الخليفة الأموي (سليمان بن عبد الملك )

مولده ونشأته: هو سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم القرشي الأموي، وكنيته أبو أيوب، ولد بالمدينة في بني جذيلة ونشأ بالشام في كنف أبيه وروى الحديث عن أبيه عن جده عن عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها في قصة الإفك، وكان مولده سنة 60هـ 679م. ولايته للعهد : كان والد سليمان الخليفة عبد الملك يهتم به وبأخويه الوليد ومسلمة فأحضرهم مرة بين يديه واستقرأهم القرآن، فأجادوا القراءة، ثم استنشدهم الشعر فأنشدوه، غير أنهم لم يكملوا شعر الأعشى فلامهم على ذلك ثم قال: لينشدني كل رجل منكم أرق بيت قالته العرب ولا يفحش، هات يا وليد: ما مركب وركوب الخيل بعضي مركب بين دملوج وخلخال فقال عبد الملك: وهل يكون من الشعر أرق من هذا!! هات يا سليمان: فقال: حبذا رجعها يديها إليها في يدي درعها تحل الإزار فقال عبد الملك: لم تصب. هات يا مسلمة: فأنشد قول امرئ القيس: وما ذرفت عيناك إلا لتضربني بسهميك في أعشار قلب مقتل فقال: كذب امرؤ القيس ولم يصب إذا ذرفت عيناها بالوجد؟ فلم يبق إلا اللقاء، وإنما ينبغي للعاشق أن يغتضي منها الجفاء، ويكسوها بالمودة. ثم قال: أنا مؤجلكم في هذا البيت ثلاثة أيام، فمن أتاني به فله حكمه، أي مهما طلب أعطيته، فنهضوا من عنده، فبينما سليمان في موكب إذا هو بأعرابي يسوق إبله وهو يقول: ولو ضربوا بالسيف رأسي في مودتها طال يهوي سريعا نحوها رأسي فقال: هاته، فأنشده البيت، فقال: أحسنت، وأنى لك هذا؟ فأخبره خبر الأعرابي، فقال: سل حاجتك؟ ولا تنسى صاحبك. فقال: يا أمير المؤمنين، إنك عهدت بالأمر من بعدك للوليد وإني أحب أن أكون ولي العهد من بعده فأجابه إلى ذلك وبعثه على الحج في إحدى وثمانين وأطلق له مائة ألف درهم فأعطاها سليمان ذلك الأعرابي. صفاته وأخلاقه: كان سليمان بن عبد الملك أبيض عظيم الوجه مقرون الحاجبين، يضرب شعره منكبيه، ما رأيت أجمل منه، روى قليلا عن أبيه وعبد الرحمن بن هبيرة، روى عنه ابنه عبد الواحد والزهري وكان فصيحا مفوها مؤثرا للعدل محبا للغزو، وكان سليمان ينهى عن الغناء ويروى أنه من الأكلة المشهورين. وبالجملة فهو يعتبر من خيار ملوك بني أمية فمن محاسنه أن عمر بن عبد العزيز كان له كالوزير فكان يمتثل أوامره في الخير فعزل عمال الحجاج وأخرج من كان في سجن العراق وأحيا الصلاة لأول مواقيتها، وكان بنو أمية قد أماتوها بالتأخير. وكان فصيحا بليغا، يحسن العربية ويرجع إلى دين وخير وحية للحق وأهله، واتباع القرآن والسنة وإظهار الشرائع الإسلامية، يقول السيوطي: كان فصيحا مفوها مؤثرا للعدل محبا للغزو، ويقول العصامي: كان من خيار بني أمية فصيحا مفوها مؤثرا للعدل محبا للغزو وقالت امرأة: رأيته أبيض عظيم الوجه وقد انعكست هذه الصفات الجميلة على خلقه فكان مؤثرا للعدل محبا للغزو ومقربا للصالحين، ونفي أهل الباطل، واتخذ لنفسه بطانة صالحة تدله على الخير إذا غاب عنه وتنهاها عن الشر إذا اقترب منه، وتذكره بوقوفه أمام يدي الله عز وجل، فيخشع وينحني ويبكي لهول هذا الموقف الرهيب. توليه الخلافة: أراد الوليد أن يخلع أخاه سليمان ويبايع لولده عبد العزيز فأبى سليمان، فكتب إلى عماله ودعا الناس إلى ذلك فلم يجبه سوى الحجاج وقتيبة بن مسلم وخواص من الناس، فكتب الوليد إلى سليمان يأمره بالقدوم عليه فأبطأ، فعزم الوليد على المسير إليه ليخلعه فمات قبل أن يسير إليه، فلما توفي الوليد يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة سنة 96هـ- 715م كان سليمان بالرملة من أرض فلسطين، فسار إليه الأمراء ووجوه الناس إلى بيت المقدس ليبايعوه هناك، وعزم على الإقامة بالقدس، وكان يجلس في صحن المسجد مما يلي الصخرة من جهة الشمال