التربية بالضرب بين الإيجابيات والسلبيات وموقف الإسلام؟

ا شك أن تربية الأولاد وتنشئتهم على الخلق والدين واحترام الآخرين والاهتمام بأمورهم وعدم عصيانهم وتمردهم أمر يشغل بال الكثير من الأباء والأمهات، وهذا أمر لا غبار عليه، بل هو أمر محمود أرشد إليه الإسلام وحث عليه، بل وسيحاسب عليه الإنسان أبا أو أما يوم القيامة. والمشكلة تكمن في الوسيلة التي يلجأ إليها الآباء والأمهات لتربية أولادهم وتعليمهم. ونحن هنا لن نتعرض لكل وسائل التربية المستخدمة، وإنما لوسيلة واحدة هي الوسيلة السهلة عند الكثير من المربين. إنها وسيلة الضرب، تلك الوسيلة التي لها إيجابيات كثيرة إذا استخدمت في موضعها وبقدرها، وهي في نفس الوقت لها سلبيات خطيرة إذا أفرط في استخدامها، أو استعملت بطريقة غير صحيحة. عناية الشريعة الإسلامية بهذا الأمر ونظرا لأهمية هذا الأمر في الإسلام فإنه قد اعتنى به، وجعل له ضوابط وقيودا حتى لا يتحول الأمر من الاستفادة منه إلى سلبيات وتبعات ضارة على الفرد والأسرة. والمتتبع للشريعة الإسلامية يجد أنها اتخذت موقفا وسطا تجاه هذه الوسيلة في التربية، فهي بشموليتها راعت الإيجابيات التي يمكن أن تجنى من خلاله، وفي نفس الوقت تلافت السلبيات التي قد تحدث نتيجة التعسف أحيانا في استخدام مثل هذه الوسيلة. الشريعة الإسلامية ومبدأ الضرب يكاد يكون الجميع قد سمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بضرب الولد الذي يأبى الصلاة إلا في سن العاشرة، مع أنه قبل ذلك أمره بتوجيه أولاده للصلاة وهم في سن السابعة، ومعنى ذلك أن الفارق بين التوجيه بالكلمة والتوجيه بالضرب ثلاث سنوات، فانظر كيف أخر النبي صلى الله عليه وسلم التأديب بالضرب طيلة ثلاث سنوات ولم يشرع للوالد إلا التأديب والتوجيه بالكلمة، ذلك لما ذكرناه من أن للضرب أثارا سيئة، ينبغي للمربي أن لا يغفل عنها، وإذا ظل الوالد يأمر ولده بالصلاة لمدة ثلاث سنوات ثم بعد ذلك يأبى الولد أن يصلي فمعنى ذلك أن هذا الولد عنده من العناد والإصرار على الخطأ ما يستحق معه الضرب، وبالتالي يكون له تلك النتائج الطيبة. هذا كله على أن يضع في الاعتبار أن الضرب لا يكون مبرحا، كما ورد في الحديث الآخر، ذلك أن الضرب المبرح لا يأتي إلا بنتائج عكسية، فهو يتحول إلى كره شديد لدى مستخدمه، بالإضافة إلى أنه يوحي إليه أن المستخدم له إنما يستخدمه كنوع من الانتقام لا التأديب والتهذيب. الأصل في معاملة الأطفال في الإسلام يقرر فضيلة الشيخ محمد عيد العباسي أن شريعة الإسلام امتازت بأنها تحقق العدل وتراعي مصالح الناس، والأطفال جيل الغد وامتداد الأمة في المستقبل، ولذلك دعت الشريعة إلى إحسان تربيتهم ووجهت إلى جميع السبل الكفيلة بذلك، ابتداء من اختيار الزوجة ونهاية بالضرب. ويبين فضيلته أن الأصل في الشريعة الإسلامية أن يؤدب الطفل برفق، ويستعمل معه أسلوب الموعظة واللين، إذا لم ينجح هذا الأسلوب كان من الجائز عند ذلك أن يستعمل العقاب بالتوبيخ والزجر والضرب غير المبرح. ومع هذا فإن اللجوء إلى الضرب لا يكون إلا عند عدم الانتفاع بالموعظة والقدوة الحسنة والتوجيه المستمر، ويكون ذلك من باب الضرورة واختيار أخف الضررين، لأن الأصل أن التعامل مع الأطفال بالذات أن يكون على سبيل الرحمة والشفقة والمحبة. هدي النبي صلى الله عليه وسلم الرفق والرحمة بالأطفال ويضيف الدكتور خالد القريشي (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) بأن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة