الأسهم والسندات بين وجوب زكاتها وعدمه

عرف عصرنا لونا من رأس المال، استحدثه التطور الصناعي والتجاري في العالم، وذلك ما عرف باسم (الأسهم والسندات) وهما من الأوراق المالية التي تقوم عليهما المعاملات التجارية في أسواق خاصة بها، وهي التي تسمى (بورصات الأوراق المالية)، وقد انتشر هذا النوع من رأس الأموال وعم البلدان الإسلامية وشركات الأموال والبنوك، فلا تكاد تخلو منهم مدينة من المدن التجارية، وأقبل الناس على امتلاك هذه الأسهم والسندات بحيث أصبحت تشغل كثيرا من تعاملاتهم المالية? وقد ترتب على ذلك أمور هامة، منها قضية الزكاة، هل تجب على هذه الأسهم والسندات أم لا تجب، وكيفية حسابها وما إلى ذلك، وفضيلة الشيخ صالح بن غانم السدلان يلقي الضوء على هذه المعاملات موضحا المراد منها ونشأتها وكيفية زكاتها على النحو التالي: تعريف السهم والسند: تعريف السهم: السهم هو صك يمثل حصة من الحصص المتساوية المقسم إليها رأس المال المطلوب للمساهمة، وهذه المساهمة تخول لصاحبها الحق في الحصول على ما يخصه من أرباح، أو عند اقتسام الممتلكات أو تحمل الخسارة. تعريف السند: السند هو جزء من قرض طويل الأجل، تدفع عليه فائدة ثابتة في ميعاد معين، وترد قيمته للمقرض في ميعاد يتفق عليه. سبب نشأة الأسهم والسندات: نشأت الأسهم والسندات نتيجة للتوسع في استغلال الثروات، وإيجاد الشركات المساهمة على نطاق واسع، وإشراك أكبر عدد ممكن من القطاع الخاص، مع مشاركة القطاع العام أحيانا.اهـ. الفرق بين السهم والسند: 1 السهم صك بمثل جزءا من رأس المال، أما السند فهو صك يمثل جزءا من قرض، لا تدخل قيمته في رأس المال. 2 السهم حامله شريك، أما السند فحامله دائن وليس بشريك. 3 السهم يصدر قبل التأسيس، وأما السند فيصدر بعد التأسيس لتوسيع الأعمال. 4 السهم كل شركة مساهمة لها أسهم، وأما السند لا يلزم أن يكون للشركة المساهمة سندات. 5 السهم للمساهم حق لحضور والتصويت في الجمعيات العمومية. وأما السند فليس له الحق في ذلك. 6 السهم قد يفقد المساهم حصته بسبب إفلاس أو ديون الشركة، أما السند فصاحبه لا تقع عليه أية أخطار بل يتأذى فقط بإعسار الشركة، ولكن حصته مضمونة. 7 ربح السهم يأخذه المساهم إذا ربحت الشركة وإلا فلا، أما السند فلصاحب السند فائدة مقررة في الموعد المحدد، ربحت الشركة أم خسرت. 8 السهم لا يمكن إصداره بأقل من قيمته الاسمية، أما السند فيمكن إصداره بأقل من قيمته الاسمية. 9 السهم: أرباح السهم غير معروف ميعاد دفعها بالضبط، أما السند تدفع الفائدة على السند في ميعاد محدد ومعروف. 10 السهم: لا يمكن خصم كوبون السهم، وأما السند يمكن خصم كوبون السند. 11 السهم لا تسدد قيمته إلا عند تصفية الشركة، أما السند فله وقت محدد لسداده. زكاة الأسهم والسندات: كيف تزكى الأسهم والسندات؟ هناك اتجاهان لمن كتب من العلماء المعاصرين عن زكاة الأسهم والسندات. الاتجاه الأول: يوجب النظر في هذه الأسهم، تبعا لنوع الشركة التي أصدرتها، أهي صناعية أم تجارية، أم مزيج منهما. فإن كانت الشركة المساهمة شركة صناعية محضة، أي بحيث لا تمارس عملا تجاريا كشركات الصباغة، وشركات الفنادق، والإعلانات، والأتوبيس والنقل البحري والبري، وشركات الطيران والقطارات، فلا تجب الزكاة في أسهمها، لأن قيمة هذه الأسهم موضوعة في الآلات والأدوات والمباني، وما يلزم الأعمال التي تمارسها، ولكن ما ينتج ربحا لهذه الأسهم يضم إلى أموال المساهمين ويزكى معها زكاة المال. وإن كانت الشركة المساهمة شركة تجارية محضة تشتري البضائع وتبيعها بدون إجراء عمليات تحويلية على هذه البضائع، كشركة