وتجلس أكابر الناس على الكراسي ، ثم إنه توجه بعد ذلك إلى دمشق فدخلها وكمل عمارة الجامع. وكانت بيعته بالخلافة في اليوم الذي توفي فيه أخوه الوليد سنة 96هـ 715م . أهم أعماله: لما ولي سليمان إمرة المسلمين جعل عمر بن عبد العزيز مستشاره ووزيره، وقال له: إنا قد ولينا ما ترى وليس لنا علم بتدبيره فما رأيت من مصلحة العامة فمر به فليكتب فأوصاه عمر بعزل نواب الحجاج وإخراج أهل السجون منها، وإطلاق الأسرى وبذل الأعطية بالعراق ورد الصلاة إلى ميقاتها الأول بعد أن كانوا يؤخرونها إلى آخر وقتها. أهم أعماله والحوادث في خلافته : - 1- عزل وتولية عدد من الولاة قام سليمان بن عبد الملك بعد توليه الخلافة بعزل وتولية عدد من الأمراء في عدد من ا لولايات من ذلك : أنه عزل والي المدينة عثمان بن حيان وولى مكانه أبا بكر محمد بن عمر بن حزم وهو أحد العلماء، (وكان قاضيا على المدينة ) وكان أبو بكر قد استأذن عثمان قبل أن يأتيه كتاب سليمان بتوليه ا لخلافة أن ينام في غد ولا يجلس للناس حتى يقوم ليلة إحدى وعشرين فأذن له، فلما كان من السحر إذا بكتاب أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك قد حضر بتوليه ا لإمارة فتولاه، وكان ذلك في رمضان سنة 96هـ 715م. كما بعث سليمان بن عبد الملك على المغرب محمد بن يزيد مولى قريش فولي سنتين فعدل ولكنه عسف بآل موسى بن نصير وقبض إلى ابنه عبد الله بن موسى وسجنه ثم قتله، ثم قتل عبد العزيز بن موسى لكونه خلع طاعة سليمان. 2- إرساله البعوث والجيوش للجهاد في سبيل الله محاولة فتح القسطنطينية : - لم تشغل الخلافة وأعمالها سليمان بن عبد الملك عن الجهاد في سبيل الله ففي سنة ثمان وتسعين جهز رحمه ا لله أخاه مسلمة بن عبد الملك لغزو القسطنطينية وأرسله وراء الجيش الذين هم بها، فسار إليها ومعه جيش عظيم فلما اجتمع الجيشان طلب منهم أن يزرعوا الأرض من القمح وغيره وأن يبنوا بيوتا من خشب لأنه لن يعود إلا بعد فتح القسطنطينية، فأرسل الروم إليه بالصلح فلم يقبل فغدر به رجل من النصارى فأحرق طعامهم، ثم وقعت بعدها الحرب ولقي المسلمون ما لم يلقه جيش آخر ودخل الشتاء وسليمان مقيم بدابق فلم يقدر أن يمدهم حتى مات. فتح جرجان وطبرستان: وذلك أن أمير خراسان في خلافة سليمان كان يزيد بن المهلب فجاءه الأمر بتسير الجيوش لفتح جرجان فسار إليها في مائة ألف من أهل الشام والعراق وخرسان وكانت يومئذ جرجان جبال وأبواب فابتدأ بقهستان فحاصرهم يزيد حتى ضعفوا وعجزوا فطلبوا الصلح فصالحهم على أن يدخل المسلمون المدينة ويأخذوا ما فيها من الأموال والكنوز فأخذوا من ذلك ما لا يحصى. ثم تحول يزيد إلى طبرستان فدخلها في أربعة آلاف جندي فانهزم أهلها ولحق بهم المسلمون حتى صعدوا الجبال وصاروا يرمون المسلمين بالحجارة فانهزم المسلمين وصالحوا صاحب طبرستان. وفاة سليمان: في سنة ثمان وتسعين توفي أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك يوم الجمعة لعشر بقين من صفر عن خمس وأربعين سنة وقيل ثلاث وأربعين، مات غازيا حيث أصابته حمى، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر، كان الناس يقولون: سليمان مفتاح الخير، أذهب الحجاج، وأطلق الأسرى، وأخلى السجون، وأحسن إلى الناس، واستخلف عمر بن عبد العزيز، وهو الذي صلى على جنازته وكان موته بدابق من أرض قنسرين. ولما حضرته الوفاة استشار وزيره رجاء بن حيوة فيمن يوليه أمور ا لمسليمين من بعده وكان رغب في تولية ابنه فقال له رجاء بن حيوة إن ابنك في جيش القسطنطينية ولا تدري أحي هو أم ميت، فطلب منه أن يشير عليه ، فأشار عليه بتولية الخلافة لعمر بن عبد العزيز ومن بعده لأخيه يزيد بن عبد الملك حتى لا تثور عليه بنو عبد الملك ففعل ما أشار به ثم توفي من ساعته.