الخليفة الأموي (هشام بن عبد الملك )

مولده ونسبه وحياته: هو هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو الوليد القرشي الأموي الدمشقي وكنيته أبو الوليد وهو عاشر الخلفاء الأمويين ، ولد سنة 72هـ 691م وكان أبوه حين ولد يحارب مصعب بن الزبير فلما انتصر سماه منصورا تفاؤلا بنصره فلما رجع وجد أمه قد سمته هشاما على اسم جده فلم يغير. وأمه عائشة بنت هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة . صفاته وأخلاقه : كان أبيض أحول سمينا طويلا أكلف يخضب بالسواد، وكان جميلا وكان يجمع المال ويوصف بالبخل وكان حازما عاقلا، صاحب سياسة حسنة وكان يكره الدماء وكان رجل بني أمية حزما ورأيا. وكان هشام خشنا فظا غليظا يجمع الأموال ويعمر الأرض ويستجيد الخيل وأقام الحلبة فاجتمع له فيها من خيله وغيره أربعة آلاف فرس، ولم يعرف ذلك لأحد غيره في جاهلية ولا إسلام واستجد الكسى والفرس وعدد الحرب ولأمتها واصطنع الرجال وقوى الثغور واتخذ القنى والبرك بطريق مكة. وفي أيامه عمل الخز والقطف الخز فسلك الناس جميعا في أيامه مذهبه ومنعوا ما في أيديهم فقل الفضل وانقطع الرفد ولم ير زمان أصعب من زمانه. وكان فيه حلم وأناة شتم مرة رجلا من الأشراف، فقال له: أتشتمني وأنت خليفة الله في الأرض؟ فاستحيا وقال: اقتص مني بدلها، فقال: إذا أكون سفيها مثلك، قال: فخذ عوضا، قال: لا أفعل، قال: فاتركها لله، قال: هي لله ثم لك، فقال هشام عند ذلك: والله لا أعود إلى مثلها. توليه الخلافة: كان أخو هشام يزيد بن عبد الملك قد عهد بالأمر من بعده إلى أخيه هشام بن عبد الملك فلما مات يزيد كان هشام مقيما بحمص فجاءه البريد بالعصا والخاتم وسلم عليه بالخلافة فأقبل حتى أتى دمشق وتمت له البيعة، وكان عمره حينئذ أربعا وثلاثين سنة فقام بأمر الخلافة أتم قيام، وذلك لأربع بقين من شعبان عام 105هـ وعمره آنذاك أربعة وثلاثون عاما، وقد ظل في خلافته تسع عشرة سنة وسبعة أشهر ، وهو رابع الخلفاء من أولاد عبد الملك بن مروان . الحوادث في عهده: استقرار الأمور في السند كان هشام بن عبد الملك خالد القسري على أمارة خرسان وما ولاها من البلدان فأمر خالد الجنيد بن عبد الرحمن على السند فنزل شط مهران فمنعه جيثبة بن زاهر من العبور وقال: إننا مسلمون فقد استعملني الرجل الصالح، عمر بن عبد العزيز، على بلادي ولست آمنك فأعطاه رهنا وأخذ منه رهنا بما على بلاده من الخراج ثم إنهما ترادا الرهن وكفر جيثبة وحاربه الجنيد وأخذ جيثبة أسيرا ثم قتله. وعاد الاستقرار مرة أخرى إلى بلاد السند. الجهاد والفتوحات في عهد: أ - في خرسان وما جاورها: وفي عهد أمر الخليفة هشام بن عبد الملك أسد بن عبد الله العتنبري متولي خراسان بغزو بلاد غرشستان فخرج إليهم في جيش من ا لمسلمين وحاربوهم فانكسر المسلمون واستشهدت طائفة ورجع الجيش مجهودين جائعين. وفي سنة ثمان ومائة زحف خاقان إلى أذربيجان وحاصر مدينة ورثان ورماها بالمنجنيق فسار إليه أمين تلك الناحية الحارث بن عمرو نائب مسلمة بن عبد الملك فالتقى مع خاقان ملك الترك فهزمه وقتل من جيشه خلق كثير. وفي سنة عشر ومائة أسلام أهل سمرقند وذلك أن أشرس بن عبد الله السلمي نائب خرسان دعا أهل الذمة بسمرقند ومن وراء النهر إلى الدخول في الإسلام ويضع عنهم الجزية فأجابوه إلى ذلك وأسلم غالبهم . ب- غزو الخرز والترك : في سنة ثنتي عشرة ومائة اجتمع الخزر والترك من ناحية اللان لقتال المسلمين فلقيهم الجراح بن عبد الله الحكمي مع أهل الشام فاقتتلوا قتالا شديدا وصبر