الاستيراد، وشركة التجارة الخارجية، وشركات الاستيراد والمواد الخام. أو كانت شركة صناعة تجارية: وهي الشركات التي تستخرج المواد الخام أو تشتريها، ثم تجري عليها عمليات تحويلية، ثم تتجر فيها مثل شركات البترول، وشركات الغزل والنسيج، وشركة الحديد والصلب، والشركات الكيماوية، فتجب الزكاة في أسهم هذه الشركات. وتقدر الأسهم بقيمتها الحالية مع حسم قيمة المباني والآلات والأدوات المملوكة لهذه الشركات، فقد تمثل هذه الآلات والمباني ربع رأس المال أو أكثر أو أقل فيخصم من قيمة السهم ما يقابل ذلك،، وتجب الزكاة في الباقي. زكاة السندات: مالك السند مالك دين مؤجل، ويصير حالا عند نهاية الأجل، فتجب زكاته حينئذ لمدة عام إن مضى على ملكيته عام أو أكثر، وهذا مذهب مالك وأبي يوسف. أما إذا لم يحل أجله فلا يجب إخراج زكاته، لأنه دين مؤجل، وكذلك إذا لم يمض على ملكيته عام، لاشتراط مرور الحول في وجوب زكاة السند. ولكن القول الصحيح في الدين المرجو- وهو ما كان على مقر موسر- وجوب تزكيته كل عام، وهو قول جمهور الفقهاء، لأن الدين المرجو بمنزلة ما في يده. فلما كان السند ناميا ويجلب فائدة للدائن، وجبت تزكيته ، ولا يمنع من ذلك كون الفائدة محظورة؛ إذ أن حظر الفائدة لا يكون سببا في إعفاء صاحب السند من الزكاة. الاتجاه الثاني للعلماء والاتجاه الثاني: لا ينظر إلى الأسهم تبعا لنوع شركاتها، فيفرق بين أسهم في شركة وأسهم في أخرى، بل ينظر إليها كلها نظرة واحدة ويعطيها حكما واحدا، بغض النظر عن الشركة التي أصدرتها: فالأسهم والسندات أموال قد اتخذت للشراء والبيع والكسب والاتجار وقيمتها الحقيقية التي تقدر في الأسواق تختلف في البيع والشراء عن قيمتها الاسمية، فهي إذن عروض تجارة، فكان من الحق أن تكون وعاء للزكاة ككل أموال التجارة، ويلاحظ فيها ما يلاحظ في عروض التجارة. الاتجاه الصحيح : ولا فرق هنا بين السهم والسند، بل يعاملان معاملة واحدة في إيجاب الزكاة، وهذا هو الاتجاه الصحيح، وبناء على هذا: يؤخذ من هذه الأسهم آخر كل حول 2.5? اثنان ونصف بالمائة ( أي ربع العشر)، من قيمة الأسهم حسب قيمتها في الأسواق، مضافا إليها الربح بشرط أن يبلغ الأصل والربح نصابا. وهذا هو الاتجاه الصحيح والأوفق بالنظر إلى الأفراد من الاتجاه الأول، لأن كل مساهم سيعرف مقدار أسهمه ويعرف كل عام أرباحها فيزكيها بسهولة. بخلاف ما إذا قامت دولة مسلمة وأرادت جمع الزكاة من الشركات، فإن الاتجاه الأول أولى وأرجح، والله أعلم. مما سبق يتضح أن: كلا من السهم والسند له قيمة اسمية وهي قيمته المقدرة عند إصداره، وقيمة سوقية تتحدد في سوق الأوراق المالية، وكل منهما قابل للتعامل والتداول بين الأفراد، كسائر السلع، وأن بيع الأسهم وشراءها وإصدارها والتعامل بها حلال لا حرج فيه، ما لم يكن عمل الشركة التي تكونت من مجموع الأسهم مشتملا على محظور، كصناعة الخمر وبيعها والتجارة فيها، أو كانت تتعامل بالفوائد الربوية إقراضا واستقراضا، أو نحو ذلك. أما السندات فشأنها غير الأسهم لاشتمالها على الفوائد الربوية المحرمة، ولكنها مع ذلك رأس مال مملوك لصاحبه كالأسهم. كيفية إخراج الزكاة على الاتجاه الأول : ويتضح أيضا أن الاتجاه الأول: يجعل مدار وجوب الزكاة في أسهم الشركات: كون الشركة تمارس عملا تجاريا، سواء معه صناعة أم لا، وكيفية إخراج الزكاة من هذه الشركات: 1 تقدر الأسهم بقيمتها الحالية. 