شيخ العاشقين وجيه البارودي... شاعر بمرتبة طبيب

ولد الشاعر وجيه البارودي عام 1906في مدينة حماة وسط سوريا لأسرة ميسورة، مما ساعده على دراسة الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث تخرج منها طبيبا عام 1932. وفي بيروت، وجد البارودي له متنفسا رحبا للانطلاق، وتكونت شاعريته وصقلت في جو أدبي عام كانت تفيض به بيروت تلك الحقبة? فقد كون مع الأديب والمفكر اللبناني عمر فروخ والشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان والشاعر العراقي حافظ جميل جمعية أسموها دار الندوه عام1926م? لتكون هذه الجمعية البداية الحقيقية والناضجة لتجربته الشعرية. حماه والعاصي والبارودي على الرغم من شاعريته الفذة، وجزالة وروعة ألفاظه، إلا أن البارودي كان مقلا في شعره رغم عمره الطويل الذي قارب التسعين، الأمر الذي حد كثيرا من شهرته في محيطه العربي، ويبدو أن لعلاقته الوثيقة بمهنة الطب التي ظل يمارسها حتى وفاته عام 1996 أثرا كبيرا في ذلك، فقد ترك لنا وجيه البارودي ثلاثة دواوين فقط هي بيني وبين الغواني الذي صدر عام 1950، وكذا أنا عام 1971، و ديوان سيد العشاق الذي صدر عام 1994، أي قبل وفاته بعامين. ولم تكن مهنة الطب وحدها هي من سرقه من الشعر، بل علاقته الجدلية الوثيقة والحميمية بمجتمعه سلبا كانت أم إيجابا، فعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة التي وجهت له في حياته بسبب فوضويته الشعرية والشخصية كما اتهمه منتقدوه، إلا أن الجانب الآخر من تركيبته صنعت له مكانة رفيعة ومميزة عند فقراء مدينة حماة، والذين طالما ساعدهم ووقف بجانبهم، فقد كان يخصص لهم يوما في الأسبوع يعالجهم فيه مجانا، هذا عدا عن قيامه المستمر بزيارة أحيائهم لتقديم المساعدة والرعاية لهم. هذا التناقض الكبير بين الشاعر المتمرد، والطبيب الإنساني الرؤوم، حولته إلى شخصية شعبية محببة نسجت حولها وعلى لسانها الكثير من القصص والحكايات، وقد عبر بذلك عن نفسه قائلا. حكيم خبرتي تسعون عاما ومدرستي التجارب و العلوم وقال وأنا الطبيب الألمعي ولي على بلد النواعير اليد البيضاء ولا يقف الأمر لدى وجيه البارودي عند مساعدة الفقراء، بل يتعداه إلى نقد الأغنياء، ودعوة الفقراء إلى الثورة عليهم كما جاء في قصديته الحمراء : مررت أمس على العافين أسألهم ما تبتغون؟ أجابوا: الخبز والماء ومر بي مترف يشكو? فقلت له مم إشتكيت؟ أجاب: العيش أعباء سيارتي فقد ت في اللون جدتها أريد أخرى لها شكل ولألاء يا معدمون أفيقوا من جهالتكم يا من حياتكم نتن وأوباء لابد للأرض من يوم تثور به و الشمس من حنق في الأفق حمراء شيخ العاشقين تميز شعر البارودي بالنزعة الاجتماعية الانتقادية في بعض مناحيه، إلا أن الغزل أيضا احتل مكانة مميزة ورفيعة في شعره، وظل يكتب في الحب والغزل حتى في سنيه الأخيرة: يعجب الناس كيف يهوى مسن في الثمانين قوس الدهر ظهره خبر الحب يافعا ثم كهلا ثم شيخا فازداد عزما وخبره وهو أصبى فتوة في الثمانين وأدهى من المراهق شره أما عن شخصيته، فقد كانت مزيجا متناقضا من التسامح والانفعال، والوضوح والجرأة، والتفاني والحب،وقد عكس ذلك كله في شعره روحه وحياته التي حفلت بالأحداث العامة والخاصة. هذه الروح العاشقة والناقدة لكثير من المظاهر في مدينته، ظلت ترافقه طوال حياته، مما جعل مجتمع مدينته يرميه بالكثير من التهم إلى حد اتهامه بالكفر والإلحاد: فما أنا زنديق ولا أنا كافر ولا أنا سفاح ولا أنا سارق أهيم بأخلاق النبي وصحبه فصبح بلا تلك المصابيح غاسق فما عرفوا حبي وكنه عقيدتي وبينهم قامت وبيني فوارق توفي الدكتور وجيه البارودي عام 1996 تاركا وراءه إرثا شعريا كبيرا بمعانيه رغم قلته، وتاريخا حافلا بالحب والعطاء لمدينته التي عشقها حتى الثمالة، وحبا وذكرى عطرة خلدته لدى الكثيرين من محبي شعره، وهؤلاء الفقراء الذين أفنى سنين طويلة من عمره يساعدهم ويحنو عليهم: أنا حي بمنجزات نضالي وبشعري الذي يظل طريا وبطبي وخبرتي وبحبي سوف أبقى مخلدا أبديا