بالأطفال ومعاملتهم معاملة حسنة، ولا أدل على ذلك من الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، وهو أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من لا يرحم لا يرحم. وروت عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم فقالوا: نعم فقالوا لكنا والله ما نقبل، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: وما أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة. رواه مسلم وإذا كان هذا هو هدي الإسلام في المعاملة مع الأطفال، لكن هناك مواقف تستدعي أن يستخدم الوالد الشدة والقسوة مع الأولاد، وقد وردت النصوص بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. تأديب الأطفال في الإسلام ليس قاصرا على الصلاة وفي نفس الوقت ينبه فضيلة الشيخ العباسي إلى أن السماح بضرب الولد في الإسلام ليس مقصورا على الصلاة فحسب، بل هو مشروع في عموم الأوامر والآداب والأخلاق كالصيام والصدقة وطاعة الوالدين ونحوه، ويدل على ذلك ما ورد في وصية النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه وفي آخرها قوله: وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا وأخفهم في الله. رواه أحمد وقواه الألباني في السلسة الصحيحة، وهذا هو ما فهمه السلف الصالح وطبقوه مع أولادهم، فهذا عمر بن الخطاب يضرب ابنا له تكنى بأبي عيسى. رواه أحمد وقواه الألباني في الصحيحة، وذلك حرصا منه على نقاء عقيدة التوحيد في تنزيه الله تعالى عن الولد. قواعد ضرب الأطفال في الإسلام وإذا كان الإسلام قد سمح بضرب الأطفال عند الحاجة بغرض التأديب والتهذيب فإنه في نفس الوقت قد وضع بعض ضوابط الضرب في هذه الحالة ذات إيجابية ونفع، يوضح ذلك الدكتور خالد القريشي بقوله: من تتبع النصوص الشرعية يمكن لنا أن نضع بعض القواعد في استخدام الشدة مع الأطفال كالتالي: القاعدة الأولى : أن يكون الضرب بعد استخدام الأساليب التربوية الأخرى كالتوجيه والكلمة الحسنة والنصح. القاعدة الثانية: أن يكون ابتداء الضرب من سن العاشرة. القاعدة الثالثة: أن تكون عقوبة الضرب موافقة للجرم، فلا يزاد عليها وعموما ينبغي ألا يزيد الضرب على عشر كما حدد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. القاعدة الرابعة: ألا يكون الضرب مؤذيا للطفل نفسيا وجسديا. القاعدة الخامسة: اختيار مكان العقوبة المناسب فلا يكون أمام الناس أو أحد من أقربائه ونحو ذلك. القاعدة السادسة: ألا يضرب وهو في حالة الغضب حتى يدرك ما يفعل، هذا وينبغي أن يعلم أن الضرب عند الحاجة إليها إنما هو ضرب تهذيب وتأديب وليس ضرب انتقام وتعذيب. احذر الإساءة إلى الأولاد بالضرب على أن بعض الآباء والأمهات قد يسيء جدا في استخدام هذه الوسيلة، كأن يضرب على الوجه أو الرأس أو الضرب بالعصا والحزام والأسلاك، أو حمل الولد وإلقاؤه على الأرض، أو الإمساك به وضربه في الجدار، وكل هذه الأساليب وغيرها يترتب عليها أثار سيئة خطيرة، فقد تترك أثارا جسدية وكدمات، أو بعض الكسور التي قد تحدث نتيجة لارتطام الطفل بالجدار أو الأرض، هذا ناهيك عن الأضرار النفسية التي تحدث نتيجة لهذا الضرب غير الموجه، وهذا ينافي الغرض الذي من أجله شرع الضرب في الإسلام، ويتحول بذلك إلى سلبيات وتبعات وأضرار حذر منها الإسلام ورفضها. فجدير بالآباء والأمهات أن يراعوا تلك الآداب الإسلامية عند تأديب أولادهم ولا يتجاوزوها، وليعلموا أن فيها الخير والفلاح لهم إن هم التزموا بها وطبقوها.