2 تحسم قيمة المباني والآلات والأدوات المملوكة لهذه الشركات، ويخصم من قيمة السهم ما يقابل ذلك، وتجب الزكاة في الباقي، ويمكن معرفة قيمة المباني والآلات والأدوات بالرجوع إلى ميزانية الشركة، وهذا الاتجاه مبناه على الرأي المشهور: أن المصانع والعمائر الاستغلالية ورؤوس الأموال المغلة- غير التجاري على وجه العموم-كالفنادق والسيارات والترامات الطائرات ونحوها،ليس فيها كلها زكاة، ولا في رأس المال والربح معا كمال التجارة. ولا في الغلة والإيراد كالخارج من الأرض الزراعية ، (إلا إذا بقي منها شيء وحال عليه الحول). وعلى هذا الأساس أعفي أسهم الشركات الصناعية التي لا تمارس أعمالا تجارية، وأوجب الزكاة في أسهم الشركات التي تمارس أعمالا تجارية. والأفضل إذا أخذنا بهذا الاتجاه: أن تعامل الشركات التجارية التي معظم رأس مالها في منقولات تتاجر فيها، ولا تبقى عينها معاملة المحلات التجارية إذا كانت ملكا للأفراد، فتؤخذ الزكاة من أسهمها على النحو التالي: 1 أن تقوم الأسهم في السوق وتعرف قيمتها. 2 أن يضاف الربح إلى قيمة الأسهم. 3 تؤخذ الزكاة بمقدار ربع العشر (2.5) بعد طرح قيمة الأثاث الثابت من الأسهم، كما في عروض التجارة، فالزكاة في عروض التجارة في رأس المال المتداول المتحرك. والسندات على هذا الاتجاه تجب الزكاة فيها بشرطين: 1 أن ينتهي أجلها ويملكها صاحبها. 2 أن يمضي على ملكيتها عام أو أكثر. ولكن جمهور الفقهاء يقولون: بوجوب تزكيتها كل عام، لأن الدين المرجو بمنزلة ما في يده، وهو اختيار أبي عبيد (هو أبوعبيد القاسم بن سلام الأزدي البغدادي، صاحب المصنفات الكثيرة، منها: (كتاب الأموال) ويعد أوسع كتاب ألف في بابه، وأنفسه، وأجمعه لكل ما يتعلق بالأموال في الدولة الإسلامية، ولد بهراة سنة (157هـ) وتوفي بمكة المكرمة سنة (224) رحمه الله، انظر : الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام من ص 3:8 ط: مؤسسة ناصر للثقافة، بيروت، لبنان، ط: الأولى 1981م)، وغيره. تنبيه هام: بعد أن عرفنا كيفية تزكية الأسهم والسندات، وذكرنا آراء العلماء المعاصرين في ذلك، يجب أن لا نغفل أمرا هاما وهو: أن بعض الشركات والمؤسسات قد تلجأ إلى شراء الأوراق المالية من أسهم وسندات رغبة في استغلالها كأصل متداول، أو أصل ثابت. ونظرا لاختلاف المعاملة عند فرض الزكاة على الأصل المتداول، مع حسم قيمة الأصل الثابت من وعاء الزكاة، لذلك ينبغي التمييز بين النوعين فيما يلي: 1 الأسهم والسندات أصل متداول: تعد الأسهم والسندات بمثابة أصل متداول إذا تم شراؤها بقصد إعادة بيعها مرة ثانية- كالبضاعة تماما- وتحقيق الربح من عمليات فروق أسعار البيع والشراء، وفي هذه الحالة تعد الأوراق المالية بمثابة عروض التجارة، وتزكى قيمتها السوقية مع ربحها في نهاية العام. 2 الأسهم والسندات أصل ثابت إذا تم شراؤها أصلا بقصد الحصول على ربحها فقط، مع إبقائها بالشركة سنوات طويلة، فمثلا قد تشتري شركة قديمة قائمة، أسهما في تأسيس شركة جديدة، في هذه الحالة تعد قيمة الأسهم المشتراة في الشركة الجديدة بمثابة أصل ثابت كالآلات والمعدات، وتحسم من وعاء الزكاة، يضاف إلى ذلك أن أرباح الأسهم الجديدة في تأسيس شركات أخرى تحسم من أرباح الشركة القديمة عند تحديد وعاء الزكاة في ذات السنة،حتى لا تزدوج الزكاة على المال الواحد، في السنة الواحدة (الزكاة في الميزان-بتصرف- ص 258). وبهذا يظهر أن ما كان من الأسهم والسندات ذات أصل متداول فليس محلا للخلاف المتقدم الذي مر ذكره. وإنما محل الخلاف فقط هو الثاني، وهو (الأسهم والسندات ذات الأصل الثابت). الذي لم يوضع للتداول، وإنما وضع لقصد تأسيس الشركة أو إحداث شركة جديدة، وهذا النوع هو الذي يدخل تحت الخلاف في أنه هل يزكى الربح مع الأصل، أو تكون الأسهم والسندات وعاء للزكاة ويزكي الربح فقط؟ والله أعلم.