أوغندا .. تلك المملكة الإسلامية السابقة

أوغندا دولة إفريقية يحدها من الشمال السودان، ومن الجنوب تنزانيا ورواندا، ومن الشرق كينيا، ومن الغرب جمهورية الكنغو الديمقراطية (زائير سابقا). هذه الدولة الإفريقية ذات حضارة إسلامية لها الآن ما يقارب من مائة وخمسين سنة، وقد يستغرب البعض حين يعلم أنه في الأربعين عاما الأولى من حضارة هذه الدولة كانت عبارة عن مملكة إسلامية، وذلك قبل مجيء الاستعمار، الذي ظل يحارب وبشراسة هذه المملكة حتى سقطت بعد عدة حروب بينها وبين المستعمرين، واستولى الاستعمار الغربي على البلاد، وظل يحكمها حتى نالت استقلالها في أواخر هذا القرن، ولكن لما استقلت سلمت السلطة عند الاستقلال لغير المسلمين، وأصبحوا هم حكام البلاد، والمتصرفين في شئونها من غير منازع لهم، أما المسلمون فلم يكن لهم نصيب في الحكومة الأوغندية منذ استقلالها وإلى الآن. ومع هذا فإن المسلمين الأوغنديين والبالغ عددهم خمسة ملايين نسمة ظلوا محافظين على إسلامهم وهويتهم بالرغم من الحملات الشرسة لزعزعتهم عن دينهم وتغريبهم عن عقيدتهم وتقاليدهم. الناحية العلمية: من الملاحظ أنه في أثناء الاستعمار الغربي لأوغندا أنشئت المدارس التابعة للمنظمات التنصيرية، وذلك من أجل تدريس العلوم الحديثة مع التبشير بالدين المسيحي، ومع أن الالتحاق بهذه المدارس كان كفيلا بإيجاد فرص للالتحاق بالجامعات الحكومية، وبالتالي الحصول على وظائف حكومية بعد التخرج، إلا أن المسلمين قد امتنعوا عن إلحاق أولادهم بهذه المدارس، واكتفوا بإلحاقهم بمدارسهم الإسلامية، والتي كانت مقتصرة على تدريس العلوم الدينية فقط، من فقه وتفسير وغير ذلك، وهذه الدراسة تؤهل الطلاب بعد ذلك للعمل في مجال الخطابة والإمامة، ومع أن هذه المدارس كان لها أثر كبير في المحافظة على الإسلام في أوغندا، إلا أنه كان لها أثر سلبي آخر، حيث أن هذه المدارس لم تكن تؤهلهم للعمل في الدوائر الحكومية، مما أفقدهم التواجد الحقيقي في الوظائف الحكومية، وبالتالي ضعف تأثيرهم على الحكومات المتعاقبة في البلاد. وابتداء من الستينات أنشئت المدارس الثانوية الإسلامية والتي كانت بداية النهضة العملية للمسلمين حيث ازدادت هذه المدارس بحيث أصبح المسلمون يشكلون قوة علمية مما دفعهم إلى مزيد من العلم والتلقي. ومع هذا فإن المسلمين ينقصهم العلم الصحيح بأمور دينهم بالإضافة إلى الداعية الواعي والمطلع إلى وضعهم وأحوالهم. وإذا كانت المدارس الثانوية الإسلامية قد بدأت بالانتشار في أوغندا، إلا أن المسلمين هناك ما زالوا يعانون من نقص المدارس المتخصصة والجامعات الإسلامية الخاصة بهم، كما أنهم يعانون كذلك من نقص كبير في الكتب الشرعية، فقلما تجد في أوغندا مكتبة بها كتب دينية أو عربية. جامعة ماكريري تعد جامعة ماكريري من أقدم الجامعات في أفريقيا بعد جامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا، وقد تأسست عام 1922 م، وبها كل الكليات والتخصصات حتى علوم ومقارنة الأديان والدراسات الإسلامية والقرآن الكريم والحديث والتاريخ الإسلامي وعلوم القرآن بجانب كل أنواع المعارف، ولعل