الخليفة العباسي (محمد الأمين )

نسبه ومولده وحياته: هو محمد الأمين بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن المنصور أبو عبد الله الهاشمي العباسي، وأمه أم جعفر زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور. ولد بالرصافة سنة سبعين ومائة. صفاته وأخلاقه: كان الأمين من أحسن الشباب صورة، أبيض، طويلا، جميلا، ذا قوة مفرطة، وبطش وشجاعة معروفة، وله فصاحة وبلاغة وأدب وفضيلة، لكن كان سيئ التدبير كثير التبذير ضعيف الرأي، أرعن لا يصلح للإمارة فأول ما بويع بالخلافة أمر ثاني يوم ببناء ميدان جوار قصر المنصور للعب بالكرة. وذكر أنه كان يقول الشعر ويعطي عليه الجوائز الكثيرة وكان شاعره أبو نواس وكان قد وجده مسجونا في حبس الرشيد مع الزنادقة فأحضره وأطلقه وأطلق له مالا وجعله من ندمائه. قال المسعودي في بيان بعض صفاته: ما ولي الخلافة إلى وقتنا هذا هاشمي ابن هاشمية سوى علي بن أبي طالب وابنه الحسن والأمين، فإن أمه زبيدة بنت جعفر بن أبي المنصور واسمها أمة العزيز وزبيدة لقب لها،واجتمعت في الأمين فضائل لم تكن في غيره، كان أحسن الناس وجها وأسخاهم وأشرف الخلفاء أبا وأما حسن الأدب عالما بالشعر لكن غلب عليه الهوى واللعب توليه الخلافة: كان الخليفة هارون الرشيد رحمه ا لله قد عزم على تولية محمد الأمين الخلافة من بعده وحتى يضمن عدم اختلاف الناس عمد إلى مكة المكرمة في موسم الحج ووقف في الكعبة أمام عدد كبير من الفقهاء والقضاة وقادة الجيش ليعلن تولية ابنيه من بعده، الأمين ثم المأمون، وكتب وثيقتين علقهما على جدار الكعبة، تأكيدا لما فيهما، وقد تعهد علنا كل من كان حاضرا بالوفاء بالعهد للأمين والمأمون. فلما توفي الرشيد بطوس، أرسل بالخبر إلى الأمين وهو ببغداد وكان ولي عهده، فركب الأمين من قصره الخلد إلى قصر أبي جعفر المنصور، وهو قصر الذهب، على شط بغداد، فصلى بالناس ثم صعد المنبر فخطبهم وعزاهم في الرشيد ووعدهم الخير فبايعه الخواص من قومه ووجوه بني هاشم والأمراء وأمر بصرف أعطيات الجند على سنتين. اختلاف الأمين والمأمون واهم الأحداث التي وقعت: لما تولى الأمين الخلافة لم يستخلص من وزارائه من ينصح له ممن له حكمة وحرص على وحدة المسلمين ، وإنما كان يجالسه مجموع من ا لشخصيات التي تبحث عن مصالحها، وقد استطاع عدد من حاشية الأمين إغرائه بخلع المأمون خوفا منه، وأخذ البيعة بولاية العهد لابنه موسى، وفعلا أمر الأمين بالدعاء لابنه على المنابر وكتب بذلك إلى جميع عماله في الولايات والأقاليم، فكان هذا الإجراء صدمة للمأمون الذي بادر بدوره لإسقاط اسم الأمين من الخطب، وكان واليا على خرسان وما وراءها من ا لبلاد بأمر من والده الرشيد ولم يكتف بذلك بل قطع عنه البريد، فلم يصل الأمين من أخبار تلك المناطق شيء . وبهذه الإجراءات بدأت الأحداث السياسية والعسكرية تتطور شيئا فشيئا، وتزداد حدة وعنفا واتساعا حتى انتهت أخيرا بمقتل الأمين وتولي المأمون. فقد كتب الخليفة الأمين إلى أخيه المأمون يطلب حضوره إلى بغداد، كما طلب منه التنازل عن بعض المناطق التابعة له في خراسان، لكن المأمون رفض