الخليفة الأموي (يزيد بن معاوية )

نسبه ومولده ونشأته: هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموي القرشي وكنيته أبو خالد. ولد سنة ست وعشرين على الأرجح في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأمه ميسون بنت بجدل بن أنيف بن ولجة الكلبي، وهي امرأة بدوية تزوجها معاوية وهو أمير الشام ولكنها لم تستطع أن تحتمل حياة المدن فردها إلى أهلها في البادية وأخذت معها ولدها يزيد فنشأ في البادية نشأة البدو فشب فصيحا كريما شاعرا مبدعا، وقد قال علماء الأدب: بدئ الشعر بملك، وختم بملك. يقصدون امرؤ القيس بن حجر الكندي ويزيد بن معاوية. شب يزيد في خلافة معاوية وتوسم أبوه فيه ملامح النبل والصفات التي تؤهله لمنصب كبير، فأخذ يحمله بعض المسئوليات ليدربه على تولي الإمارة فولاه الحج بالمسلمين مرتين وأمره على إحدى الصوائف التي كان يعدها للغزو (وهي الجيوش التي كانت تخرج في الصيف للغزو) وولاه قيادة الجيش الذي غزا القسطنطينية لأول مرة، وهذه منقبة ليزيد فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أول جيش يغزو مدينة قيصر مغفور له فلما رجع من هذه الغزوة حج بالناس وكل ذلك سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين. وهذه منقبة ليزيد فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أول جيش يغزو مدينة قيصر مغفور له فلما رجع من هذه الغزوة حج بالناس وكل ذلك سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين. وقد كان يزيد مولعا بالصيد فكان يخرج له كثيرا وكان ذلك أحد المآخذ التي أخذت على يزيد وجعلت المسلمين يبغضون إمارته. روى يزيد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وروى حديثا آخر في الوضوء وروى عنه ابنه خالد وعبد الملك بن مروان وعده أبو زرعة الدمشقي في رجال الطبقة العليا بعد الصحابة وذكر أن له أحاديث. أسرته : كان ليزيد من الولد معاوية بن يزيد وخالد يكنى أبا هاشم وأبو سفيان وأمهما أم هاشم بنت أبي هاشم بن عنبة. وله أيضا عبد العزيز وكان من أرمى العرب وأمه أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر وله عبد الله الأصغر وأبو بكر وعتبة وعبد الرحمن والربيع ومحمد ويزيد وحرب وعمر وعثمان. وله من البنات عاتكة ورملة وأم عبد الرحمن وأم يزيد وأم محمد. صفاته ومناقبه: كان فيه خصال محمودة من الكرم والحلم والفصاحة والشعر والشجاعة وحسن الرأي في الملك. وكان فيه أيضا إقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات. وذكروا في وصفه أنه كان ضخما كثير اللحم، عظيم الجسم، كثير الشعر، جميلا طويلا ضخم الهامة محدد الصابع غليظها مجدرا. ولايته للعهد وإعداده للخلافة: ذكر أهل التاريخ أنه كان لتولية معاوية رضي ا لله عنه الخلافة من بعده لابنه يزيد قصة طريفة وهي أنه كان لمعاوية ولد آخر اسمه عبد الله من فاختة بنت قرظة ولكنه كان أحمق قال معاوية لزوجته فاختة: إن يزيد خير من ابنك عبد الله فقالت فاختة: لا والله ولكنك تؤثر هذا عليه. فقال معاوية: سأبين لك هذا قبل أن تقومي من مجلسك. استدعى معاوية ابنه عبد الله، فقال له: لقد بدا لي أن أعطيك كل ما تطلبه في مجلسك هذا، فما حاجتك؟ قال: حاجتي أن تشتري لي كلبا فارها وحمارا فارها!! قال معاوية: يا بني أنت حمار ونشتري لك حمار، قم فاخرج ثم قال لأمه كيف رأيت؟ ثم استدعى يزيد فقال: لقد بدا لي أن أعطيك كل ما تسألني في مجلسك هذا فسل ما بدا لك. فخر يزيد ساجدا لله شكرا، ثم قال حين رفع رأسه: الحمد لله الذي بلغ أمير المؤمنين هذه المدة وأراه في هذا الرأي حاجتي: أن تعقد لي العهد من بعدك وتوليني هذا العام صائفة المسلمين وتأذن لي في الحج إذا رجعت وتوليني الموسم وتزيد أهل الشام عشرة دنانير لكل رجل في عطائه وتجعل ذلك بشفاعتي وتعرض لأيتام بني جمح وأيتام بني سهم وأيتام بني عدي. قال معاوية: مالك ولأيتام بني عدي؟ قال يزيد: لأنهم حالفوني وانتقلوا إلى داري. فقال معاوية: قد فعلت ذلك كله. وقبل وجهه. ثم قال لفاختة بنت قرظة: كيف رأيت؟ فقالت: يا أمير المؤمنين!! أوصه بي فأنت أعلم به مني. معاوية يعد يزيد للخلافة: كانت خطة معاوية في تربية ولده يزيد تتلخص في أمرين هما: القدوة الحسنة، والتوجيه السديد من غير عنف ولا تشديد وقد حرص معاوية على أن تكون القدوة الحسنة في بيته وهو يعلم أن البيئة ذات أثر في نفوس النشء وأن الفتى إنما ينشأ على ما ينشئه عليه أبوه كيف وقد قال الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه ولهذا كان حرص معاوية على أن يكون أمام ابنه يزيد، القدوة الصالحة والأسوة الحسنة ليعده إعدادا جيدا للخلافة، فكان يجلسه في مجلسه ليرى بعينه كيف يعامل الناس ويسمع بأذنيه كيف يتكلم مع جلسائه فيقتدي به في كل أحواله. وبقدر ما كان يحرص على تربيته بالقدوة، كان يحرص كذلك على أن يقومه ويسدده كلما رأى فيه خطأ ولمس منه اعوجاجا. فقد لاحظ معاوية على يزيد أنه وهو في حداثة سنه كان صاحب شراب فأراد أن يعظه في رفق وينصحه في لين ويشعره أنه يأتي أمرا لا ينبغي أن يطلع عليه الناس، روى الطبراني أن يزيد في حداثة سنه كان صاحب شراب يأخذ مأخذ الأحداث فأحس معاوية بذلك فأحب أن يعظه في رفق فقال: يا بني، ما أقدرك على أن تصل إلى حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءتك وقدرك ويشمت بك عدوك ويسيء بك صديقك. وكان من أساليب التربية التي تعهد بها معاوية ولده تقليده المناصب الهامة فقد ولاه قيادة أول جيش غزا القسطنطينية سنة 94هـ- 669م وأراد بذلك معاوية أن يدحض الشائعات التي دارت حول يزيد حيث كان يقول عنه معارضوه أنه محب للمجون والخلاعة مولع بالصيد والشراب ولا يصلح لشيء من عظائم الأمور. كذلك ولى معاوية ولده إمارة الحج ثلاث سنين متوالية ليدربه على سياسة الرعية ويزج به في أكبر اجتماع إسلامي، حتى يختلط بالناس ويتعرف على طبائعهم ويقف بنفسه على ما وراءهم من المشكلات وكيف يضع لها الحلول المناسبة ومن خلال ذلك كله يتعلم كيف يسوس الأمة ويدير شئون الرعية ويستعد لتولي أمرها بنجاح لا تعوزه خبرة ولا ينقصه دراية. خلافته وأهم الأعمال فيها: لما توفي معاوية رضي ا لله عنه تولى يزيد الخلافة باعتباره وليا للعهد وقد جدد له المسلمون البيعة إلا أولئك الذين لم يبايعوا في حياة معاوية رضي الله عنه. ولما تولى يزيد الخلافة كان على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وعلى مكة: عمرو بن سعيد بن العاص، وعلى البصرة عبيد الله بن زياد، وعلى الكوفة: النعمان بن بشير ولم يكن يهم يزيد إلا أمر بيعة النفر الذين أبو على معاوية بيعته، فطلب يزيد من الوليد بن عتبة أن يجبر الحسين وابن الزبير وعبد الله بن عمر على البيعة له فخرج ابن الزبير إلى مكة ولحق به الحسين أم ابن عمر فقال: إن بايع الناس بايعت. غزو مكة: عزل يزيد الوليد بن عتبة عن المدينة واستعمل عليها عمرو بن سعيد الأشدق فاستعمل عمرو على شرطته عمرو بن الزبير وكان بينه