الخليفة العباسي ( أبو العباس السفاح )

يا أهل الكوفة .. استعدوا، فأنا السفاح المبيح، والثائر المنيح. ولادته ونسبه ونشأته وصفاته: هو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو العباس السفاح الهاشمي العباسي، أول خلفاء بني العباس، ولد بالجميمة من ناحية البلقاء سنة 104هـ- 722م ونشأ بها، وأمه رابطة الحادثية، سمي بالسفاح لأنه سفح دماء بني أمية، أي أراق منهم دماء كثيرة . كان رجلا طويلا، أبيض اللون، أجعد الشعر، ذو أنف أقنى. توليه الخلافة: كانت سنة 132هـ هي السنة التي انتقلت فيها الخلافة من الأمويين الذي انتهى حكمهم بمقتل مروان بن محمد آخر خلفائهم على يد رجال الدولة العباسية وصعود نجم عبد الله المشهور باسم أبو العباس السفاح أول خلفاء بني العباس وذلك بعد أن مهد القائد أبو مسلم الخرساني الأمور وهو الذي أرسله إمام الدعوة العباسية إبراهيم بن محمد، ليكون داعية له في خرسان، بسبب بعدها عن مركز الخلافة الأموية في دمشق. وقد زحف بجيوشه بعد أن انتهى من الاستيلاء على خراسان نحو العراق حتى وصل إلى الكوفة. وقد أسرع قادة الجيش وأمراء الناس وأعيانهم لمبايعة أبو العباس وظهر علنا بعد أن كان متخفيا بسبب بطش الخليفة مروان بن محمد بآل العباس ، وبظهوره أعلنت له البيعة جهرا، ودخل دار الإمارة في الكوفة وهو في بداية العقد الثالث من عمره والناس تهرع حوله من كل حدب وصوب، ورغم ما كان يعانيه وقتها من المرض إلا أنه اعتلى المنبر ليلقي خطبته في الناس والتي قال فيها: الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه وكرمه وشرفه وعظمه واختاره لنا فأيده بنا وجعلنا أهله، وكهفه، وحصنه، والقوام به والذابين عنه والناصرين له فألزمنا كلمة التقوى وجعلنا أصحابها وأهلها وخصنا برحم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته وأنشأنا من آبائنا وأنبتنا من شجرته واشتقنا من نبعه ولقد زعمت الشامية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم.. لقد وثب بنو الحرب، وبنو مروان، فانبذوها، وتداولوها، فجازوا فيها واستأثروا بها وظلموا أهلها.. فانتقم الله منهم بأيدينا، ورد علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا وولي نصرنا.. وختم بنا كما فتح بنا وإني لأرجو أن لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح..يا أهل الكوفة، أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا قد زودناكم في أعطياتكم مائة درهم فاستعدوا فأنا السفاح المبيح والثائر المنيح. أهم الأحداث والأعمال التي حدثت في عهده: 1- قتل مروان بن محمد: شق على مروان بيعة السفاح فجهز جيشا وهو بالجزيرة فتقدم إليه أبو عون بن أبي يزيد في جيش كثيف وهو أحد أمراء السفاح فنازله على نهر الزاب وجاءت الإمدادات من جهة السفاح وعليهم عبد الله بن علي واشتد القتال وتخاذل عن مروان بعض جيشه فانهزم أصحاب مروان وهرب مروان حتى دخل مصر فلحق به صالح بن علي فقتله ببوصير من بلاد الصعيد ليوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة. 2- الاستيلاء على دمشق: أثناء لحاق عبد الله بن علي بمروان، دخل دمشق بعد حصار دام أيام ثم افتتحها يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان وهدم سورها وقتل كثيرا ممن بقي من بني أمية. 3- قتل أبي سلمة الخلال: كان أبي سلمة الخلال قد فرض نفسه وزيرا لآل العباس واستحوذ عليهم خاصة أيام اختفائهم وهروبهم من الدولة الأموية فلما استقر الأمور بعض الشيء لأبي السفاح أراد ا لتخلص منه فاستشار في ذلك قائد حركتهم أبي مسلم الخرساني وهو أمير على خرسان في ذلك الوقت وذلك عن طرق أخيه أبي جعفر المنصور وقد انتهى أمر المشاورة بإرسال أبو مسلم الخرساني مرار بن أنس فقتل أبا سلمة الخلال وبذلك تخلص السفاح من رجل كان يخشى على نفسه منه . 4- أمر الصين: في سنة أربع وثلاثين ومائة خرج صاحب الصين في مائة ألف يلحقه بعض الترك فخرج له زياد بن صالح وأمده أبو مسلم بخالد بن إبراهيم من طخارستان فسار زياد بجيوشه حتى عبر نهر الشاش فالتقى بصاحب الصين وصبر الفريقان يؤمهم إلى الليل فلما غربت الشمس ألقى الله في قلوب الصين الرعب، فانتصر المسلمون. 5- زياد بن صالح: في سنة خمس وثلاثين ومائة خلع زياد بن صالح الطاعة بما وراء النهر فتهيأ لحربه أبو مسلم الخرساني لكن أتباع زياد تركوه ولحقوا بأبي مسلم فهرب زياد إلى دهقان هناك فضرب الدهقان عنقه وتقرب برأسه إلى أبي مسلم. 6- قدوم الخرساني إلى السفاح: استأذن أبو مسلم بالقدوم إلى السفاح فأذن له على أن لا يكون معه أكثر من ألف من الجند فتقدم بالأموال والخزائن فدخل أبو مسلم على السفاح فأكرمه وأعظمه وأمر هذه السنة أخاه المنصور على الحج وحج معه أبو مسلم الخرساني. 7- سياسة التطهير لكل آثار العصر الأموي: كان من سياسة أبي السفاح القضاء على الأموين خشة أن يخروج علهيم مرة أخرى ليستردوا ملكهم وقد حصل بسبب ذلك مذابح كثيرة حتى أن كل من كان يمسك من بني أمية كان يقتل فورا . وفي ظل هذه المذابح قتل من قتل من بني أمية وهرب من هرب إلى الأندلس ولم تتوقف الحملات حتى انطفأ كل ما يمت إلى بني أمية بصلة.. وحينها أصدر أبو العباس قراره بالأمان. وكان خلال فترة حكمه قد اخمد أيضا كل الانتفاضات التي قامت ضده من بقايا العهد الأموي في أي مكان ظهرت فيه. وإذا جاز لنا أن نصف عهد أبي العباس السفاح فهو عهد التطهير لكل آثار العصر الأموي وكان هذا التطهير جذريا شاملا، قضى تماما على أي أمل بعودة الحكم الأموي نهائيا وفي النهاية وقف أبو العباس ينشد قائلا: بني أمية قد أفنيت جمعكم فكيف لي منكم بالأول الماضي إن كان غيظي لفوت منكم فلقد منيت منكم بهاربي به راض وفاة أبو العباس أحس السفاح بالوهن في أول يوم العيد من ذي الحجة سنة ست وثلاثين مائة وطفح في وجهه الجدري، وانتفخ بطنه وتوفي في اليوم الثالث من أيام التشريق بالأنبار، وكان عمره ثلاث وثلاثين سنة وكانت خلافته أربع ستين وتسعة اشهر ودفن في قصر الإمارة في الأنبار.