفراد أسرته، والاهتمام في هذا الصدد بالمسائل المتعلقة بالعقيدة والإيمان، مثل تعليم التوحيد ومعنى لا إله إلا الله محمد رسول الله، والحرص على بناء الحصانات الفكرية ضد الشبهات الموجهة للإسلام، وبناء الحصانة ضد الفرق الضالة، ولتحقيق ذلك في جانب هام منه يمكن للداعية استخدام الرقائق والوعظ بالترغيب والترهيب، وتعظيم الله في القلوب مع الحرص في نفس الوقت على عدم التعالي، أو الظهور بمظهر الأستاذ أو العالم الذي يعرف أكثر من الآخرين، كي لا يثير ذلك ضده بعض أفراد عائلته، وخاصة كبار السن منهم، مع ضرورة الانتباه إلى وسائل الهدم في العائلة، سواء كانت هذه الوسائل أجهزة أو بعض الأشخاص من بين أصدقاء السوء لبعض أفرادها، بالإضافة إلى حصر المخالفات الشرعية الموجودة في العائلة والتي تتكرر بين أفرادها للتركيز عليها وإصلاحها تدريجيا، والحرص على التواصل مع من يشيع بينهم مثل هذه المخالفات والتودد إليهم وتقديم الهدايا لهم، مما لأثر الهدية في تأليف القلوب وترويض النفوس المستعصية وتحبيب الآخرين في الداعية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم تهادوا تحابوا، وتذهب الشحناء. الحذر من اليأس والقنوط وفي كل الأحوال يحسن بالداعية بل ويجب عليه عدم اليأس أو استعجال النتائج، وهو ما يصبح أكثر أهمية عند الدعوة بين أفراد الأسرة الواحدة كي لا يؤدي مثل هذا الاستعجال إلى نتائج عكسية داخل الأسرة الواحدة، ويتذكر الداعية في هذا الصدد قول الله تعالى: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) (الاسراء:106) صدق الله العظيم.