الفريقان واستشهد الجراح وكثير ممن كان معه بمرج أدبيل فطمع الخزر وأوغلوا في البلاد حتى قاربوا الموصل فأرسل هشام بن عبد الملك سعيدا الحرشي لقتال الخزر والترك فكان لا يمر بمدينة إلا ويستنهض أهلها فيجيبه من يريد الجهاد حتى التقى بأصحاب الجراح وساروا معه فالتقى بالخزر ليلا وهم نيام فهاجمهم مع الفجر فما بزغت الشمس حتى قتلوا جميعا غير رجل واحد، ثم سار الحرشي إلى الخزر المجتمعين في مكان آخر فباغتهم وقتلهم، ثم حث ابن ملك الخزر الجنود على معاودة القتال فاجتمع معه عساكر كثيرة فسار الحرشي إليه فالتقيا بأرض برزند وصبر المسلمون حتى ولى الخزر الأدبار منهزمين. ثم تتابعت حملات الخزر وكانوا ينكسرون في كل مرة. ج في المغرب والأندلس: كان من أعمال هشام بن عبد الملك بعد توليه الخلافة إرساله الرسل إلى عنبسة بن سحيم الكلبي عامله على الأندلس غربي أوربا يستحثه فيها على مناجزة الكفارة فخرج عنبسة الكلبي في جمع كثير من المسلمين ونازل مدينة قرقسونة فصالحه أهلها على نصف أعمالها وعلى جميع ما في المدينة من أسرى المسلمين وأسلابهم وأن يعطوه الجزية وأن يلتزموا بأحكام أهل الذمة من محاربة من حاربه المسلمون ومسالمة من سالموه وبعد أن عاد عنبسة مات في شعبان. وفي سنة سبع عشرة ومائة استخلف عبيد الله بن الحبحاب على مصر ولده وسار إلى أفريقية وبعث حبيب بن ابي عبيدة بن عقبة بن نافع غازيا إلى المغرب فبلغ السوس فلم يقاتله أحد إلا تغلب عليه وأصاب من الغنائم والسبي أمرا عظيما فهابه أهل المغرب. د - القضاء على الخوارج في إفريقية: وظهر في عهد هشام بن عبد الملك جماعة بأفريقية فأظهروا مقالة الخوارج عليهم ميسرة السقاء فوجه إليهم الحبحاب، حبيب بن أبي عبيدة فاقتتلوا في ضواحي طنجة قتالا شديدا فانهزم ميسرة وعاد إلى طنجة فأنكرت البربر سيرته فقتلوه وولوا أمرهم خالد بن حميد الزناتي فالتقى بخالد بن حبيب بن ابي عبيدة فانكسر المسلمون وصبروا حتى قتلوا جميعا، وسميت غزوة الأشراف. ولما بلغ هشام بن عبد الملك ما حدث في طنجة سير جيشا كثيفا جدا عليه كلثوم بن عياض القشري وذلك سنة ثلاث وعشرين ومائة فالتقى بالبربر قريب من طنجة فانهزم الخيل أولا ثم انهزم جيش المسلمين وقتل كلثوم بن عياض وحبيب بن ابي عبيدة ومضى أهل الشام إلى الأندلس وعليهم بلج بن بشر. فلما علم هشام بالأمر بعث أميرا على إفريقية حنظلة بن صفوان الكلبي فوصلها في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ومائة فلم يمكث بالقيروان إلا يسيرا حتى زحف إليه عكاشة الخارجي في جمع عظيم من البربر فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم عكاشة وقتل من البربر ما لا يحصى. عاد حنظلة إلى القيروان وسير أربعين ألفا من جيش كثيف إلى عبد الواحد بن يزيد صاحب عكاشة فلما قاربوه لم يجدوا شعيرا يعلفونه دوابهم فأطعموها حنطة ثم لقوا عبد الواحد من الغد فانهزموا وعادوا إلى القيروان وهلكت دوابهم بسبب الحنطة. وسار عبد الواحد فنزل على ثلاثة أميال من القيروان بمكان يعرف بأصنام وقد اجتمع معه ثلاثمائة ألف مقاتل فحشد حنظلة كل من في القيروان وفرق فيهم السلاح والمال فكثر جمعه وتقابل الجمعان وحرض العلماء والنساء على الجهاد وثبت الفريقان ثم هزمت الخوارج والبربر ونصر الله المسلمين وكان عدد قتلى الخوارج مائة وثمانين ألفا. وفاته: توفي أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك بالرصافة لست خلون من شهر ربيع وكانت خلافته تسع عشر سنة وتسعة اشهر وواحد وعشرين يوما وكانت وفاته بالذبحة.