فأرسل له وفدا للحوار، وحين وصل الوفد إلى الري وجد أن المأمون قد أحكم تدبير كل شيء، فعاد الوفد وأخبروا الأمين بما شاهدوه. ومع إطلالة سنة 195هـ قام الأمين بسلسلة من الإجراءات الحاسمة، فقد أخذ البيعة لابنه موسى وهو لا يزال طفلا وسماه الناطق بالحق، وأرسل إلى الكعبة من مزق الكتابين الذين كتبهما الرشيد بولاية العهد للأمين والمأمون، ثم قام بإرسال جيش على رأسه علي بن عيسى بن هامان إلى الري للاستيلاء عليها. ووصلت هذه الأخبار إلى المأمون فدفع لمواجهتهم طاهر بن الحسين الذي خرج بالجيش الذي أعده المأمون وعسكر به خارج الري ، والتقى الجيشان ودارت بينهم معارك عدة، فهزم جيش الأمين وقتل علي بن عيسى، وبسرعة كتب طاهر إلى المأمون يخبره قائلا: رأس علي بن عيسى بين يدي وخاتمه في إصبعي وجنده تحت إمرتي والسلام وكانت هذه المعركة هي البداية، إذ سرعان ما تطورت الحال بين الطرفين، فقد سارع الأمين لإرسال جيش من عشرين ألف مقاتل على رأسهم عبد الرحمن بن جبلة الأنباري إلى همذان، وقد ولاه عليها وعلى كل ما يفتحه من أرض خراسان. وما إن وصل عبد الرحمن إلى همذان حتى رمم سورها وتحصن بها لكن كل هذه الإجراءات لم تعطه أي نتيجة، فقد سارع إليه طاهر بن الحسين بجيشه واقتتلوا فظفر بهم طاهر بن الحسين وقتل عبد ا لرحمن وتفرق جمعه، وفر جنوده لا يلوون على شيء وفي الطريق التقى الجنود الفارين بجيش آخر كان الأمين قد أرسله لنجدة عبد الرحمن، وحين التقى الجمعان دبت روح الهزيمة فيهم جميعا فعاد الجميع إلى بغداد دون قتال. ومع بداية عام 196هـ جهز الأمين جيشا من جديد أرسله لقتال المأمون، فما كان من المأمون إلا أن أعلن نفسه أميرا للمؤمنين، وجعل الفضل بن سهل على المشرق وعقد له لواءا على سنان ذي شعبتين ولقبه ذا الرياستين كما بادر لإرسال جيشه بقيادة هرثمة بن أعين إلى الري. وأرسل طاهر بجيشه إلى الأهواز. زحفت جيوش المأمون حتى احتلت واسط والكوفة والمدائن وهذه الانتصارات التي حصلت له أعلن أمير مكة والمدينة داود بن عيسى خلع الأمين، ومبايعة المأمون، كما تم خلع الأمين في اليمن وبويع المأمون، وفي هذه السنة تم الدعاء للمأمون في موسم الحج. ولم تكد سنة 197هـ حتى بدت بوادر النهاية للأمين حيث أطبقت جيوش المأمون بقيادة طاهر وهرثمة وزهير بن المسيب على بغداد فحاصرتها، وبدأ قذفها بالمنجنيق، فأحرقت الدور وحفرت الخنادق وكثر الخراب، واحترقت منازل الأمين في الخيزرانة، وعم الهدم والسرقة والنهب وهرب الناس أفواجا أفواجا إلى خارج بغداد، ودخل المأمون بغداد بجيشه وبدأ في حصار الأمين . نهاية الأمين وقتله : كان الأمين بعد احتراق منازله في الخيزرانة قد تحصن في مدينة المنصور، فزحف عليه طاهر ونصب المنجنيق على قصر زبيدة، وقصر الخلد وحين لم يعد أمام الأمين أي أمل، حاول الفرار لكنه اعتقل، ثم طعن في خاصرته وبطح على الأرض وذبح من قفاه قبل أن يلفظ أنفاسه، ثم قطع رأسه وأرسل إلى المأمون وكان ذلك يوم الخميس 9 من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة. وهكذا انتهت خلافة الأمين الذي دامت خلافته أربع سنوات وثمانية أشهر وخمسة أيام.