محمود سامي البارودي .. مجدد الشعر العربي

هو محمود سامي بن حسن حسني بن عبدالله شركسي الأصل مصري المولد تجري في عروقه دماء الأمراء من دولة المماليك الجراكسة )1382( 1517 وأبوه حسن حسني كان من أمراء المدفعية، ثم صار مديرا لبربر ودنقلة في عهد محمد علي، وجده لأبيه عبدالله الجركسي، والبارودي نسبة إلى (إيتاي البارودي (بمديرية البحيرة، والبارودي قد اكتسب هذا اللقب من أمه وليس من أبيه، فقد تزوج جده حسن بفاطمة البارودي وانتسب إلى أسرتها على عادة المماليك وتقاليدهم. يتم مبكر شهد يوم الأحد السابع والعشرون من شهر رجب عام 1255 هـ مولد إمام الشعراء المحدثين ورائد النهضة في الشعر العربي الحديث محمود سامي البارودي، وكان مكان المولد سرية بباب الخلق بالقاهرة. عندما بلغ سامي سن السابعة عين أبوه مديرا لبربر ودنقلة بالسودان ولم يكن مرتاحا لهذا المنصب، وودع أهله، وسافر إلى السودان تاركا ابنه محمود ووالدته، وهناك أصيب بالحمى بعد أربعين يوما من تسلمه عمله الجديد ودفن في دنقلة، غريب الدار والأهل. تيتم محمود سامي صغيرا، وهو في سن السابعة كما مر فحرم بذلك من حنان الأب ورعايته وتلقى دروسه الأولى في البيت. تحمل المسؤولية وقد قدرت الأم بعد وفاة زوجها بالسودان المسؤولية التي ألقاها القدر على عاتقها، فحملت الأمانة بشجاعة، ونذرت نفسها لرعايته ولم تشغل شغل النساء بصدمة الترمل، فما بلغ الثامنة من عمره حتى استقدمت إلى دارها معلمين خصوصيين يقومون على تأديبه في سنواته الأولى وتعليمه دروس المرحلة الابتدائية، ولم يكن محمود سامي البارودي يتلقى دروسه على يد مدرسيه الخصوصيين فقط ، بل كان يتلقى في نفس الوقت إعدادا من نوع آخر على يد مدرسته الأولى التي وهبته حياتها من أجله أمه فمنذ بدأت آفاق التفكير تتفتح عنده ، وتتسع مداركه وتسفر عن تقبله للمعرفة ، شرعت أمه تعده إعدادا نفسيا وروحيا ليحتل المكانة التي تؤهله لميراثه في السيادة والعز والمجد التليد، ففتحت له صفحات من تاريخ قومه الذين تسنموا ذروة الفخار وحدثته عن أجداده وأخبرته عن أبيه وأخواله . السيف والقلم ونتيجة لهذا الحديث أثرت فيه هذه العوامل وجعلته يهتم بعنصر البطولة والشجاعة مما شجعه إلى الانضمام إلى الجيش بعد أن انتهى من دراسته الأولية، ولكن القدر كان يترصده فقد كان عهد عباس الأول مرحلة خمول الروح الحماسي التي شبها محمد علي في الجيش، بل سرح معظمه وأقفرت ميادين القتال من ألوية مصر، ووقف الخديوي سعيد بحماقة ضد معاهد التعليم والجيش فحيل بين أحلام الفتى ونفسه، ولكن الشاب الطموح وجد أسبابا أخرى تحقق له ما يريد، وكان هذا في مكتبة خاله والتي تحتوي نفائس المخطوطات من دواوين الشعراء وكتب التاريخ، كما وجد هذا في مكتبات الآستانة بعد ما جاءها من مصر.