وبين أخيه عبد الله بغضاء فجهز جيشا في ألفي رجل لغزو عبد الله في مكة وكان لما توجه إلى مكة جمع من به والتقى بجيش عمرو بن الزبير فانهزم وتفرق عنه أصحابه وعظم شأن عبد الله بن الزبير في الحجاز. موقف الحسين: كثر ورود الناس على الحسين في مكة وكثر ورود الكتب عليه من العراق يدعونه إليهم. فأرسل إلى العراق مسلم بن عقيل ليرى الأمر، فلما دخل الكوفة والتقى بأتباع الحسين علم بذلك أمير الكوفة النعمان بن بشير فجمعهم وحذرهم من الفتنة والفرقة. فلما علم يزيد بوقفة النعمان الضعيفة أقاله وعهد أمر الكوفة ثانية إلى عبيد الله بن زياد وكان أيضا على البصرة فدخل عبيد الله الكوفة بث عينا له لطلب مسلم بن عقيل فقتله وبعث برأسه إلى يزيد. سير الحسين إلى الكوفة: أجمع الحسين أمره للمسير إلى الكوفة رغم نصح الناصحين وفي الطريق التقى بالفرزدق الشاعر فسأله الخبر فأجاب الفرزدق: قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء ووصل الخبر إلى الحسين بأن مسلم بن عقيل قد قتل فناشده أصحابه بالرجوع فأبى إلا الإقدام ثم أتاه خبر مقتل أخيه من الرضاعة فأخبر أصحابه وقال: قد خذلنا شيعتنا فمن أحب أن ينصرف فلينصرف فانصرف الناس عنه إلا من جاء معه من مكة. مقتل الحسين: ودخلت سنة إحدى وستين فعرض الحسين على عبيد الله بن زياد الصلح فأبى إلا النزول على حكمه أو القتال، فاختار الحسين القتال، وفي يوم عاشوراء وكان منزلهم كربلاء عبأ عمر بن سعد أمير جيش عبيد الله بن زياد جيشه وخطب الحسين فيمن معه ثم وقع القتال وترامى الناس بالنبل وكثرت المبارزة يومئذ بين الفريقين والنصر في ذلك لأصحاب الحسين لقوة بأسهم وكان الرجل من أصحاب الحسين إذا قتل بان فيهم الخلل لقلتهم. ودافع عن الحسين صناديد أصحابه حتى قتل من أهل البيت علي الأكبر ابن الحسين ثم قتل عبد الله بن مسلم بن عقيل ثم قتل عون ومحمد ابنا عبد الله بن جعفر، ثم قتل عبد الرحمن وجعفر ابنا عقيل بن أبي طالب ثم قتل القاسم بن الحسن بن أبي طالب. ومكث الحسين نهارا طويلا وحده لا يأتي إليه أحد إليه إلا رجع عنه لا يحب أن يلي قتله ثم تكاثر عليه الرجال فقتلوه رضي الله عنه واحتزوا رأسه وأرسلوه إلى ابن زياد الذي أرسله إلى يزيد. وقعة الحرة: في سنة ثلاث وستين خلع أهل المدينة يزيدا وبايعوا عبد الله بن حنظلة فاستغاث من بالمدينة من بني أمية بيزيد فأرسل لهم جيشا عليهم مسلم بن عقبة المري وطلب منه استباحة المدينة ثلاثة أيام. فلما وصل مسلم إلى المدينة دعاهم إلى السلم أو المحاربة بعد ثلاث، فاختاروا الحرب، ووقع القتال في الحرة وكان قتال فر وكر حتى قتل عبد الله بن حنظلة وانهزم أصحابه وكانت وقعة الحرة لليلتين بقيتا من ذي الحجة. قتال أهل مكة: لما فرغ مسلم بن عقبة من الحرة توجه إلى مكة واستخلف على المدينة روع بن زنباع الجذامي وأدرك مسلما الموت وعهد بالأمر إلى حصين بن نمير فقدم إلى مكة لأربع بقين من المحرم سنة أربع وستين فحاصرها شهر صفر ورموا ابن الزبير بالمنجنيق واحترق بيت الله الحرام من شررة من نار أوقدت حول الكعبة. وأقام أهل الشام يحاصرون ابن الزبير حتى بلغهم وفاة يزيد بن أبي سفيان فخمدت الحرب وانطفأت نار الفتنة. وفاة يزيد بن معاوية كان يزيد قد خرج إلى جوارين وهي قرية من قرى دمشق وهناك أدركته منيته وذلك في الرابع عشر من ربيع الأول وكانت ولايته بعد أبيه في منتصف رجب سنة ستين وحمل بعد موته إلى دمشق وصلى عليه ابنه معاوية بن يزيد ودفن بمقابر باب الصغير.