الخليفة العباسي ( المعتضد بالله )

نسبه وحياته: هو أحمد بن الموفق بالله طلحة بن المتوكل على الله جعفر بن المعتضد بن الرشيد لهاشمي العباسي أبو العباس. ولد في ذي القعدة سنة اثنين وأربعين ومائتين في مدينة جدة، وأمه أم ولد. توليه الخلافة: بويع له بالخلافة صبيحة موت المعتمد لعشر بقين من رجب من سنة تسع وسبعين ومائتين وذلك بعد أن خلع المعتمد قبل موته ابنه من ولاية العهد، فاستوزر المعتضد عبيد الله بن سليمان بن وهب، وولى مولاه بدرا الشرطة في بغداد وولى عمر بن الليث إمرة خراسان. وكان ذا سياسة عظيمة، وهيبة ووقار وفراسة لا تكاد تخطئ ، وعند توليه الخلافة قام بنشر العدل بين الناس ورفع الظلم عن الرعية. وقد تزوج بابنة حاكم مصر وذلك في سنة تسع وثمانين ومائتين حيث قدم رسول خمارويه بن أحمد بن طولون صاحب مصر إلى المعتضد ومعه كثير من الهدايا من الذهب والخيول والجواهر. وتزوج بعد ذلك الخليفة ابنته قطر الندى. أهم الأعمال والحوادث في عهده: 1-تويسيع جامع المنصور :- في سنة ثمانين ومائتين أمر المعتضد بالله بتوسيع جامع المنصور بإضافة دار المنصور إليه وغرم عليه عشرين ألف دينار ، وكان منذ بنائه في عهد ا لخليفة المنصور لم يوسع فحصل ضيق شديد للناس حتى قام رحمه الله بتوسعته . 2- بناء دار الخلافة ببغداد : لم يكن للخلفاء قبل المعتضد درا خاصة يجلسون فيها وإنما كان جلوسهم والقيام بمهام الخلافة من خلال قصورهم ا لخاصة، حيث يوجد بها بعض الأروقة الخاصة بالجلوس للحكم فيها ودخول الناس واستقبال الوفود وغير ذلك، فلما تولى المعتضد الخلافة أمر عند ذلك ببناء دار للخلافة خاصة بالحكم وإدارته بخلاف القصور الخاصة بالإقامة وذلك في بغداد وهو أول من بناها فيها وهو أول من سكنها من الخلفاء، ثم ظل الخلفاء على ذلك إلى آخر دولة بني العباس. 3-القضاء على الخوارج في عصره :- كان الخوارج في عصر المعتضد بالله قد أسندوا أمرهم إلى رجل منهم يقال له هارون الشاري الخارجي فجمعهم وجمعوا السلاح وعاثوا في الأرض فسادا وكان خروجهم بالموصل فلما كثر شرهم تجهز المعتضد بالله وخرج إليهم بنفسه، وأوكل بهم الحسين بن حمدان فقتل الحسين منهم جماعة وهرب هارون ثم أسره بعد ذلك وجاء به إلى المعتضد الذي أخذه إلى بغداد وصلبه هناك وذلك سنة ثلاث وثمانين ومائتين. 4-القضاء على فتنة رافع بن هرثمة كان عمرو بن الليث حاكما على نيسابور من قبل الخليفة فخرج منها لعبض حاجته فقام رافع بن هرثمة بمهاجمتها حتى دخلها واستولى عليها ، فلما علم بذلك عمرو عاد سريعا وهاجم رافع وهزمه وأصحابه حتى هربوا إلى خوارزم فأحاط به أمير خوارزم وقتله في سابع شوال فصفت خراسان لعمرو بن الليث. 5- فتنة القرامطة :- في سنة ست وثمانين ومائتين ظهر رجل من القرامطة يعرف بأبي سعيد الجناني بالبحرين واجتمع إليه جماعة من الأعراب والقرامطة، وسار إلى البصرة يريد أن يدخلها فأمر الخليفة المعتضد بالله أميرها فحصنها وأمده فلم يستطع دخولها. وفي ربيع الأول من سنة سبع وثمانين ومائتين تفاقم أمر القرامطة فجهز الخليفة إليهم جيشا وأمر عليهم العباس بن عمرو الغنوي وأمره على اليمامة والبحرين ليحارب أبا سعيد هذا فالتقوا هناك وكان العباس في عشرة آلاف مقاتل فأسرهم أبو سعيد كلهم ولم ينج منهم إلا الأمير وحده وقتل الباقون عن آخرهم صبرا بين يدي أبي سعيد. وأما القرامطة بالعراق: فإنهم كانوا قد انتشروا بسواد الكوفة وأكثروا فيها الفساد وانتهبوا الأموال، فوجه المعتضد إليهم شيلا غلام أحمد بن محمد الطائي فقاتلهم قتالا شديدا حتى ظفر بهم، وأخذ رئيسا لهم يعرف بأبي الفوارس فسيره إلى المعتضد فأمر به فعذب ثم قتل. 6-ضم بلاد ما وراء النهر إلى الخلافة : لما تولىالخليفة المعتضد بالله كان أغلب الأقاليم قد خرجت عن الخلافة العباسية فحاول المعتضد بالله استردادها وإرجاعها إلى الخلافة فجعل ولية بلاد ما وراء النهر إلى عمر بن الليث الصفار وأمره بحرب إسماعيل بن أحمد الساماني وكان قد ا ستولى على تلك ا لبلاد، فتجهز الليث والتقى بإسماعيل وجيشه فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم إسماعيل وأصحابه وسير إلى سمرقند ثم إلى المعتضد ببغداد، فوصل إلى بغداد سنة ثمان وثمانين ومائتين، فحبس وبقي محبوسا حتى قتل خنقا سنة 289 . وفاة المعتضد: وفي هذه السنة في ربيه الآخر توفي المعتضد بالله ليلة الاثنين لثمان بقين منه ولم يبلغ الخمسين، وكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر وثلاثة عشر يوما، مات من مرض ألم به. وترك من الأولاد الذكور عليا وهو المكتفي، وجعفر وهو المقتدر، وهارون، ومن البنات إحدى عشر بنتا وقيل سبع عشرة. أهم الوفيات في عهده: في بداية خلافة المعتضد توفي محمد بن عيسى الترمذي أحد أئمة الحديث وصاحب الجامع الصحيح المشهور بسنن الترمذي. وفي سنة إحدى وثمانين ومائتين توفي أبو بكر عبد الله بن أبي الدنيا القرشي الحافظ المشهور بالتصانيف الكثيرة، وفيها توفي الحافظ الكبير ابن المواز الفقيه المالكي. وفي سنة اثنين وثمانين ومائتين توفي الحافظ العابد الأديب أبو محمد الشعراني. وفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين مات الشاعر ابن الرومي. وفيها مات الشاعر البحتري الوليد بن عبادة. وفي سنة خمس وثمانين ومائتين توفي إبراهيم بن إسحاق أبو إسحاق الحربي أحد الأئمة في الفقه والحديث من تلاميذ أحمد بن حنبل، وفيها توفي المبرد محمد بن يزيد النحوي البصري إمام في اللغة والعربية. وفي سنة سبع وثمانين ومائتين توفي ابن النبيل أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك المحدث الحافظ القاضي.