البكاء والأسف على ذهاب الشباب

ما بكت العرب شيئا مثلما بكت الشباب، وما بلغت به ما يستحقه، وكانت تلك القصائد صادقة العاطفة ومرهفة الإحساس. حيث قال إسحاق الموصلي: قال لي المعتصم: لقد فضحك الشيب في عارضيك، فقلت: نعم يا سيدي، وبكيت ثم قلت: تولى شبابك إلا قليلا وحل المشيب فصبرا جميلا كفى حزنا بفراق الصبا وإن أصبح الشيب منه بديلا فلما رأى الغانيات المشيب أغضين دوني طرفا كحيلا سأندب عهد انقضاء الصبا وأبكي الشباب بكاء طويلا وقال الأصمعي: من أحسن ألفاظ الشعر المراثي والبكاء على الشباب، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الدنيا العافية، والشباب الصحة. وقال ابن أبي حارثة: ولى الشباب وعصره لو يستعار جديده فيعار ما كان أقصر ليله ونهاره وكذاك أيام السرور قصار ومن ألفاظ أهل العصر: الشباب باكورة الحياة، وروائح الجنة في الشباب، أطيب العيش أوائله، كما أن أطيب الثمار بواكرها، وقال أحد الشعراء شيئان لو بكت الدماء عليهما عيناي حتى تؤذنا بذهاب لم أبلغ المعشار من حقيهما فقد الشباب وفرقة الأحباب وقال الصولي: قد أكثر ذكر الشباب القدماء وأهل الإسلام، وأجمع الحذاق بالشعر وتمييز الكلام وألفاظه أنه لم تقل فيه أحسن من قول منصور النمري، ووقع الإجماع عليه هو: ما تنقضي عبرة مني ولا جزع إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع بان الشباب وفاتتني مسرته صروف دهر وأيام لها خدع ما كنت أوفي شبابي كنه غرته حتى انقضى فإذا الدنيا له تبع إن كنت لم تطعمي ثكل الشباب ولم تشجي بغصته فالعذر لا يقع أبكي شبابا سلبناه وكان لا توفي بقيمته الدنيا ولا تسع ما واجه الشيب من عين وأن رفعت إلا لها نبوة عنه ومرتدع