في هذه الجامعة متنفسا للمسلمين لإلحاق أولادهم بالتخصصات الشرعية وغيرها. الناحية الدعوية: الملاحظ أن النشاط الدعوي في أوغندا ينمو شيئا فشيئا بالرغم من قلة الدعاة وقلة الكتب الشرعية كما سبق بيانه، وقد تعددت الزيارات الدعوية التي يقوم بها عدد من الدعاة من الدول المجاورة كالسودان ونحوها، كما وفرت المملكة العربية السعودية عددا من الدعاة المحليين على نفقتها الخاصة ليتفرغوا للدعوة، وكذلك رابطة العالم الإسلامي تبنت بعض الدعاة على نفقتها وأصبح لهؤلاء دور بارز وواضح في أوغندا، فهم متواجدون في المدارس والمساجد، كما أن لمنظمة الدعوة الإسلامية نشاطا ملحوظا حيث تقوم ببناء المساجد وحفر الآبار وكفالة الأيتام وغير ذلك من الأعمال الجليلة. أما دور الدعاة من الخارج فهو دور تعزيزي، حيث يلقون دروسهم في المساجد والمدارس ودور العلم ويقيمون المحاضرات العامة لتوعية الناس بالإضافة إلى الدورات المكثفة التي تهدف إلى تعميق الإيمان في قلوب الناس. الناحية الاقتصادية وأثرها في أوضاع المسلمين يختلف المسلمون في أوغندا عن أمثالهم في الدول الأخرى، فهم بعكس المسلمين في سائر الدول التي يحكمها غير المسلمين من الناحية الاقتصادية، فبينما يعيش أولئك في شظف من العيش وفي حالة اقتصادية يرثى لها، نجد أن المسلمين في أوغندا يمثلون قوة اقتصادية كبيرة في البلاد، كما أنهم يتمتعون بمستوى معيشي جيد فهم يعيشون دائما في المدن ويمارسون التجارة بأنواعها، مما جعل لهم مركزا وثقلا في المجتمع الأوغندي عوضهم بعض الشيء عن قلة وجودهم في الوظائف والدوائر الحكومية. هذا وقد أعان هذا الوضع الاقتصادي الجيد على ممارسة المسلمين للضغوط المستمرة على الدولة لتحسين حالتهم وأوضاعهم والحصول على كثير من حقوقهم المشروعة، وكان من نتيجة هذا الضغط المستمر أن وافقت الدولة وبنص الدستور على إقامة محاكم شرعية تتولى قضايا الأحوال الشخصية، ولكن ينقصها القضاة الشرعيون مع أن هناك من هم في مستوى الدكاترة، ولكن أثرهم غير فاعل بسبب حاجز اللغة، إذ أن الكثير منهم لا يحسن اللغة العربية مع أنها اللغة المتداولة بين الشعب الأوغندي ولغة المحاكم ودور الحكومة المختلفة، كما ينقصهم التدريب، ولقد عرضت هذه المشكلة على الحكومة السعودية بكمبالا ووزارة العدل السعودية فرحبت كل الترحيب، وأبدت استعدادها لإعطاء دورات لحملة المؤهلات الشرعية في أوغندا وتدريبهم لكي تسنى لههم العمل في هذه المحاكم، كما ستقوم الندوة العالمية للشباب بتمويل هذه الدورات، حيث سيتعلمون اللغة الإنجليزية التي هي لغة البلاد حتى يتمكنوا من التعامل مع الدوائر الحكومية. النشاط التنصيري: النشاط التنصيري في أوغندا بدأ منذ القدم، حيث أقام البروتستانت والكاثوليك. لكن العمل التنصيري الآن أخذ شكلا آخر عن السابق، إذ دخلت إليه مجموعات جديدة من كل من أمريكا وغيرها بإمكانات هائلة وخطط موضوعة بعناية،كما قاموا ببناء المستشفيات ودور الأيتام والمدارس وغير ذلك، ولكن ما زال للإسلام مكان وسط كل هذه الإغراءات، وما زال المسلمون هناك متمسكين بعقيدتهم معتزين بإسلامهم، محافظين على هويتهم.