الخليفة العباسي ( المتوكل على الله )

مولده ونسبه هو جعفر بن المعتصم بن الرشيد أبو الفضل العباسي البغدادي الملقب بالمتوكل على الله وأمه أم ولد اسمها شجاع، ولد سنة خمس ومائتين وقيل سبع ومائتين. توليه الخلافة: بعد موت الخليفة الواثق بالله بويع لأخيه المتوكل على الله بالخلافة، وأول من سلم عليه بالخلافة أحمد بن داود، وكان عمره يوم بويع ستا وعشرين سنة وأراد ابن الزيات وهو الوزير أنذاك أن يلقبه المنتصر فقال أحمد بن داود القاضي: قد رأيت لقبا أرجو أن يكون موافقا وهو المتوكل على الله فأمر بإمضائه وكتب به إلى الآفاق واستبشر الناس به. ولما تولى الخلافة قدم دمشق في صفر سنة أربع وأربعين وعزم على المقام بها وأعجبته ونقل دواوين الملك إليها وأمر بالبناء بها وأمر للأتراك بما أرضاهم من الأموال، وبنى قصرا كبيرا بها من جهة المزة، لكنه عاد وخرج من دمشق بعد إقامة شهرين وأيام ورجع إلى سامراء دار ملكه على طريق الفرات. أهم أعماله وفضائله وأخباره: كان من أهم ما يميز الخليفة المتوكل على الله ميله إلى السنة ونصرة أهلها ولذا فإنه بمجرد تولي الخلافة أمر برفع محنة القول بخلق القرآن وكتب بذلك إلى الآفاق وذلك في سنة أربع وثلاثين، ولم يكتف بذلك بل قام باستقدام العلماء والمحدثين إلى سامراء مقر الخلافة وأجزل عطاياهم وأكرمهم، وأمرهم بأن يحدثوا بأحاديث الصفات والرؤية وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في جامع الرصافة فاجتمع إليه نحو من ثلاثين ألف نفس، ولم يحدث مثل ذلك قبل توليه الخلافة . وجلس أخوه عثمان في جامع المنصور فاجتمع إليه أيضا نحو من ثلاثين ألف نفس، وتوفر دعاء الخلق للمتوكل وبالغوا في الثناء عليه والتعظيم له حين قال قائلهم: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصديق رضي الله عنه في قتل أهل الردة وعمر بن عبد العزيز في رد المظالم والمتوكل في إحياء السنة وإماتته الاعتزال. وقد أغدق العضاء على الناس ووسع عليهم ولا يعلم أحد متقدم في جد ولا هزل إلا وقد حظي في دولته ووصل إليه نصيب وافر من المال ومما يدل على حبه للعلم وإقباله عليه ما رواه هشام بن عمار قال: سمعت المتوكل يقول: واحسرتا على محمد بن إدريس الشافعي كنت أحب أن أكون في أيامه فأراه وأشاهده وأتعلم منه فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول: يا أيها الناس إن محمد بن إدريس المطلبي قد صار إلى رحمة الله وخلف فيكم علما حسنا فاتبعوه تهدوا ثم قال: اللهم ارحم محمد بن إدريس رحمة واسعة وسهل علي حفظ مذهبه وانفعني بذلك. قلت: استفدنا من هذا أن المتوكل كان متمذهبا بمذهب الشافعي وهو أول من تمذهب له من الخلفاء. أهم الأحداث التي وقعت في عهده: البيعة لبنيه بالخلافة :- في سنة أربع وثلاثين ومائتين عقد المتوكل البيعة لبنيه الثلاثة بولاية العهد وهم محمد ولقبه المنتصر، وأبو عبد الله محمد ولقبه المعتز بالله، وإبراهيم ولقبه المؤيد بالله، فأما المنتصر فأقطعه أفريقية والمغرب كله وقنسرين والثغور الشامية كلها والموصل والأنبار واليمن وحضرموت والبحرين والسند وأصبهان وغيرها كثر، وأما المعتز فأقطعه خراسان وما يضاف إليها وطبرستان والري وأرمينية وأذربيجان وكور فارس وأما المؤيد فأقطعه حمص وجند دمشق وجند فلسطين. القضاء على ثورة أهل حمص : - في سنة أربعين ومائتين وثب أهل حمص بعاملهم أبي المغيث موسى بن إبراهيم الرافض وأخرجوه منها وقتلوا جماعة من أصحابه، فسار إليهم الأمير محمد بن عبد ربه بأمر من المتوكل فحاربهم وفتك بهم واستصلح الأمر وتولى الإمارة، لكن أهل حمص عادوا ووثبوا بواليهم محمد بن عبد ربه سنة إحدى وأربعين ومائتين وأعانهم النصارى، فقاتلهم أميرها عن أمر من المتوكل وأمر أمير دمشق فأنجده بجيش من عنده، فقتل رجلين من رؤسائهم وأمره المتوكل بإخراج النصارى منها وهدم كنائسهم ففعل ذلك. حدوث زلالزل عظيمة في عهده :- سنة خمس وأربعين ومائتين عمت الزلازل الدنيا فأخربت القلاع والمدن والقناطر وهلك خلق بالعراق والمغرب وسقطت من أنطاكية نيف وتسعون برجا وسمع من السماء أصوات هائلة وهلك أكثر أهل اللاذقية تحت الردم وامتدت الزلازل إلى خراسان ومات خلائق منه، وأمر المتوكل بثلاثة آلاف درهم للذين أصيبوا بمنازلهم. مقتل الخليفة: تآمر المنتصر ابن المتوكل على الله مع جماعة من الأمراء الأتراك على قتل أبيه لإهانته له ولعزمه على خلعه من البيعة وتقديم المعتز بالله فدخل الأتراك على المتوكل ليلة الأربعاء لأربع خلون من شوال ويقال من شعبان من هذه السنة فابتدروه بالسيوف فقتلوه سنة سبع وأربعين ومائتين ثم ولوا بعده ولده المنتصر. أهم من مات في أيام خلافته من الأعلام: أبو ثور والإمام أحمد بن حنبل وإبراهيم بن المنذر الخزامي وإسحاق بن راهوية النديم وزهير بن حرب وسحنون وأبو مسعود العسكري.