واقع الإنسانية

لو فكر المرء فيما حوله من مواقف البؤس والشقاء، وتأمل بعواطف ومشاعر تفيض حرارة وألما، لاعتصره الهم لما يرى من أناس لا يكادون يجدون ما يسد رمقهم من كسرة خبز أو غرفة ماء قد أهلكهم الجوع وأخذ منهم التعب. قد نحلت أجسامهم وشحبت ألوانهم وبرزت عظامهم، لا مسكن لهم ولا مأوى، قد اتخذوا من أديم الأرض فراشا ومن ذراعهم الملوية وسادا، ومن السماء لحافا. ولسان حالهم: أجعل الساعد اليمين وسادي ثم أثني إذا انقلبت الشمالا ثم بعد ذلك يستقبلون ليلة يشيب لهولها الطفل من شدة بردها وقسوة قرها. أما ملابسهم فلا تسأل عنها فهي بالية على أجسادهم قد أثرت فيها السنون حتى ظهرت من خلالها أجسامهم شبه عارية. ينشدون الفرج على يد محسن يمد لهم ما يسد فاقتهم ويستر عوزهم. أي حياة يعيشها هؤلاء؟ وأي مجد يطلبونه؟، إنهم يسيرون إلى القبر، ولكن ببطء حتى يذوقوا الموت مرات عديدة، ويتجرعوا غصص الحياة حتى الثمالة! ثم بعد ذلك تكون النهـ.....ـاية!!! نعم تكون النهاية، ولكن في أي زمن؟ في زمن الأغنياء، في زمن طغيان النعمة، في زمان الذين يضعون أيديهم على بطونهم من أثر التخمة. قد انهالت عليهم الأموال من كل حدب وصوب. موائدهم تسع المئات، ولكن للأسف لا يجلس عليها سوى عدد من الأفراد، ثم ترمى في المزابل وغيرهم جائع، حقا إنها أموال ضائعة وبطون جائعة! ولكن أين من يعي ويتدبر؟ إلا من رحم الله، وقليل ما هم. نشر في مجلة (الأدب الإسلامي ) عدد (29)بتاريخ (1422هـ)