حديث إطعام الطعام وإفشاء السلام

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: فحديث هذه المقالة هو ما رواه الإمامان البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف. إخواني القراء: وبعد أن قرأنا هذا الحديث، تعالوا بنا ننظر في الفقه الدعوي الذي نستفيده منه، وهو على النحو الآتي: أولا: أهمية السؤال في تحصيل العلم: إن العلم الذي وصل إلينا في هذا الحديث، وكثير من الأحاديث، كان جوابا لسؤال وجه إلى معلم البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعلم سؤال وجواب، ومن ثم قيل حسن السؤال نصف العلم، وبالعلم يطرد الإنسان الجهل، فلذلك عندما أجاب بعض الصحابة في فتوى لهم، وكانت سببا لموت المستفتي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال رواه أبو داود، وصححه الألباني. فالداعية بالسؤال يحصل العلم، ويسلم من الجهل والزلل، يقول عمر بن عبدالعزيز (رحمه الله): (خمس إذا أخطأ القاضي منهن خصلة كانت فيه وصمة أي عيب-: أن يكون فهما، حليما، عفيفا، صليبا، عالما سؤولا عن العلم). ولذلك أثنت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري- (على نساء الأنصار عندما كن يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أحكام الدين، فقالت: (نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين). الفقه الثاني من هذا الحديث هو أن من صفات الداعية الكرم، والترغيب فيه: إن من صفات الداعية التي لها أثر كبير على المدعوين، صفة الكرم، فعندما يكون الداعية كريما يستطيع أن يكسب قلوب الناس، ويجعلهم يحبونه ويقبلون عليه، وعلى ما يقول، حتى قيل: (ما وضع أحد يده في صحفة غيره إلا ذل له. ولا يقال: فإذا كان يورث الذل فينبغي أن يجتنب، وذلك مما يقدح في الترغيب في الإطعام المستفاد من الحديث، لأنا نقول مما جبلت عليه نفوس الأكثر قبول ما فيه نفع لها، ولا تبالي بما يحصل معه من ذل ونحوه، بل قد تتلذذ بذلك الذل لما اشتمل عليه من المنافع). هذا وقد أثنى الله على أهل هذه الصفة بقوله: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. يقول العلامة السنوسي (رحمه الله): (والإطعام المرغوب فيه، هو ما كان لفائدة شرعية، من طلب ثواب الله جل وعلا، فلا يبالي حينئذ ما أعطى، ولا لمن أعطى، أو دفع عن نفسه وعرضه وماله، أم لا. أما ما لا فائدة له، أو كانت الفائدة غير شرعية، كقصد المباهاة، وتكثير الانتفاع، والثناء الدنيوي ونحو ذلك، فليس بمقصود من الحديث، بل ربما كان بعضه حراما، كالإطعام لبعض اللئام من الظلمة والفساق ممن يستعين بذلك على فساده، ويغريه على أموال الناس، وتبقى لهم سنة سيئة في أموال الناس على الدوام) أهـ. إذن فينبغي للداعية إلى الله الحرص على إكرام المدعوين والقيام بضيافتهم، حتى يكسب قلوبهم ويحقق النجاح في دعوته ونشره لهذا الدين. الفقه الثالث من هذا الحديث هو إلقاء السلام وأثره الدعوي بين المجتمع: إن من أهم الأساليب الدعوية التي يجب أن يحافظ عليها الداعية، ويدعو لنشرها في المجتمع المسلم، هو إفشاء السلام، فإن ذلك له أثر كبير على نشر الود والمحبة بين الناس، واجتماع كلمتهم، وقبولهم للداعية ومحبته، يقول الحافظ ابن حجر- رحمه الله (عن فوائد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف: (تسلم على من لقيته، ولا تخص ذلك بمن تعرف، وفي ذلك إخلاص العمل لله، واستعمال التواضع، وإفشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة، وفيه من الفوائد أنه لو ترك السلام على من لم يعرف، احتمل أن يظهر أنه من معارفه، فقد يوقعه في الاستيحاش منه. وفي مشروعية السلام على غير المعرفة استفتاح للمخاطبة بالتأنيس ليكون المؤمنون كلهم إخوة فلا يستوحش أحد من أحد، وفي التخصيص ما قد يوقع في الاستيحاش، ويشبه صدود المتهاجرين المنهي عنه) أهـ. فبالتحية أيها الداعية تزرع المحبة والود في قلوب المدعوين، والإنس بك وبحديثك لهم، فقد يكون في قلب المحبين ضغن فيزول بالتحية، وقد يكون عدوا فينقلب بها صديقا. (فبذل السلام يتضمن مكارم الأخلاق والتواضع وعدم الاحتقار، ويحصل به التآلف والتحابب) أهـ.